الاقتصاد السعودي: متوسط النمو للفترة 2007 ـ 2010 سيبلغ نحو 4.5%
شهد الاقتصاد السعودي خلال السنوات القليلة الماضية تحولات كبيرة، وحدثت طفرة في العديد من المجالات، فالاقتصاد ينمو بمعدلات جيدة، والاستثمارات المحلية والأجنبية تتدفق بشكل ايجابي، والمشاريع العملاقة تنطلق في اغلب أنحاء المملكة بشكل قد يغير خارطتها الى الأبد. ولعل الانجاز الاكبر للحكومة السعودية هو التعامل بجدية مع قضية المديونية، فقد تخلصت المملكة من ديون تتجاوز قيمتها 101 مليار دولار خلال 5 سنوات فقط. كما ان معدل دخل الفرد ارتفع بشكل كبير حيث بلغ في الوقت الراهن نحو 13 الف دولار سنويا بعد ان كان يتراوح في حدود 7 الاف دولار قبل سنوات. وعند تحليل الارقام التي اوردتها مؤسسات دولية معروفة مثل صندوق النقد الدولي والبنك الدولي ووحدة الاستخبارات الاقتصادية «الاكونومست» نجد ان الصورة بشكل عام تبقى ايجابية، لكن هناك العديد من القضايا ومن اهمها البطالة وارتفاع تكاليف المعيشة والتعليم وتحسين مناخ الاستثمار تبقى تتصدر اهتمامات المواطن والمستثمر في السعودية، وتستلزم من الحكومة التعامل مع تلك القضايا بمنتهى الجدية والشفافية.
ولعل القصة الكبرى في الاداء الاقتصادي للحكومة السعودية هي تعاملها الايجابي مع قضية المديونية العامة. وربما كان اكبر إنجاز اقتصادي حتى الآن هو خفض الدين العام من 118 في المائة من اجمالي الناتج المحلي في بداية الالفية الحالية الى نحو 21 في المائة مع نهاية العام الحالي طبقا للبيانات التي اوردها صندوق النقد الدولي في تقريره الاخير.
لقد تراجعت الديون العامة المستحقة على الحكومة بشكل دراماتيكي منذ عام 2003 عندما بلغت نسبة الدين العام من اجمالي الناتج المحلي نحو 82 في المائة، لكن تلك النسبة تقلصت الى 65 في المائة في عام 2004، لتتراجع بشكل كبير في العام التالي مشكلة 39.6 في المائة فقط من حجم الناتج المحلي. وتواصل هذا الاداء الايجابي في العام الماضي ليبلغ حجم الدين 28 في المائة فقط من الناتج المحلي الاجمالي، ومن المتوقع ان تهبط تلك النسبة الى نحو 21 في المائة مع نهاية العام الحالي.
وبالمحصلة يمكن القول ان الحكومة السعودية مع نهاية العام الحالي تكون قد تخلصت منذ عام 2003 من ديون بلغت 101.3 مليار دولار، او اكثر من 20 مليار دولار سنويا. ورغم ان النمو الاقتصادي المتوقع في عام 2007 سيصل الى 4.8 في المائة ويشكل ارتفاعا طفيفا عن العام الماضي الذي بلغ فيه معدل النمو 4.6، لكن المعدل المتوقع للعام الحالي يبقى جيدا ضمن المعايير العامة لكنه يقل كثيرا عن المعدلات التي تم تسجيلها في الاعوام السابقة عندما وصل معدل النمو 6.6 في عام 2005، و5.3 في عام 2004 والمعدل القياسي الذي تم تسجيله في عام 2003 بلغ 7.7 في المائة.
ولكن مع ذلك فان معدلات النمو السابقة، التي اوردها صندوق النقد الدولي، سمحت للناتج المحلي الاجمالي في السعودية ينمو بشكل كبير مقارنة بالفترات الماضية، فمن المتوقع ان يرتفع الناتج المحلي الاجمالي مقيما بمليارات الدولارات الى نحو 355 مليار دولار مع نهاية العام الحالي، مقارنة مع 214.9 مليار دولار في عام 2003. وهنا ينبغي الاشارة الى الاقتصاد السعودي، الذي تضاعف منذ عام 2001، يعتبر الاكبر في المنطقة، حيث انه سيمثل نحو 47.3 في المائة من اجمالي الناتج المحلي الاجمالي لدول مجلس التعاون الخليجي الذي من المتوقع ان يبلغ مع نهاية العام الحالي 749.7 مليار دولار طبقا لارقام صندوق النقد الدولي، في حين انه سيشكل 22.2 في المائة من اجمالي الناتج الاجمالي للدول العربية الذي من المتوقع ان يرتفع في عام 2007 ليصل الى 1598 مليار دولار.
