[
[FONT='Arial','sans-serif']كنت أظن طيلة سنين عمري التي أنقضت أننا البشر هم من يحملون داخلهم المشاعر فقط .. ولكن أن يكون للجماد أحاسيس تتكلم بها فهذا الأخير الذي لم يقبله عقلي حتى رأيت بعيني .. أستيقظت هذا الصباح على نحيب يقض مضاجع النائمين .. صوت بكاء يخرج الصخور من صمتها لتبكي هي الأخرى .. أخذت أدور في غرفتي كمن أصابه مس أبحث هنا وهناك عن مصدر هذا الصوت الذي أمتزج بكاءه بنبرة يكتسيها الأسى .. بحثت و بحثت و لكن الفشل كان نتيجة محتومه فلا وجود للكائن البشري داخل حجرتي ..
عدت إلى سريري و هذا الصوت يزداد مع كل خطوة أقترب فيها منه .. أخذ يقشعر بدني مع كل خطوة أخطوها .. فالصوت في إزدياد و أنا وحدي من يقطن في هذه الغرفة .. و ساعات الصباح الباكر تشير بعقاربها بإن الوقت لا يزال مبكرا لإستيقاظ أهل البيت .. أقتربت أكثر و أكثر بخطوات كان الخوف سمة لها .. لأرى عجبا .. و لأقف على مالا يقبله العقل و المنطق ولكن هي الحقيقة ..
إلآهي .. ما هذا ؟؟!!
في منظر يكاد يكون أقرب إلى الخيال من الحقيقة قلمي قد إحتضن دفتري الخاص في عناق لم أرى مثله .. عناق يوحي لمن رأّهما بموت صاحبهما .. فليس أعظم من مصيبة تحل بالقلم عندما يرحل صاحبه بغير رجعه .. هالني المنظر .. و قفت حائرا أرقبهما .. لكنني لم أستطع مع ذلك تحملا .. و في محاولة مني للتخفيف عنهما و جدت أصابع يدي تعانقهما هي الأخرى .. ليزداد البكاء و النحيب فلقد همسوا بسر بكائهما لها ..
وليتهما لم يتفوها بكلمة و التزما الصمت .. فعيني سابقت أصابعي للبكاء .. و قلبي شاركهما الألم .. و كأننه كان بحاجة لمن يفتح جراحه حيث كان يخفي من الآلام الشيء الكثير .. فهو من يجب أن يتحلى بالصبر و الشجاعة فكونه سيد الموقف عليه بالصبر .. ولكن الأمر أكبر من طاقته ..
آآآآآه يا قلمي .. كل هذا تخفيه بداخلك و تتظاهر للآخرين بقوتك .. لم أكن أعلم أنك رقيق المشاعر إلى هذه الدرجة .. كنت أظن أن لا شيء يعدل قوتك في الدنيا عندما تكتب .. كنت أرمي بك هناك و هناك ظن مني أنك جماد لا تحمل من المشاعر إلا ما يمليه عليك صاحبك ..
في لحظات الحزن التي لفها الصمت بوشاح السكون .. لم يعد قلمي قادرا على التحمل أكثر من هذا .. فخرج عن صمته ليعبر عن كل من عانقه و شارك بدموعه و أحساسه ليقول وداعا .. وداعا .. وداعا ..
وداعا لمن كانوا رمزا للصداقة الحقة .. وداعا لمن هم أهلا ليتوجوا على عرش الأخوة الصادقة .. وداعا لمن يحملون في صدورهم القلوب البيضاء .. وداعا لمن تجد منهم الإبتسامة تقابلك كل حين .. وداعا لمن كانوا بلسم لجروح الغربة و عونا عليها .. وداعا .. وداعا .. وداعا ..
كم هي مرة هذه اللحظات .. ستعود إلى الظلام أيامنا .. و إلى الدموع أعيننا .. و إلى السهر جفوننا .. فبرحيلكم كل شيء قد أنتهى .. فلا الحياة هي الحياة ولا الزمن هو الزمن .. كل شيء أنتهى ..
عزائي يا صاحبي برحيلكما .. أنكم ستغادران لوطنكما .. و أسأل الله أن يجمعني بكم مرة أخرى ..
وداعا أمين .. وداعا علي
أخوكم
سلطان[/FONT]