الفرد الإيجابي المنتج لبنة أولى في بناء المجتمعيقول صلى الله عليه وسلم: "إذا عمل أحدكم عملاً، فليتقنه". جملة قصيرة تختزل بداخلها كماً كبيراً من المعاني العميقة الموحية، فكم نحن بحاجة إلى أن يتحمس كل منا لما يقوم به من عمل، فيتقنه.. فاللفظ الوارد في الحديث "فليتقنه" ولم يقل "فليؤده" أو "فليعمله".. إنما قال "فليتقنه"، والإتقان هو أداء العمل بمنتهى الجودة. تخيلوا لو أننا جميعاً جعلنا شعارنا هو الإتقان في العمل.. فهل سيكون بيننا متخاذل؟ وهل سيكون بيننا فاشل؟!
يتحدث علماء الإدارة عن مجموعة من المبادئ والعمليات الإدارية ومنها: "التقويم" أو ما يسمى بالتغذية الراجعة، وهي معرفة جوانب القوة ومن ثم تعزيزها وتقويتها، ومعرفة جوانب الضعف والقصور في العمل ومن ثم علاجها وإصلاحها. وقد اختصرها لفظ الحديث بقوله "فليتقنه".
إذا أردنا أن نكون أمة لها مستقبل واعد مشرق كما كان لنا ماضٍ مجيد تليد، فليبدأ كل منّا بنفسه فيتقن عمله وبعد ذلك ليس بحاجة إلى التوجس من نظرة رؤسائه إلى ذلك العمل، لأنه قام به على أتم وجه وأفضل صورة ولم يراقب إلا الله، ولذلك فعمله أجدر بالتقدير وشخصه أولى بالاحترام.
أما ما نجده اليوم من محاولة تثبيط لمن يعمل، وتقليل من شأنه، وقتل من طموحه، فليس من الإنسانية في شيء، وليس من الدين في شيء، بل هو جبن وتخاذل ورجوع بالمجتمع والأمة بأسرها إلى غياهب الظلام وأوحال التواكل والتكاسل. ألم يقل – الله عز وجل -: "وقل اعملوا فسيرى الله عملكم ورسوله والمؤمنون"؟
إن القارئ لسطوري هذه قد يتوهم أني أنفي شرف العمل عن مجتمعنا وأنني متشاءم إلى حد بعيد!
كلا.. كلا.. أنا أعني هنا: العمل المتقّن، العمل المثمر، وفرق كبير بين أن تعمل عملاً كاملاً وبين أن تعمل نصف عمل أو تقوم بروتين رتيب لا يرضي ربك ولا يريح ضميرك.
أنا أتحدث هنا عن تحمل المسؤولية كاملة وليس نصفها، أنا أتحدث عن أداء الأمانة الملقاة على عاتق كل عامل مهما كن عمله (طبيب، معلم، مهندس، قاض، عسكري... إلخ) – وصدق علي الطنطاوي – رحمه الله – عندما قال: "لقد انقضى ذلك العهد الذي كان الموظف فيه مسؤولاً أمام رئيسه، وأصبحنا اليوم وكلنا مسؤولين أمام الأمة والتاريخ".
أنا لا أنكر أن في الأمة خيراً، وأن مجتمعنا يزخر بأناس يعملون بإخلاص وتفان وإجادة، ولكني لا أغفل أن هناك فئة أخرى همها التثبيط والسخرية والتقليل من شأن من يعمل وأنا أسميهم "أعداء النجاح" فهؤلاء لا يحبون أن يتقنوا أعمالهم، ولا يودون أن يروا غيرهم يعمل وينجح ويبدع، فهم بين نارين، نار الحسد والغيرة، وجحيم التخاذل والتكاسل، فلا ظهراً أبقوا ولا أرضاً قطعوا. تسمع لأحدهم فيعجبك قوله.. تراقب عمله ومدى إتقانه له، فيدهشك تقصيره وتأجيله وتسويفه.
وهنا أتساءل: أين مراقبة النفس؟ أين الضمير الحي؟ وقبل ذلك أين الوازع الديني؟
ما الذي أوصل دول الشرق والغرب من حولنا إلى أوج الحضارة والرقي والتقدم؟
ألم يكن هو الفرد العامل المجّد المتقن لعمله؟!
إن الفرد هو اللبنة الأولى في بناء المجتمع ويجب أن يكون إيجابياً منتجاً داعياً إلى العمل المثمر لا إلى التواكل والتقصير والتثبيط. ومن كان من هواة الكسل، فأنصحه ألا يجر غيره إليه، فمن أخذ الأجرة حاسبه الله بالعمل.
عبدالرحمن بتيل