تراهم ينفخون دخان نرجيلتهم...ويرمون بحجر الزهر على ا لطاولة ....تلك اللعبة التي أصبحت الصديق المؤنس للمتقاعد فيجلس ومن حوله تعبق رائحة الشاي ..وصوت مطربي أيام زمان يعود بك سنينا للوراء لتحن إلى صوت السيدة أم كلثوم وفريد الأطرش .
حديثهم حركاتهم ...قهقهاتهم وجوههم كلها تروي لك قصصاً من واقع عاشه أصحابه, واقع كان لابد فيه الحلو والمر يقولون البارحة كنا شبابا و اليوم غدونا متقاعدين. يجلسون مع أقرانهم يشتكون هموم الحياة ومآسيها..ومشاكل العيلة والعيال ...
فكانت لنا الوقفة التالية :
تقاعد ولا تقاعد :
السيد أبو مصطفى _ موظف متقاعد :
تقاعدت من ثلاث سنوات ، وهذه السنوات الثلاث أحسها كأنها دهر . أنا متعود على العمل والخروج ومن الصعب أن أتخلى عن عادة تعودت عليها خمساً وثلاثين عاماً ، أنا أبحث الآن عن عمل ، فمن جهة راتبي التقاعدي لا يكفي لأول خمسة أيام من الشهر ومن جهة أخر متطلبات العيال والمدارس والجامعات باتت كبيرة .فعلى الرغم من عمري الذي وطأه الزمن بأقدامه لابد لي من عمل أحفظ فيه نفسي وعائلتي .
التقاعد : ؟؟؟
السيد أبو خلدون _مدرس متقاعد :
يقول قضيت عمري بين دفاتر الطلبة وأوراقهم الامتحانية . علمناهم كل ما استطعنا كانوا أولادا لنا...والآن بعد عقود من الخدمة نتقاعد كأس شخص عادي أصبحت سنه القانونية ملزمة للتقاعد. راتبي التقاعدي لا يكفي ثمنا لدوائي أنا وزوجتي .
التقاعد هم قبل وبعد:
السيد موفق _موظف متقاعد _ أنا سأحال على التقاعد بعد سنتين وقد بدأت من الآن أفكر فيه ، لأن الكثير من أمور حياتي ستتغير وأنا الآن أبحث عن عمل لأن الجميع يعرف حال الراتب التقاعدي . لكن الشباب لا يجد عملا هذه الأيام فكيف الذي حالته مثلي سيجد عمل ومن سيقبل بتشغيل رجل من عمر ي.
المشكلة ليست في التقاعد :
الجميع يلقي اللوم على سن التقاعد وكأن التقاعد قد سلبنا ذلك الراتب الضخم وحوله إلى راتب لا يكفي سوى لعدة أيام المشكلة تكمن في الراتب لأن الموظف الشاب يشتكي من الراتب وعدم كفايته .فالتخفيضات التي تطرأ على الراتب قليلة في حال التقاعد .المشكلة في انخفاض دخل الموظف بشكل عام .
التقاعد لا يعني التقاعد من الحياة:
السيد أبو علي ذلك الرجل الذي تراه جالساً وقد اجتمع حوله أصدقاؤه الذي تجمعهم معه صفة التقاعد هؤلاء اللذين يتبادلون أطراف الحديث ويتحدثون حول ما يشاهدونه في الأخبار فيجلسون ويفسرون ويعلقون , كله من وجهة نظر رجال في الستينات والسبعينات من العمر .
يوجه الحديث إلي ويقول: يا ابنتي معظم ما يعتقد البعض عنا بأننا رجال قد مضى عليهم الزمن ومعظمهم قد تدهورت حاله الصحية و لم يعد قادرا على فعل شي. لكن لازال لدينا رصيد وافرمن خبرتنا في الحياة و لانزال قادرين على تقديم النصح لأبنائنا وتقديم كل ما يحتاجون له .
موضوع التقاعد والوصول إلى سن التقاعد موضوع يطرح تساؤلات عديدة منها أن الكثير من المتقاعدين عندنا لا يفرحون بوصولهم لسن التقاعد.
ففي الدول الأوربية يقوم الشخص الذي أحيل إلى التقاعد بحفلة يجتمع فيها المباركون له ليهنئونه على دخوله قائمة المتقاعدين .
لأن مفهوم التقاعد عندهم هو أنه قد حان الوقت للراحة والقيام بالسياحة والسفر و الرحلات .أما حال المتقاعد عندنا تظل أشباح التفكير بكيفية كفاية الراتب التقاعدي لآخر الشهر وتؤرق مضجعه .
السيدة أم وائل معلمة متقاعدة :
لا يجوز بأي شكل أن نقارن بين المتقاعد عندنا وحاله في الغرب فنحن كثير ما نقع في فخ المقارنات الطائشة التي لا تناسب بيئتنا .
الآنسة دانا _ معالجة نفسية_ :
تقول التقاعد ليس تقاعد من الحياة كما يصفه البعض أو يعتقد . لكن هو نقلة إلى نمط حياة جديدة وهي حياة ما بعد التقاعد . الوضع المادي للمتقاعد في أغلب البلدان العربية لا يسمح له بالتفكير بالسياحة . فلماذا لا يبرمج الشخص المتقاعد حياته وفقاً لظروفه الجديدة فيتفرغ لعمل أشياء أحس أنه كان مقصرا بحق نفسه بها كالرياضة ...القراءة ...) لابد للدولة أن تولي المتقاعدين اهتماماً أكبر وتشعرهم بجليل خدماتهم وأنهم يستحقون الكثير ولا ضير من مكافآت تشجيعية من جانب مؤسساتهم التي عملوا بها لتضخ دماء التفاؤل في عروقهم .
هؤلاء المتقاعدون..كنز قد لا تعرف قيمته إلا عند مجالسته. عبروا عن واقعهم بالكثير من الكلمات ...عبروا بزفرات كانوا يحرقونها بدخان سجائرهم ونراجيلهم..بعيون ملأتها الدموع تحدثوا لنا .. هؤلاء المتقاعدون بالماضي مسحوا لنا دموعهم وبأيديهم عبدوا لنا الطريق.