كان منهمكا بخصلة من شعره كل مرة تطل على جبينه فيعيدها إلى مكانها, وسعادة عجيبة تشرق من ملامحه. تكاد تنطق ..
عندما تطغى على حواسه ينثر بسماته العذبة في الوجوه المتعبة, وبين الفينة والأخرى يذرع الغرفة الواسعة جيئة وذهابا, كان يتمايل يمنة ويسرة يبدو سعيدا بخطواته وحذائه الأسود اللامع, نظرات متلصصة تبحث في عينيه عن أثر لحزن أو خيبة أو شعور بالضيق , فكانت ترتد مندهشة من قوته واصراره .
كنت أراقبه عن كثب وأتعلم منه فن الصبر والتحدي, سؤال غريب نمى فجأة !
ألا يتضايق من ذوو الاحتياجات الخاصة؟؟؟........
ولكأنما سمع حديثي الهامس لنفس ترغب في الإنعتاق, فالتفت إلي وبنظرة خاطفة مسح الغرفة الواسعة الباردة وقال مبتسما:
مابكم صامتون الحزن يقتل أيامكم ويطفئ شمعة أعماركم!! تضايقكم هذه الأحذية وهذه العكاكيزومواعيد لأمل لم يحيا يوما بقلوبكم المثقلة بالهم !وأسرة بيضاء ووجوه مكفهرة لا تكاد ترى لها إشراقا ؟؟؟
تشعرون بالحصار بالأسر وكأنكم في سجن أبدي أخذت مفاتحه أشباح البراري المهجورة..؟
مثلكم أنا أخطو بتؤدة , صحيح خطواتي بطيئة ثقيلة جدا لكنني أوقن بأنني سأصل إن شاء الله.
بماذا أختلف عن الأخرين ! منحني الله عقلا وقلبا وفكرا حرا أجوب به الدنيا بينما غيري تأسره حواسه المحدودة , تقيده أنانيته المفرطة فينزوي لا يرى من الحياة إلا لحظة متعة. بإعاقتي أفتخر صمت للحظات ثم ضحك بصوت عال وردد:
أكيد ستقولون مجنون بافتخارك, سأكمل السير على درب النورو هناك في العلياء سألتقي أناسا امتحنوا مثلي بجسد عاجز ونفوس أبية فأنعم الله عليهم بعقل راجح وفكر مثمر أترون هم هناك في جنات النعيم ..
أنا جدا سعيد لأن رسولنا الكريم عليهالصلاة والسلام بشرني فقال :
إذا أحب الله قوما ابتلاهم ألا تفرحون!؟ ألا تخفف عنكم هذه البشارة شيئا من الهم والحزن ؟.
لدي قلب يغمره اليقين ولا تهزه الأيام بتقلباتها بين صفو وكدر;معي قرآني وذكري لربي يحييني كل حبيب بحبيبه يسعد ويفتخرلكن أحبتهم يرحلون , حبيبي أنا لا يرحل ولا يموت دوما أسعد بقربه ..
ارتسمت علامات الدهشة على محياهم كنت مثلهم أسابق أفكاره كي أصل إلى اللغز ,أدخل يده بخفة إلى جيبة وأخرج كتابا صغيرا ظل يقلب صفحاته برقة ولطف, والفرح يعلو محياه تمتم بخشوع ودمعة ترقرقت في عينيه ليس حزنا وكمدا بل خضوعا ,هذا كتاب ربي أنهل منه هو سر سعادتي وانطلاقي أنا هنا ليس لي الحق في السؤال أتدرون لما !؟؟
لأنني تيقنت أن الدنيا دار ابتلاء وكل منا له امتحان خاص به, الصحة والغنى والمرض والفقر كل هذه التناقضات ابتلاء اي وربي, لكن أن تحب الله وأنت محروم هذا شيء رائع ومتعة لا يدرك قدرها إلا من ذاق طعمها الحلو ,انجلى نور عجيب من عينيه وكأنمااقتبسه من وجنتي قمرشرد للحظات ثم قال :
الله يعلمنا كي نسمو ونرقى إلى درجة الإنسان الذي أحبه واختاره كي يعمر الأرض, أي حماقة سكنت عقولكم أتراكم مثلهم صدقتم أن الإعاقة تمنع من أن نكون سعداء!؟ ناجحين في حياتنا؟..
لا وربي مع الإيمان والصبر والتوكل على الله تختلف الأمور, لا تقيدوا طقاتكم تحرروا فالمفتاح معكم... والحياة مسرح لنا جميعا فلينظر كل منا أي دور يناسبه..
ساد صمت عجيب أخذت أنظر إلى الوجوه, تغيرت الملامح غاب الخوف والحزن, بدا المكان جميلا ونظيفا ولأول مرة أشعر بالإرتياح وأنا فوق سرير أبيض ,أنتظربفرح كبير أن أرتدي حذائي الطبي كي أنطلق. امتلكني شعورجميل اتجاهه التفت نحوي وابتسم, لم يكن أمامي متسع كي أفر من نظراته فقد أعطاني جرعة أمل كبيرة, وكان علي أن أشكره فابتسمت من أعماق قلب عمره اليقين , وارتوى من نبع صاف رقراق........
حسنية تدركيت