هذي مقاله جدا رائعه تستحق الوقوف دقائق وقراءتها مع تمنياتى لكم بوقت ممتع ومفيد ......... وهي الحقيقه عباره عن مقالتين لنفس الكاتب مرتبطه ببعضها معالجة البطالة: معا.. يداً بيد! د. مقبل صالح أحمد الذكير -السبت 25/04/1428هـ من الظواهر الإيجابية التي طرأت على مجتمعنا أننا بدأنا نناقش مشاكلنا المختلفة بواقعية وصراحة وبعقول منفتحة. وهي خطوة أولية مبشرة، نأمل أن تنقلنا لصياغة حلول وبرامج عملية واضحة وملزمة تخفف من حدة هذه المشاكل، ثم نطورها لتصبح جزءا من نظامنا الاجتماعي العام، حيث لا تتغير كثيرا مع تغير الظروف وتقلبات عوائد النفط. إنني أخشى أن تمرق الطفرة الراهنة دون أن يشعر الناس بأثرها على حياتهم ومستوى معاشهم، فيترحمون على طفرة السبعينيات السابقة. ما زال مجتمعنا يعاني من تحديات عديدة، من أخطرها مشكلة تفشى البطالة. وكانت " الاقتصادية " قد نشرت يوم السبت الماضي تصريحا لمعالي الدكتور غازي القصيبي وزير العمل، شخص فيه الحالة وبين للعاطلين ماذا عليهم أن يفعلوا. فقد أشار معاليه إلى أن أغلب العاطلين عن العمل هم من ذوي المؤهلات المتدنية (الثانوية وما دون)، أو هم من ذوي المؤهلات الجامعية النظرية التي لا يطلبها السوق. وقال إن وزارة العمل لم تكن مسؤولة عن تعليم العاطلين أو تخريجهم، وأن الوزارة لا تنتج وظائف لتقدمها للعاطلين من الناس، ولكنها جهة تنسيق وتدريب تبحث للعاطلين عن وظائف في القطاع الخاص، ضمن إطار تشريعات الدولة وسياسات وزارة العمل في الاستقدام وسعودة الوظائف . ومن ثم فإن الوزارة لا تستطيع أن تفرض على المؤسسات الخاصة أفرادا غير مؤهلين لأداء الوظائف المطلوبة، لأن هذا من شأنه أن يؤدي إلى تدني الإنتاجية وارتفاع التكاليف. وأضاف معاليه، أن وزارة العمل لا تقوم بتوجيه أي عاطل عن العمل إلى القطاع الخاص قبل أن يحصل على التدريب الذي يؤهله لوظيفة محددة. وأضاف أن على طالبي العمل أن يقبلوا بمستوى الرواتب الذي يناسب مؤهلاتهم ومستوى تدريبهم. وإذا أرادوا مستوى رواتب أفضل فعليهم تطوير مهاراتهم وقدراتهم. ثم أشار إلى أن بعض العاطلين يعتقدون أن هويتهم السعودية تكفي لفرض توظيفهم وتعيينهم بالرواتب التي يرغبون! وأن لدى البعض من العاطلين نظرة غريبة تجاه بعض المهن ( كالحلاقة والسباكة والطهي ونحوها)، لأنهم يترفعون عنها، وهي نظرة لا نجدها لدى بقية المجتمعات بما فيها المجتمعات المتقدمة اقتصاديا. ثم أكد معاليه أن هناك اليوم فرصا كبيرة متاحة للعمل في ظل النهضة التنموية الشاملة التي تعيشها المملكة هذه الأيام!! وأن المسؤولية الأساسية تقع على عاتق الأسر وعلى العاطلين أنفسهم في الاستفادة من فرص التدريب المجانية المتاحة للجميع لتأهيل طالبي العمل للوظائف الموجودة أو المستحدثة. وأنا أوافق معاليه على بعض ما قال وأتحفظ على بعضه الآخر. والحقيقة أن مشكلة البطالة هي نتيجة تراكم عوامل عديدة تجمعت خلال فترة من الزمن. ولذلك وكما قلت في لقاء أجرته معنا إحدى القنوات الفضائية المتخصصة في اليوم نفسه الذي نشر فيه تصريح الدكتور القصيبي، وشاركني فيه من الرياض أخي الدكتور عبد الرحمن السلطان، أن وزارة العمل تتصدى لأمر صعب وهي