السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
أمّا بعد: فيا أيّها المسلمون، اتقوا الله تعالى فإنّ تقواه أقوى ظهير وأوفى نصير، يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَآمِنُوا بِرَسُولِهِ يُؤْتِكُمْ كِفْلَيْنِ مِنْ رَحْمَتِهِ وَيَجْعَلْ لَكُمْ نُورًا تَمْشُونَ بِهِ وَيَغْفِرْ لَكُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ
أيّها المسلمون، إنكم في دارٍ ليست للبقاء وإن تراخى العمر وامتدَّ المدى. أيّامُها مراحل، وساعاتها قلائل، والمرءُ لا شكَّ عنها راحِل. الدنيا قنطرةٌ لمن عَبَر وعبرةٌ لمن استبصَر واعتبر، وَمَا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا إِلاَّ مَتَاعُ الْغُرُورِ
فاستبقوا الخيرات، وبادِروا قبل أن تتمنّوا المهلةَ وهيهاتَ هيهات، ولا تغترّوا بحياةٍ تقود إلى الممَات، ، ولا يُسمَع في ربوعِها إلا "فلان مرِض" و"فلان مات".
يا عبد الله كيف بك إذا جاءك الموت ، ولم ينفعك أحد من قرابتك ولا أقرب المقربين إليك ولا أن تنفع أنت نفسك ، ما الذي تتمناه في هذه اللحظة ؟ وما الذي تريد ؟ فلولا إذا بلغت الحلقوم وأنتم حينئذ تنظرون ونحن أقرب إليه منكم ولكن لا تبصرون فلولا إن كنتم غير مدينين ترجعونها إن كنت صادقين "
عبد الله لن ينفعك أحد لن يغني عنك أحد لا يردّ عنك الموت أو يؤخره لحظة واحدة ( فإذا جاء أجلهم لا يستأخرون ساعة ولا يستقدمون )
الدنيا قد آذنت بالفِراق، فراق ليس يشبهُه فراق، قد انقَطع الرجاءُ عنِ التلاق، وَالْتَفَّتْ السَّاقُ بِالسَّاقِ إِلَى رَبِّكَ يَوْمَئِذٍ الْمَسَاقُ
يا مَن سينأى عن كل محب ومحبوب ك ، يا من سيفارق أهله مثِّل لنفسِك قولَهم: جاءَ اليقينُ فوجِّهوه وتحلَّلُوا من ظلمه قبل الممات وحلِّلوه، مثّل لنفسك قولَهم: جاء الأجلُ فأغمضوه وغسِّلوه وكفِّنوه وحنِّطوه واحملوه على أكتافكم وادفنوه، يقول رسول الهدى صلى الله عليه وسلم : ((إذا وُضِعت الجنازةُ فاحتمَلها الرجال على أعناقهم، فإن كانت صالحةً قالت: قدّموني قدّموني، وإن كانت غيرَ صالحة قالت: يا ويلَها أين تذهبون بها؟! يسمَع صوتَها كلُّ شيء إلا الإنسان، ولو سمعها الإنسان لصعق)) أخرجه البخاري
ويأتيك يا عبد الله القبر وما أدراك ما القبر القبر وضمَّتَه ووحشته وظلمتَه يقول رسول الهدى : ((ما رأيتُ منظرًا قطّ إلاّ والقبر أفظعُ منه)) ، وكان عثمان بن عفان رضي الله عنه وأرضاه إذا وقَف على قبرٍ يبكي حتى يبلّ لحيتَه، فقيل: تذكر الجنّةَ والنار ولا تبكي، وتبكي من هذا! قال: إنّ رسولَ الله قال: ((إنّ القبرَ أوّل منازل الآخرة، فإن نجا منه فما بعدَه أيسرُ منه، وإن لم ينجُ منه فما بعدَه أشدُّ منه))[1][4]، ويقول رسول الهدى : ((إنّ أحدَكم إذا مات عُرِض عليه مقعدُه بالغداةِ والعشيّ، إن كان مِن أهل الجنّة فمِن أهل الجنة، وإن كان من أهل النار فمن أهل النار، يقال: هذا مقعدُك حتى يبعثَك الله يومَ القيامة))
