قرأت سير عظماء مروا في هذه الدنيا وذهلت لعظيم صبرهم وقوة احتمالهم، كانت المصائب تمر عليهم وكأنها قطرات ماء باردة، وهم في ثبات، وكأنه مكتوبٌ في حنايا قلوبهم (اصبر وما صبرك إلا بالله).
صحبة الصالحين تجارة، فلنقرأ هذه الوصية (يابني، إن نزعتك إلى صحبة الرجال حاجة، فاصحب من إذا صحبته زانك, وإن خدمته صانك، وإن عركت به مانك، من إن قلت صدق قولك، وإن صلت سدد صولك، وإن بدرت منك ثلمة سدها، وإن رأى منك حسنة عدها) علقمة العطاردي.
كان لعبدالله بن المبارك جار يهودي، فأراد أن يبيع داره، فقيل له: بكم تبيع الدار؟ قال:ألفين, فقيل له: لا تساوي إلا ألفاً، قال: صدقتم، ولكن ألف للدار، وألف لجوار عبدالله بن المبارك، فأخبر ابن المبارك بذلك فدعاه فأعطاه ثمن الدار وقال:لا تبعها. بكم دار جيراننا اليوم؟
عن أبي يوسف تلميذ أبي حنيفة قال: بينما أنا أمشي مع أبي حنيفة إذ سمع رجلا يقول لرجل: هذا أبو حنيفة لا ينام الليل، فقال أبو حنيفة: لا يتحدث الناس عني بما لا أفعله، فكان يحيى الليل في صلاة ودعاء وتضرع. (هذا هو السلف الصالح)، فأين نحن منهم!
كان (ربعي بن خراش) لا يكذب قط، وكان له ابنان عاصيان زمن الحجاج فطلبهما، وقد اختفيا، فقيل للحجاج إن أباهما لا يكذب قط، لو أرسلت إليه فسألته عنهما، فأرسل إليه فقال له: أين ابناك؟ قال هما في البيت. قال: قد عفونا عنهما لصدقك. صدق من قال: (الصدق منجاة).
قال لقمان الحكيم لولده: يا بني إذا افتخر الناس بحسن كلامهم فافتخر أنت بحسن صمتك، فإني ما ندمت على سكوتي مرة، ولكني ندمت على الكلام مرارا.
السعادة أبسط مما نتخيل، وتفوق كل ما نتخيل، وتضم أشياء وتفاصيل متناهية الصغر، فهي ليست قاصرة على المال أو العمل المرموق أو المكانة الاجتماعية الرفيعة، أو حتى النجاح والتميز، إنما هي كل هذا، إنها الطريق نفسه إلى النجاح والتميز.