أحد المصابين بأنفلونزا الخنازير
بسم الله الرحمن الرحيم
كنتُ قد عدتُ من المملكة إثر رحلة طويلة ابتدأتُها بالعمرة، وكان وصولي الحدود الإماراتية في الساعة السادسة فجرًا حيث أمهلني الوقت بصعوبة شديدة لكي أصل المنزل وأستعدّ ثم أتوجه مباشرة إلى الدوام حيثُ كان ينتظرني اجتماعًا مهمًا.
وفي عملي يتحتم علي أن أختلط بالعديد من شرائح الجمهور اختلاطًا مباشرًا قريبًا يصل إلى التلامس، إذ أني كمسؤول بيانات يجب علي إدخال البيانات إلى قاعدة البيانات بدقة شديدة ثم تبصيم المراجع بجهاز التبصيم الألكتروني، والمشكلة هاهنا أن ما نسبته 90% من المراجعين الحاليين هم من المقيمين الأجانب (غير العرب، الهنود والفلبينييون مثالاً).
لا أنكر أنهم يوفّرون لنا مادة معقمة لليد وقفازات طبية عازلة، لكن للأسف لا أظن ذلك كافيًا، إذ يجب فحصُ المقيمين في المطارات تلافيًا لانتشار المرض داخل الدولة.
رجعتُ إلى البيت يوم الأربعاء 12/8 بعد يوم عملٍ شاق، أحسستُ بالإنهاك وأني على وشك المرض، قدتُ سيارتي بصعوبة حتى وصلتُ إلى البيت وخلدتُ إلى النوم ولم أصحَ إلا بعد صلاة العشاء تعبًا وإنهاكًا ومرضًا.
بدأت معاناتي من بعد الساعة العاشرة ليلاً، حيثُ اجتاحتني آلام غريبة وفظيعة جدًا جدًا في منطقة الصدر وجوانبه من العضلات امتدادًا إلى عضلات البطن حيث كانت تشتد وترتخي مصاحبًا ذلك آلام لا أستطيع وصفها حيث داهمتني لأول مرة في حياتي. كانت درجة حرارتي مرتفعة جدًا، وجسمي يعاني من تكسّر وضعف فضيع، كنت لا أقوى على الكلام فضلاً عن الحركة والمشي.
استمرت تلك الآلام ووصلت حدًا لم أستطع معه أن استمر ممدًا على فراشي، فقلت لعلّي إن جلستُ وارتكزتُ على مرفقي على المخدة (كجلسة المجالس) أن تخفّ هذه التشنجات الغريبة، ولكن هيهات! فالألم في ازدياد والتشنجات تتغير أماكنها كل لحظة.
وهكذا لم أستطع النوم حتى أذّن لصلاة الفجر، ولاحظت دخول أخي إلى الغرفة لأنه نسي جواله على طاولتي، لكنه ما إن رآني جالسًا بوضعيتي تلك في الظلام حتى فرّ هاربًا من الغرفة معتقدًا أني ملبوس بجان إذ كنت أتلوى من شدة الألم وأنا مرتكز على مرفقي وكان منظري مرعبًا ووجهي شاحبًا.
كانت هذه أول ليلة وأشق وأصعب ليلة، رجع إخواني من صلاة الفجر ورأتني أمي أتلوى فسألتني بكل خوف ماذا أصابك؟ فقلت لها أني مريض وأشعر بآلام غريبة وأريد الذهاب إلى المستشفى (رغم أنها ليست من عادتي أن أذهب إلى المستشفى عند مرضي، لكن سبحان الله قدّر الله ذلك). حضر أبي إلى المنزل بعدها بساعة إذ لم يكن موجودًا تلك الليلة، وصحبني معه إلى المستشفى حيثُ أجروا لي فحصًا للمخاط (أكرمكم الله)، أعطوني كمامات ثم أدخلوا حقنة في يدي وضخوا قنينة دواء كاملة عبر العِرق (غرشة مضاد حيوي كاملة). طلبوا مني الرجوع إلى المنزل وعمل عزل منزلي في غرفتي ولا أختلط بأهلي والمحافظة على لبس الكمامات الطبية التي أهملتها ولم ألبسها لأنها خانقة.