فكروا في هذه الدينا فيمن مضي من السابقين والأولين و الآخرين ففيهم عبرة لمن اعتبر ,عمروا في هذه الدينا فعمروها كانوا أكثر منا أموالا و أولادآ ,و أشد منا قوة و تعميراً ,فذهبت بهم الأيام و أصبحوا خبراً من الأخبار ,و أنتم علي ما ساروا عليه سائرون ,سوف تنتقلون عن الدينا إلي القبور وسوف تنفردون بأعمالكم إن خيراً فخير ,وإن شراً فشر,و حين ذلك ينفخ في الصور فيقوم الناس من قبورهم لرب العالمين ,حفاة بلا نعال,و عراة بلا ثياب , هنالك قلوب واجفة و أبصارهم خاشعة هنالك تنشر الدواوين و هي صحائف الأعمال فيأخذ المؤمن كتابه بيمنية و يأخذ الكافر بشماله و من وراء ظهره فَأَمَّا مَنْ أُوتِيَ كِتَابَهُ بِيَمِينِهِ فَيَقُولُ) فيقول فرحاً وسرورا (هَاؤُمُ اقْرَأوا كِتَابِيَهْ) (الحاقة:19) ( وأما من أوتي كتابه بشماله فيقول ) حزناً وغما ( يا ليتني لم أوتي كتابيه )
وعن عائشة قالت سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول يحشر الناس يوم القيامة حفاة عراة غرلا . قلت يا رسول الله الرجال والنساء جميعا ينظر بعضهم إلى بعض ؟ فقال يا عائشة الأمر أشد من أن ينظر بعضهم إلى بعض .متفق عليه
وصدق رسول الله صلى الله عليه وسلم إن الأمر والله أشد من أن ينظر بعضهم إلى بعض إن الأمر أشد من أن ينظر الرجال إلى النساء أو النساء إلى الرجال إنه أعظم من أن تسأل الأم عن ولدها والابن عن أبيه (فَإِذَا نُفِخَ فِي الصُّورِ فَلا أَنْسَابَ بَيْنَهُمْ يَوْمَئِذٍ وَلا يَتَسَاءَلُونَ) (المؤمنون:101) يقول الله عز وجل (يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمْ إِنَّ زَلْزَلَةَ السَّاعَةِ شَيْءٌ عَظِيمٌ * يَوْمَ تَرَوْنَهَا تَذْهَلُ كُلُّ مُرْضِعَةٍ عَمَّا أَرْضَعَتْ وَتَضَعُ كُلُّ ذَاتِ حَمْلٍ حَمْلَهَا وَتَرَى النَّاسَ سُكَارَى وَمَا هُمْ بِسُكَارَى وَلَكِنَّ عَذَابَ اللَّهِ شَدِيدٌ) (الحج:1-2)
ذكر الله تعالى وجوه الأشقياء ووجوه السعداء يوم القيامة
فقال سبحانه تعالى ﴿وجوه يومئذٍ ناضرة * إلى ربها ناظرة)
أما سعداء يوم القيامة فهم أصحاب الجنة الذين قال الله سبحانه وتعالى عنهم: ﴿فِي مَقْعَدِ صِدْقٍ عِنْدَ مَلِيكٍ مُقْتَدِرٍ﴾[القمر:55]، وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم مبيناً ما أعده الله عز وجل للمؤمنين ومحذراً من هذه الدنيا دار المغرورين ثبت من حديث سهل بن سعد رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «موضع سوط أحدكم في الجنة خير من الدنيا وما عليها، والغدوة والروحة في سبيل الله خير من الدنيا وما عليها» يا سبحان الله! ما أصغر السوط، سوط بيد إنسان موضعه في الجنة خير من كل الدنيا ما هذه الدنيا؟! ما كنوزها.. ما أنهارها.. ما أشجارها.. ما أبكارها؟ كلها حقيرة، موضع سوط في الجنة خير من الدنيا وما عليها! موضع عصا واحد من الناس ما هي عدة عصي عصا واحد، موضعه في الجنة خير من الدنيا وما عليها! والناس يتهالكون ويتكالبون ويتقاطعون ويتناحرون من أجلها!