في وضع لا تحسد عليه. لكني ألاحظ أننا ما زلنا نكتفي بإلقاء اللوم على العاطلين وحدهم ونحملهم كل المسؤولية، ونادرا ما نعترف أنها مسؤولية تضامنية جماعية. فالواقع أننا جميعا مسؤولون عن ما آلت إليه أحوال شبابنا وشاباتنا. ولو كان تدني مستوى التحصيل العلمي أو مستوى التدريب والتأهيل، خاصا بعدد محدود منهم لقلنا فعلا إنها مسؤوليتهم بالدرجة الأولى. أما عندما تكون ظاهرة عامة فإنها تصبح مسؤولية مجتمع ومسؤولية حكومة. فالحكومات في كثير من بلاد الدنيا, في يوم الناس هذا، أضحت مسؤولة عن تخطيط وتطوير وتنمية برامج القوى العاملة لمواطنيها. إن الحقيقة التي لا مراء فيها هي أننا نحصد ما زرعنا. ه ناك جهات عديدة مسؤولة عن هذه المشكلة منها: نظامنا التعليمي المترهل، وتخطيطنا الاقتصادي الفضفاض، ونظامنا الإداري المتهالك، وسكوتنا عن الفساد الإداري ( المتاجرة برخص الاستقدام، وتعطيل قيام المشاريع) أو الموجود في بعض مؤسساتنا الخاصة (تعارض المصالح بين الأجانب المسؤولين عن التوظيف في المؤسسات الخاصة وطالبي العمل من المواطنين). ومادام الأمركذلك، فيجب أن يتحمل المجتمع ككل جزءا كبيرا من هذه المسؤولية. ومن الخطأ تحميل القطاع الخاص أو العاطلين عن العمل وحدهم مسؤولية هذا الوضع. من مصلحتنا كأمة ومجتمع أن نجد حلولا عاجلا للعاطلين، وبرامج أخرى طويلة الأجل تضمن عدم استفحال البطالة مستقبلا. عندما نتكلم عن شباب لا يجدون مصدرا للرزق، فنحن نتكلم عن حاجات أساسية للبشر، لا عن حاجات كمالية وترفيهية. لقد تاهت بوصلة اتجاهاتنا، وغدا لدينا خلل في الأولويات. وسأضرب مثالا عن خلل هذه الأولويات من واقع البيئة التي أعمل فيها، وعلينا أن نقيس عليها بقية الصور في مجتمعنا. فمنذ عقدين وأنا أنبه في المجلس العلمي في الجامعة التي أعمل فيها، أننا نرتكب خطأ كبيرا بتجميد وتعطيل وظائف المعيدين، لأنه سيأتي وقت نعود فيه للنقطة التي كنا عليها قبل 40 عاما، عندما يتقاعد أساتذة الجامعة تباعا فنجد أنفسنا مضطرين للاستعانة بالأجانب كما كنا في أول عهدنا في التعليم الجامعي! وقد بدأ هذا الوضع يتحقق بالفعل في جامعاتنا منذ أربع سنوات! ويحق للمرء إزاء مثل هذه الأوضاع أن يتساءل: ألم يكن أجدر وأولى في ترتيب الأولويات أن نخصص مواردنا للاستثمار في الإنسان، بدلا من تأخير ترتيبها لصالح أنشطة ترفيهية ورياضية ومهرجانية؟ وما دام أن المسؤولية كانت جماعية فعلينا احتواء هذه المشكلة مرحليا بتوسيع فرص العمل الحكومي المدني والعسكري، ومنح تعويضات بطالة بضوابط محددة، وإصلاح الخلل في سوق العمل، وتوسيع برامج التدريب وإعادة التأهيل المجانية بكثافة، وتشجيع الفتية على إنشاء وتملك مشاريع صغيرة، وتحميل الشركات القيادية جزءا من هذه المسؤولية ( البنوك والمصانع والمؤسسات الخدمية والتجارية الكبيرة) وليكن لهم في برامج عبد الطيف جميل لخدمة المجتمع مثالا وقدوة. وعلينا أيضا التصدي بجدية للفساد الإداري، والاستمرار بعزيمة صادقة في برامج التطوير والإصلاح في مرافق حياتنا كافة، وإلا فإن الثمن الذي سيترتب على هذه المشكلة وسواها سيكون مكلفا ومؤلما. لنضع طعامنا على مائدة واحدة ونبدأ في