عدتُ إلى المنزل وأنا أترنّح ولا أستطيع الكلام، وأخذت إجازة مرضية لمدة أسبوع، وكانت أمي جزاها الله خيرًا تقوم بأمري وتسهر معي وتداريني وتضع لي الكمادات وتجهز لي عصير البرتقال وملاعق العسل (ولا أنكر فضل أختي كذلك). خمسة أيام بقيت معزولاً في غرفتي لا أحادث أحد سوى الوالدة وأختي، واكتفيت بجهازي المحمول (اللاب توب) أتواصل به مع الأصدقاء رغم الآلام الفظيعة والصداع والكحة المهلكة، لكن الملل كان شديدًا أيضًا.
حتى الحمدلله تحسنت حالتي وتماثلتُ للشفاءِ في يوم الإثنين الماضي 17/8 مع إرهاقٍ خفيف، ثم شُفيتُ تمامًا أمس الثلاثاء ولله الفضل والمنة من قبل ومن بعدُ.
توصياتي لمن أصابه هذا المرض (إنفلونزا الخنازير):
1-لا تهمل الدعاء، فبالدعاء يأتي الشفاء، واذكر الله عند الآلام وتذكر أن هذا ابتلاء وتطهير من الذنوب.
2-لا تتعلق بدواء الإنفلونزا الذي ستستلمه (المضاد الحيوي)، فهذا ماهو إلا مضاد حيوي لا يسهم إلا في تقوية المناعة وليس دواءً مباشرًا للمرض، ولكن عليك بعصير البرتقال الطازج والعسل الطبيعي مع الالتزام بالراحة الجسدية والنفسية وألا تبارح الفراش إلا للضرورة القصوى الشديدة.
3-لا تخف ولا تخشً شيئًا، فكل شي مكتوب في اللوح المحفوظ، والله الحافظ. توكل على الله وامضِ مقاومًا للمرض، إذ أن الخوف يزعزع أركانك ويضعف مقاومتك.
4-ابق منعزلاً عن أهلك كي لا تصيبهم بالمرض، ويُفضّل أن تختار غرفة موقعها صحي ومناسب ويجب أن تكون ذات تهوية وبها سرير خاص بك، وتذكر ألا تبارح هذا الفراش إلا للضرورة.
5-حاول أن تبقَ مستلقيًا على فراشك وحاول أن تقضي وقتك بالنوم لأن النوم يخفف التعب.
6-حافظ على الدواء الذي يصفه لك الطبيب بانتظام، لأنه يزيد من قوة المناعة.
7-حافظ على الكمادات حتى تقلّ من درجة حرارة جسمك.
8-لا تهمل شرب الماء حتى تحافظ على نسبته في الجسم وبالتالي تخفيف درجة حرارة جسمك.
توصياتي لمن أراد العمرة في رمضان أن يؤجّل العمرة حتى يستتب الأمر خاصة ما أراد اصطحاب أهله وأبنائه، إذ أنني أجهل سبب إصابتي بالفايرس ما إذا كان بسبب العمرة أم بسبب أحد المراجعين الحاملين له. وكما يُعاني الكثير منكم من قلة توفر الشواغر في المستشفيات الحكومية في المملكة؛ يجب عليك أن تفكر أنك ستتورط إذا ما أصيب أحد أبنائك بهذا الفايرس في مكة ولم تجد له سريرًا شاغرًا (وأنت لستَ في مدينتك)، وهذا المرض يحتاج إلى الراحة الشديدة والعناية لمقاوته، كما أن الآلام صعبة جدًا لا أنصح بتجربتها.
وقاكم الله شرّ الأمراض ورحمكم وجعل ما أصابني تطهيرًا لي من الذنوب.
لـلــفــائــدة