تتصاعد قيمة صادرات السعودية من البضائع والخدمات بالدولار الاميركي منذ عام 2003 عندما سجلت ايرادات بلغت 99.1 مليار دولار، لتتزايد في عام 2004 الى 132 مليار دولار، مرتفعة بشكل قياسي في عام 2005 الى 188.1 مليار دولار، لتبلغ في العام الماضي 220.2 مليار دولار.
ولكن صندوق النقد الدولي يتوقع تراجع قيمة الصادرات السعودية من البضائع والخدمات مع نهاية العام الحالي الى 212.7 مليار دولار، نتيجة تراجع نمو الصادرات النفطية وغير النفطية في العام الحالي. ومن المتوقع ان يتراجع نمو الصادرات غير النفطية الى 6.9 مع نهاية العام الحالي من 7.3 في عام 2006، لكنها ستتجاوز المعدل الذي تم تسجيله في عام 2005 وبلغ 6.8 في المائة. وفي المقابل فان الواردات تتزايد هي الاخرى بشكل مطرد، فبعدما بلغت 59.1 مليار دولار في عام 2003، ارتفعت الى 70.6 مليار دولار في عام2004، لتصعد الى 88.2 مليار دولار في عام 2005، لتبلغ 120.2 مليار دولار في العام الماضي، ومن المتوقع ان ترتفع الى 142.9 مليار دولار مع نهاية العام الحالي.
وهذا التراجع في الصادرات بالتاكيد سيصاحبه تراجع في الايرادات المالية، حيث يتوقع صندوق النقد الدولي ان تتراجع نسبة الفائض المالي للمملكة الى 13 في المائة من اجمالي الناتج المحلي الاجمالي في عام 2007 من 20.3 في المائة في العام الماضي. وبالنتيجة فان ميزان الحساب الجاري للسعودية سيتراجع في عام 2007 الى نحو 69 مليار دولار من 95.5 مليار دولار في العام الماضي. إن تلك الطفرة الاقتصادية التي تشهدها المملكة تترافق مع مؤشرات متناقضة، فصعود الاقتصاد المحلي ينبغي ان يستوعب الأعداد المتزايدة من الشباب السعودي، لكن الواقع يقول عكس ذلك، فقد ارتفعت البطالة بشكل لافت خصوصا بين الشباب. ان الاقتصاد السعودي ينمو بطريقة ينبغي ان تكون قادرة على توفير مئات آلاف الوظائف للمواطنين، وبشكل يحد من أعداد العاطلين عن العمل، إلا ان الإحصائيات التي قدمتها وزارة العمل السعودية تشير الى ان معدل البطالة بين أبناء المملكة ارتفع من 9.7 في المائة عام 2002 ليبلغ حاليا نحو 12 في المائة. وهناك احصائيات غير رسمية تضع نسبة البطالة في حدود 15-18 في المائة بشكل عام، وحوالي 30 في المائة في صفوف الشباب الذين تتراوح اعمارهم بين 20-24 سنة. وطبقا لبيانات احصائيات مؤسسة مكينزي الاستشارية الدولية فان نحو 60 في المائة من سكان المملكة تحت سن 25 عاما، مقارنة مع 50 في المائة في الهند، و39 في المائة في الصين، و30 في اوروبا. وهذا ما يفرض على الحكومة السعودية ايجاد حلول مبتكرة وعملية للتعامل بجدية مع القضية.
ومن القضايا الاخرى التي يجب ان توليها الحكومة السعودية ايضا اهتماما كبيرا، هي ارتفاع معدل التضخم في المملكة منذ عام 2004 عندما بلغ 0.4 في المائة ليبدأ بعدها رحلة صعود متتالي، فقد ارتفع في عام 2005 الى 0.7 في المائة، ليزداد بشكل كبير في عام 2006 ليصل الى 2.3 في المائة، ومن المتوقع ان يصعد مع نهاية العام الحالي الى 2.8 في المائة. ورغم المخاوف من التضخم، الا ان توقعات وحدة الاستخبارات الاقتصادية «الاكونومست» تشير الى ان نسبة التضخم ستتراجع في السعودية الى 2.2 في المائة في العام المقبل.
