بحر الصداقة
أمل الحسين
لكل شيء خلقه الله فائدة حتى فيما نحسبه سوءاً علينا وكارثة ولا نعرف هذا الأمر حتى نتعلم كيف ننظر للأمور وإلى أي حد نستفيد منها ونحولها لصالحنا ونعتبر أن ما يصيبنا أمس واليوم ماهو إلا رصيد في خزانة تجاربنا نسحب منه للعيش مع الغد، يقال إنه لولا ظلام الليل لما عرفنا قيمة النهار، وهذا القول ينسحب على كل شيء في الحياة ميزة الأشياء بأضدادها وهذا ما يجعلنا نقول إنك قد لا تقدر ثمن الطيب من الناس حتى تجرب خبيثهم ولا تعرف قيمة الصديق الوفي إلا عندما تعايش صديقاً خائناً فقد أهدى إليك دون أن يقصد درساَ عظيماً لكيفية اختيار الأصدقاء ومعرفة معادن الناس، أثار حفيظتي في هذا الأمر الإنساني بكاء سيدة بحرقة وألم بسبب ما تعرضت له من سوء ظن من صديقة عمرها - حسب وصفها -، فقد استغربت أنها مازالت تصفها بالصديقة، فالصديق الذي يضع صديقه في خانة الخيانة ولا يكلف نفسه التأكد على الأقل من صحة الظنون لا يستحق أن تكمل معه مشوار حياتك أو أن تطلق عليها صفة الصداقة العظيمة والجليلة، إن صديقاً واحداً صادقاً واياً يبقى معك ألف عام خير لك من ألف صديق في كل يوم أو حتى سنة واحدة.
قال الشاعر.
وإذا صفا لك من زمانك واحد
فهو المراد، وأين ذاك الواحد
الصداقة التي تنهار بسبب سوء ظن أو أحاديث حاكها الوشاة ليست صداقة ماهي إلا علاقة هشة آيلة للسقوط أصلاً وتنتظر هبة هواء صيفية لتقع.
من حظوظ الدنيا التي تصيبك وبعيداً عن مقياس معظم الناس للحظ حيث يرونه في المال والمنصب، من الحظوظ الصديق الصدوق الوفي، الصداقة قصة حب من نوع آخر لا نفع فيها سوى آنس مجالسة الصديق فهو لكل شيء للجد والهزل، للظاهر والباطن.
اليوم، رغم أني لا ألغي جميل اليوم وما فيه من معروف، مشاهد تقطع نياط القلب، أناس كنا نحسبهم أصدقاء فاكتشفنا أنه ينطبق عليهم قول الشاعر.
وكنت أعدك للنائبات
فها أنا أطلب منك الأمانا
وأصدقاء تراهم يبكون أصدقاءهم بحرقة عند وفاتهم ولم يتعظوا بقول أبوي الدرداء (معاتبة الأخ خير من فقده، لا تسمع فيه قول حاسد وكاشح، غداً يأتيك أجله فيكفيك فقده، فكيف تبكيه بعد الموت وفي الحياة تركت وصله)، وأناس يزعمون أنهم أصدقاء وماهم إلا من سئل عنهم شيخ الإسلام المجاهد ابن المبارك (إن قوماً يلتقون بالبشر والسلام فإذا تفرقوا طعن بعضهم على بعض. فقال ابن المبارك: أعداء غيب، إخوة تلاق، تباً لهذه الأخلاق، كأنما شقت من النفاق)، وأناس أفعالهم من مصائب الزمن وقد قال فيهم الشاعر.
أناس امناهم فنموا حديثنا
فلما كتمنا السر عنهم تقولوا
ولم يحفظوا الود الذي بيننا
ولا حين هموا بالقطيعة أجملوا. ومع هذا يبقى الأجمل وأظن أنهم الأكثر بين الناس، فقد ذكر في الأثر أن صديقاً أخطأ على صديقه فكتب إليه : مثلي هفا، ومثلك عفا، فأجابه صديقه: مثلك اعتذر، ومثلي اغتفر.