الإصلاح، لمصلحتنا ومصلحة الاستقرار في بلادنا **************************************** البطالة والأفكار الخلاقة د. مقبل صالح أحمد الذكير - 03/05/1428هـ عطفا على مقالتي يوم السبت الماضي عن مشكلة البطالة في مجتمعنا، هاتفني من العاصمة البريطانية، أخي المهندس محمد عبد اللطيف جميل، ليبشرني بأن لديه أفكارا جديدة ضمن جهود مؤسسته لخدمة المجتمع تتسق مع ما دعوت إليه في مقالتي فيما يتعلق بالجهود التي يمكن أن يسهم بها القطاع الخاص لتخفيف حدة البطالة. ولمعرفتي بمنهجه الذي يسير عليه في أنه يحب أن يقرن القول بالعمل، فإني سأحترم رغبته وسأؤثر عدم الحديث عن أفكاره الآن. كما تلقيت اتصالات كثيرة من شباب عاطلين عن العمل، ومن آباء وأمهات يعاني أبناؤهم وبناتهم المشكلة ذاتها. بعضهم يشتكي الصعوبات التي يلقونها عند البحث عن فرص عمل في القطاع الخاص، والبعض الآخر يصف مقدار المشقة ومبلغ العنت الذي يواجهونه عند بدء مشاريعهم الخاصة الصغيرة من قبل صغار الموظفين ببعض الجهات الحكومية وبخاصة مراقبي البلديات، وهي مشقة غير محتملة نظرا لصغر هذه المشاريع التي لا تتحمل بطبعها المضايقات والتكاليف المترتبة على مثل هذه المكابدات. ولكل هؤلاء كنت أقول لهم وأرجوهم أن يتخذوا من هذه المصاعب سببا قويا للإصرار على مواصلة الكفاح، فالمهم هو ألا تفتر عزائمهم وأن يؤمنوا بذواتهم، وألا يستصغروا أنفسهم، ولا يقللون من قدراتهم، فكل كبير يرونه الآن صغيرا. لذا عليهم أن يتحلوا دائما بالصبر وبطاقات نافذة وعزائم ماضية، وأن يجعلوا من الانكسارات دافعا لمواجهة التحديات وتحقيق الإنجازات. كان يهمني أن أقنعهم بأن هذه الدعوة ليست من قبيل المجاملات وتنميق الكلمات أو تهدئة الخواطر وتطييب النفسيات، وإنما هي حقيقة مشاهدة في الحياة، فكثيرا ما تبدأ قصص النجاح الكبيرة من فكرة بسيطة مقترنة بروح وثابة ورغبة صادقة في الكفاح وبلوغ النجاح. وكنت أضرب لهم أمثلة واقعية من حياتنا لبعض العصاميين من رجال أعمالنا. فالشيخ سليمان العليان، رحمه الله، بدأ ساعيا في مكاتب "أرامكو"، الشيخ سليمان الراجحي بدأ حياته متسببا يحمل على ظهره مخلفات ذبائح البعارين بدمائها التي تقطر على ظهره ويتكسب منها. الشيخ حسين قزاز بدأ تجارته بمحل صغير في باب زيادة في مكة المكرمة يبيع فيه عددا محدودا من نوع واحد من زجاجات العطر (ليالي باريس)، والشيخ صالح كامل نمّا حسه التجاري بطباعة ونسخ وتصوير المذكرات الدراسية وبيعها على زملائه الطلاب وقت أن كان يدرس في جامعة الملك سعود. إن على الشباب أن يدركوا أن البحث عن عمل لدى الآخرين ليس هو الطريق الوحيد لكسب الرزق. إن لدى كثير من الشباب طاقات وقدرات لو اكتشفوها في أنفسهم لفتحت لهم آفاقا في الحياة ما كانوا يتصورنها. لكن على الشباب أن يتحلوا بالواقعية، ويعرفوا حدود قدراتهم ثم يصقلوها بالتدريب والاستعداد الجيد لما يتطلبه الكفاح في الحياة. وفي كل الأحوال، يجب على الشباب أن يتحركوا ويشغلوا تفكيرهم دائما بضرورة عمل شيء ما، فالقابع في منزله والمتواكل على غيره لن يحقق شيئا. عندما يتحرك الشاب وينزل معترك الحياة ويتفقد الأسواق، قد يكتشف فكرة بسيطة تفتقر إليها