بسم الله الرحمن الرحيم
والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين سيدنا وحبيبنا محمد صلى الله عليه وسلم
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
إياك أن تظلم
محمد عبد الله المنصور
قبل عدة أشهر كتبت مقالاً سميته « رسالة بلا عنوان » سردت فيه قصصا لأشخاص ظلموا غيرهم،
أحدهم كان طالبا مهملا فوضع حشيشا في شنطة طالب متفوق واتهمه بتعاطي المخدرات فحطم حياته
و امرأة هدمت أسرة هانئة بعد أن كادت للزوجة واتهمتها بالخيانة بمساعدة قريب لها
وثالث اقترض مبلغا من زميل له ثم أنكره
و رابع سلب أرضا ليست له بشهادة زور.
وكان عاقبة هذا الظلم كما أوردت صحيفة الرياض التي نشرت التحقيق ونقلته عنها
أن الطالب الظالم أصيب بحادثين أحدهما قطع يده والآخر جعله حبيس الكرسي المتحرك!
أما المرأة فأصيبت بالسرطان ومات قريبها حرقاً!
كذلك خسر الذي أنكر الدين أضعاف مبلغه وتوفي له ثلاثة أولاد في حادث!
والأخير تلفت أرضه وأصيب بحوادث أخرى.
لم أعجب إن كان للقصص أثر كبير ولكن عجبي كان من كثرة إحساس الناس بالظلم الواقع عليهم.
مررت بالبنك لإنهاء بعض الأوراق وجلست مع موظف أقابله للمرة الأولى وبعد أن تأكد من شخصيتي فاجئني بأن أخرج صورة المقال المذكور من جيبه العلوي! وكان قد مر على المقال قرابة ثلاثة أشهر! تنهد ثم قال لي إنه يحتفظ به ليقرأه دوما، ولم أعرف سر ذلك.
* كتبت المقال لشعوري بأن الكثيرين يقعون في الظلم ويتساهلون فيه ومثل هذه القصص قد توقظهم، ولم يكن الفضل لي فالتحقيق المذكور كان ثمينا ويستحق أن يعاد نشره لكني لم أتوقع أن ينتشر في منتديات الإنترنت وأن يوزع بكميات كبيرة في مسجد الشيخ المنجد ومكتبة الهجرة كما ذكر لي أحد الزملاء حتى إن إحدى دور النشر اتصلت بي لتحويله إلى نشرة فاقترحت عليهم الاتصال بالجريدة التي نشرته.
بيد أن موقفا غريبا حدث نتيجة المقال وهو ما أعتبره العزاء الوحيد لي ولزملائي الكتاب الذين يمضون وقتهم في انتقاء الأفكار وجمع المعلومات وصياغة المقال من أجل إصلاح وتطوير مجتمعنا ووطننا فلا نجد إلا الإهمال من غالبية الوزارات والهيئات وحتى مجلس الشورى ولو اتصلت بهم الجريدة لنشر خبر أو لقاء لتهافتوا عليها، أما الرد على معاناة المواطنين وأفكارهم ومقترحاتهم فهذا آخر ما يفكرون به ظنا منهم أن الكاتب سيمل ويفقد الأمل! و لكني أذكرهم أن السكوت علامة الرضا وعدم الرد يعني الإدانة وأن المجتمع لن يرحم الذين تولوا المناصب وقصروا في عملهم..!
* كنت في اجتماع في العمل مع زملاء لا أعرفهم، بعد أن عدنا من فترة الغداء سلم علي أحدهم وسألني هل أنت الذي كتبت المقال المذكور؟ فأجبته بنعم، فقال دعني أقص عليك ماذا عمل المقال؟ لقد وقع لي حادث سيارة مع شخص آخر ونتج عن الحادث وفيات لست مسئولا عنها وخلال التحقيق فوجئت بذاك الشخص وقد أحضر معه شهود زور ليلبسوني التهمة! رفضت التقرير فأحيلت القضية الى المحكمة فحكمت علي بفضل شهود الزور بدفع أربعمائة ألف ريال لغريمي فرفضت الحكم وقلت له إنني مستعد لمساعدتك ماديا لكني لن أقبل تهمة لم أرتكبها ولن أستطيع أن أدفع المبلغ الذي حددته المحكمة لكنه رفض. و استمرت القضية في مداولاتها حتى وصلت إلى هيئة التمييز التي صادقت على الحكم ولم يعد لدي سوى الله، وأبلغ القرار للجهات الأمنية لتنفيذه أو سجني! قبلها بيوم وقد بلغ مني الهم ما بلغ، ذهبت إلى مكتبة مجاورة لبيتي لشراء مستلزمات لأبنائي فوجدت صورة المقال وقرأته وكان الوقت ليلا فأسرعت متوجها إلى بيت غريمي وطرقت الباب وحين فتح لي ناولته المقال وقلت له اقرأ!
فقال لن أقرأ شيئا، ما هذا؟ وماذا تريد في هذه الساعة؟ فرميت صورة المقال وتركته وذهبت. و ما هي إلا ساعة أو ساعتين وإذا بباب بيتي يطرق وإذا بغريمي وقد تغير وجهه ونبرة صوته وهو يقول لي: أنا في مشكلة! أريد أن أتنازل عن الدعوى ولكن أخشى أن تشك الجهات الأمنية وتكتشف حقيقة تزويري! فطمأنته ووعدته بأن نبلغهم أننا سوينا الأمر. وفي الغد ذهبنا إلى الشرطة فتفاجأ الضابط وتعجب قائلا له: منذ أربع سنوات والقضية قائمة وحين صدر لك الحكم تنازلت بهذه السهولة! وانتهت القضية وزال الظلم بفضل الله...
* ترى كم من الظلم يقع من الوالدين على أبنائهما وعلى الوالدين من أبنائهما؟
كم هم الذين يظلمون أقاربهم ويظلمون جيرانهم بل و زملائهم و أصدقائهم؟ سواء كان ذلك بالقول أو الفعل، بأكل حقوقهم أو التقصير في واجباتهم.
كم من الظلم يقع على العاملين من الوافدين الذين لا تصرف لهم رواتبهم وحقوقهم.
كم من الميسورين الذين لم يلتفتوا لأقاربهم لفك كربهم وتسديد ديونهم أليس المال من عند الله أيتمنون أن يكون حالهم كحال أقاربهم ألا يخافون أن يبدل الله حالهم بحال أقاربهم.
و إلى السعوديين الذين يحاربهم البعض في التوظيف ويبخل عليهم بالراتب ويحرمهم من أبسط حقوقهم مع أنه يسرف ويبذر في الحلال والحرام؟
كم يظلم المواطن وطنه حين يتلف المرافق العامة ولا يحترم الأنظمة، حين يضع مصلحته قبل كل شيء مبررا ذلك بأمور هو يعلم بطلانها؟
كم من الموظفين ظلموا أنفسهم بالتقصير في وظائفهم وكم من المدرسين ظلموا طلابهم؟ وكم وكم.. هل بقيت أسطر لأكمل؟