وما ينظرون إلى موضع السوط الواحد كيف بموضع بيت كيف بمد البصر كيف بما أعده الله عز وجل للمؤمنين مما لا عين رأت ولا أذن سمعت ولا خطر على قلب بشر، و قال ايضاً صلى الله عليه وسلم: «أعددت لعبادي الصالحين ما لا عين رأت، ولا أذن سمعت، ولا خطر على قلب بشر: -قال في الحديث حديث أبي هريرة- اقرءوا إن شئتم: ﴿فَلا تَعْلَمُ نَفْسٌ مَا أُخْفِيَ لَهُمْ مِنْ قُرَّةِ أَعْيُنٍ جَزَاءً بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ﴾[السجدة:17]».
عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: "سئل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن أكثر ما يدخل الناس الجنة؟ فقال: تقوى الله وحسن الخلق. وسئل عن أكثر ما يدخل الناس النار؟ فقال: الفم والفرج"
(رواه الترمذي )
عن جرير بن عبد الله قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم إنكم سترون ربكم عيانا . وفي رواية قال كنا جلوسا عند رسول الله صلى الله عليه وسلم فنظر إلى القمر ليلة البدر فقال إنكم سترون ربكم كما ترون هذا القمر لا تضامون في رؤيته فإن استطعتم أن لا تغلبوا على صلاة قبل طلوع الشمس وقبل غروبها فافعلوا ثم قرأ ( وسبح بحمد ربك قبل طلوع الشمس وقبل غروبها) )
أما الأشقياء يوم القيامة عفانا الله و إياكم قال عنهم الله عز وجل
ـ﴿ووجوه يومئذ باسرة * تظن أن يفعل بها فاقرة ﴾ .
( وجوه يومئذ خاشعة * عاملة ناصبة * تصلى نارا حامية ﴾
كانوا يتعبون أنفسهم في العبادة وينصبونها , ولا أجر لهم عليها , لما هم عليهمن كفر و ضلال ، إنها وجوه الكفار كالرهبان وربما تؤولت في أهل البدع كالخوارج؛
(عاملة ناصبة)عن عباس ابن رصي الله عنهما قال:هم الذين أنصبوا أنفسهم في الدنيا علي معصية الله عز وجل ,و على الكفر؛مثل عبدة الأوثان.
قال الحسن و عيد بن جبير:لم تعمل لله في الدينا ,و لم تنصب له,فأعملها و أنصبها في جهنم.
وروي عن الحسن قال:لما قدم عمر بن الخطاب "رضي الله عنه ,الشام أتاه راهب شيخ كبير متقهل عليه سواد ,فلما رآه عمر بكي.فقال له :يا أمير المؤمنين ,ما يبكيك ؟قال هذا المسكين طلب أمرا فلم يصبه ,و رجا رجاء فأخطأه ,و قرأ قول الله عز وجل
﴿وجوه يومئذ خاشعة * عاملة ناصبة)
﴿ ووجوه يومئذ عليها غبرة *ترهقها قترة*أولئك هم الكفرة الفجرة)
****/font>يَوْمَ تَبْيَضُّ وُجُوهٌ وَتَسْوَدُّ وُجُوهٌ فَأَمَّا الَّذِينَ اسْوَدَّتْ وُجُوهُهُمْ أَكْفَرْتُم بَعْدَ إِيمَانِكُمْ فَذُوقُواْ الْعَذَابَ بِمَا كُنْتُمْ تَكْفُرُونَ }آل عمران106.
ويقال إن ذلك عند الميزان إذا رجحت حسناته ابيض وجهه,و إذا رجحت سيئاته اسود وجهه.
و قال ابن عباس رضي الله عنهما :تبيض وجوه أهل السنة و تسود وجوه أهل البدعة .
اللهم بيض وجوهنا يوم تسود وجوه العصاه و الكاذبين
اللهم اجعل وجوهنا وجوهاً ضاحكة مستبشرة يوم لقائك و نعوذ بوجهك الكريم أن نكون من أصحاب الجحيم
اللهم لا تكب وجوهنا في النار من بعد السجود لك يا أرحم الراحمين
و حرم وجوهنا عن النار يا أكرم الأكرمين.
منقول
أخوكم الاسمري
أرجـــوا الدعاء لوالدي بالشفاء العاجل