وعلى الرغم من التحسن الظاهر الذي طرأ على قدرة السعودية في جذب الاستثمارات الاجنبية، الا انها لم تستقطب سوى 13 في المائة تقريبا من اجمالي الاستثمارات الاجنبية المباشرة التي توجهت الى الدول العربية في عام 2005. وحلت السعودية ثالثا على المستوى العربي بعد ان زاد حجم الاستثمارات الاجنبية فيها بنسبة 138.3 في المائة الى 4628 مليار دولار من 1942 مليار دولار. وفي مجال ممارسة الاعمال اشار البنك الدولي في تقريره الاخير الى انه بالرغم من ان السعودية جاءت في الترتيب 38 عالميا والاولى عربيا، لكن عند تحليل المؤشرات، كل على حدة، نجد ان الصورة متباينة في هذا الجانب، فمثلا تربعت السعودية على مراكز متقدمة في بعض المجالات حيث سجلت المركز الرابع عالميا في مجال تسجيل العقارات، وسادسا في قضية الضرائب، كما ان مركزها في مؤشرات اخرى جاء جيدا بشكل عام حيث احتلت الترتيب 21 في توظيف العمال، 33 في التجارة عبر الحدود، و44 في مجال التعامل مع الرخص التجارية. لكن في المقابل فإن السعودية احتلت مواقع متأخرة في مؤشرات اخرى وفيما يتعلق بحماية المستثمرين جاءت في المركز 99، في حين انها جاءت 97 في مؤشر فرض العقود، و87 في مجال إغلاق الاعمال، و65 في الحصول على التسهيلات الائتمانية. كما ان المملكة عليها ان تكثف جهودها في عملية مكافحة الفساد، فتشكيل الهيئة الملكية بامر من الملك عبد الله بن عبد العزيز يعتبر خطوة كبيرة في الاتجاه الصحيح، الا انها تحتاج الى دعم سياسي قوي ونتائج يتلمسها المواطن السعودي لتعزيز مصداقية النظام السياسي بشكل عام. وطبقا لقائمة منظمة الشفافية الدولية التي تراقب الفساد وتتخذ من برلين مقرا لها، وضمت 163 دولة استنادا الى مستوى الفساد بين مسؤولي القطاع العام ورجال السياسة في تقريرها عن «مؤشر مفاهيم الفساد» لعام 2006، جاءت السعودية في المركز السبعين عالميا، وعلى المستوى العربي احتلت السعودية المركز العاشر. ومن اجل التأقلم مع تلك التحديات بدأت السعودية تسير ضمن مسارين، الاول هو تحرير عجلة الاقتصاد الحالي (او القديم) من خلال الانضمام الى منظمة التجارة العالمية وتلبية شروطها، ولعل اهمها في الوقت الراهن تخفيض الرسوم الجمركية على العديد من السلع القادمة من الخارج، وخصخصة قطاع الاتصالات وقطاع التأمين، والاستعدادات الجارية حاليا لتحرير قطاعي الطيران والبنوك.
والمسار الثاني يتمثل في بناء «الاقتصاد الجديد» الذي يعتمد على القطاع الخاص والاستثمارات الاجنبية وتنويع الايرادات التي تمثل حاليا 75 في المائة من ايرادات الحكومة السعودية، ولعل ابرز ملامحه اعلان السعودية اخيرا عن انشاء 6 مدن اقتصادية متكاملة في انحاء مختلفة من المملكة باستثمارات تصل الى 200 مليار دولار. وبحسب البيانات التي قدمتها هيئة الاستثمار في السعودية فان المدن الست ستساهم بنحو 150 مليار دولار في الناتج المحلي بحلول عام 2020، وتساهم في توظيف 1.3 مليون شخص، وتأوي 4.8 مليون شخص. إن السعودية تتجه الى تشييد مشاريع كبيرة وطموحة وربما تستغرق وقتا وجهدا كبيرين حتى يقطف المواطن السعودي ثمارها. ولعل ما قاله الامير الوليد بن طلال في احد تصريحاته السابقة «ان السعودية مثل السفينة الكبيرة التي تحتاج الى وقت طويل للاستدارة، ولكن عندما تستدير فانها ستنطلق بلا توقف» يلخص هذا الأمر تماما.