الحمد لله الذي شرع لنا الأعياد لتكون مواسم بهجةٍ وسرور ، والصلاة والسلام على من بعثه الله بالهدى والرحمة ، وعلى آله وصحبه أجمعين . وبعد ؛
فمنذ مدةٍ ليست باليسيرة ظهرت في مجتمعنا عادة إرسال بطاقات المُعايدة التي جرت العادة أن يُرسلها الإنسان لإخوانه أو أصدقائه أو أقاربه أو زملاء العمل أو المعارف أو غيرهم من الناس لتهنئتهم بالعيد السعيد في جُملٍ مُنتقاة وكلماتٍ مُختارة ، واعتبار ذلك نوعاً من التواصل الاجتماعي .
وعلى الرغم من انتشار هذه البطاقات المطبوعة بأشكالٍ كثيرةٍ ، وأحجامٍ مختلفة ، وعباراتٍ مُتنوعة إلا أنها في حقيقة الأمر لا تؤدي إلا النزر اليسير مما ينبغي أداؤه في مثل هذه المناسبة ؛ لآن الأصل في العيد التزاور واللقاء والفرح والبهجة ، وأُنس الأخ بإخوانه وأحبابه ، وهو ما لا يمكن أن تؤديه هذه البطاقات إذ إن دورها لا يتجاوز تذكير الإنسان بمن أرسلها ، وربما جاء هذا التذكير بعد مرور المناسبة بأيامٍ عدة تبعاً للظروف .
وحتى أكون منصفاً فإن إرسال بطاقات المعايدة مسألةٌ قد تدعوا إليها بعض الظروف ، لاسيما عندما يتعذر على الإنسان الوصول إلى الآخرين ، فيمكنه الاكتفاء بإرسالها لكونها خيرٌ من القطيعة والنسيان ، ولأنها في هذه الحال أفضل من عدم التهنئة بالكلية ، ثم لأن المثل يقول : " نصف رغيف أفضل من لا شيء " ؛ إلا أن علينا جميعاً ألا ننسى أن لخطوات الأقدام مناسباتٌ لا تُغني عنها عبارات الأقلام ، وأن إرسال بطاقات المعايدة لا يُغني أبداً عن زيارة الأهل والإخوان ، والالتقاء بالأصدقاء والأقارب ، ولاسيما أن لحظات اللقاء وبهجة الالتقاء تُدخل على القلوب السعادة والسرور ، وتُزيل من النفوس الضغائن والأحقاد ، وهي - بإذن الله تعالى - سبيلٌ إلى نبذ الفرقة وإزالة العداوات وإصلاح النفوس ، كما أنها كفيلةٌ برسم البسمة على الشفاه ، وزرع المحبة والأُلفة في النفوس ؛ إضافةً إلى ما في تبادل الزيارات من تجديد العهد بالآخرين ، وسماع عبارات التهنئة منهم ، وتصافح الأيدي ، وتواجه العيون ، وتقارب النفوس ، وكل ذلك لا تؤديه بطاقات المعايدة الصامتة مهما رَقَّت كلماتها وحَسُن شكلها وارتفع سعرها .
فيا إخوة الإيمان ؛ لتكن أعيادنا أعياد محبةٍ ووفاء ، وسعادةٍ وإخاء ، وتزاورٍ وصفاء ، وبهجةٍ باللقاء ، ولنستبدل الذي هو أدنى بالذي هو خير فنستغني عن البطاقات بالخطوات المأجورة ، والعبارات الصامتة بالكلمات الصادقة ، وليكن لأعيادنا طعمٌ كما كانت عند من هم قبلنا ، وعاد عيدكم يا مسلمين ، كل عامٍ ونحن وإياكم بخيرٍ وسلام .