السوق ويرى في نفسه قدرة على سد فراغها بجهد وأدوات بسيطة. الحياة حولنا فيها عوالم عديدة غير العالم الذي نعرفه ويحيط بنا في الحي أو المنزل. بعض الأفكار قد لا يستطيع شخص بفرده تحويلها إلي فكرة ناجحة على أرض الواقع، لكن يمكن بتكاتف جهود مجموعة من الشباب لديهم العزيمة نفسها والإصرار نفسه تحويلها إلى فكرة ناجحة. إن للعديد من الأنشطة الاقتصادية التي تدور في حياتنا خط إنتاج متعدد المراحل، لو تأمل كل عاطل هذه المراحل، لتبين له أن بإمكانه أن يتوسط بين مرحلة وأخرى، سواء في عمليات النقل أو التوزيع أو التسويق. مع ملاحظة أن الأفكار الأكثر نجاحا هي التي تقدم شيئا جديدا تفتقر إليه الأسواق ويحتاج إليه الناس. وليتأكد الشباب أن الحياة تسع الجميع, وهي مليئة بالفرص المتجددة. عندما ظهر الهاتف الجوال في حياتنا، استطاع بعض الشباب أن يكتشفوا بحس سباق أن سوقا واعدة قد انطلقت، فنفذوا إلى داخل دائرة نشاط هذه التجارة الوليدة بعمل بسيط انتهى ببعضهم إلى أن أصبحوا من كبار الموزعين ( الحداد مثالا). وقبل نحو عقدين ظهر في حياتنا خدمة نقل السيارات من مدينة لأخرى، وكانت فكرة جديدة، حققت لمن عرف كيف يكتشف مبكرا حاجة الناس إليها مشروعا باهرا وناجحا. ومثل هذه الأفكار لا تحتاج في البداية إلى رؤوس أموال طائلة، فكل كبير يبدأ صغيرا, كما قدمت في أول كلامي. إن شراء شاحنة نقل متوسطة أصبح أيسر كثيرا مما كان في الماضي، ويمكن أن يشترك عدة أصدقاء أو أعضاء في العائلة في شراء أول شاحنة. لكن هناك بعض الأذكياء الذين طوروا هذه الفكرة، عندما لاحظوا أن الناس تحب أن تتسلم سيارتهم من المطار حال وصولها، فعمدوا إلى مد الخدمة مباشرة للمطارات، أو قريبا منها. كنت قد قابلت قبل فترة واحدا من طلبتي، وأسعدني عندما أخبرني أنه لم ينتظر الوظيفة، ولكن الصدفة الجميلة قادته لاكتشاف فرصة عمره! إذ وجد أن هناك حاجة لنقل البضائع من ميناء جدة إلى مخازن التجار في المدينة نفسها، فاشترى شاحنة مستعملة بدأ بها نشاطه وبعد ثلاث سنوات أصبح لديه سبع شاحنات! لذلك نحن اليوم بحاجة إلى معاهد تعلم الشباب والشابات كيف يفكرون وينشئون مشاريعهم الخاصة الصغيرة، وهذه المعاهد بذاتها هي فرصة تجارية لرجال الأعمال، كما أنها في الوقت نفسه فرصة لعمل خيري يمكن أن تقوم به تلك الثلة من رجال الأعمال الذين يتصفون بالحس الوطني والشعور بالمسؤولية الاجتماعية، فيقيمون مثل هذه المعاهد على أسس إدارية عالية الكفاءة لكن دون أن يكون هدفها الربح، بل يكفي أن تغطي تكاليفها. وإذا آمنا بأن مثل هذه الترتيبات ستساعد على تخفيف حدة البطالة، فإننا في حاجة أيضا إلى جهة حكومية ترعى أصحاب المنشآت والمشاريع الصغيرة وتقوم بتذليل الصعوبات الإدارية كافة التي يمكن أن يصادفوها وتحميهم من تصرفات صغار الموظفين الحكوميين. ألا يستحق شبابنا أن تكون لهم هيئة لتشجيعهم وتذليل العقبات أمامهم, كما لنا هيئة لجذب رؤوس الأموال الأجنبية؟ المجتمع الذي يتمتع بوعي عام في عالم المشاريع الخاصة الصغيرة، يغدو أكثر صحة وتنافسية، وعلى المدى الطويل يصبح أسرع نموا. .................................... أنتهى.. ودمتم بكل خير ..