بسم الله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد؛
كنت – ولا زلت- أول ما ظهرت على ساحتنا البرامج المستوردة لتطوير الذات ودورات العصف الذهني وما يسمى بالبرمجة اللغوية العصبية أزهد في مثل هذه الدورات ولم أكن أعطيها أي اهتمام لأنني كنت –ولازلت- أعتقد أنه لا تطوّر ولا ارتقاء بالنفس والأخلاق في خارج إطار الشريعة الإسلامية وذلك بالتحلّي بأخلاق المسلم النزيه الذي يتخذ النبي محمد صلى الله عليه وسلّم قدوة ومثال يحتذي به في شتى شؤون حياته: "لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِّمَن كَانَ يَرْجُو اللَّهَ وَالْيَوْمَ الْآخِرَ وَذَكَرَ اللَّهَ كَثِيراً" (الأحزاب : 21 ) لأن رسولنا محمد صلى الله عليه وسلم هو أحسن الناس خُلُقاً بشهادة القرآن الكريم: "وَإِنَّكَ لَعَلى خُلُقٍ عَظِيمٍ" (القلم : 4 ) فمن اتبع هداه واستنّ بسنّته واقتدى به نال بذلك شرف الدّين والدّنيا واتصف بالأخلاق العالية وارتقى بنفسه عن كل دنيء.
ولأن تلك العلوم استوردت من الغرب الذي لا يؤمن سوى بالأسباب المادية (وأخيراً حتى الأسباب المادية زعم بعض كتابهم أنها يمكن أن يُستغنى عنها بقوة التركيز التي يزعمون أن الإنسان يمتلكها وبإمكانه أن يحقق جميع رغباته حسب قانون أسموه "قانون الجذب" والذي يدعو – صراحة – للتخلي عن جميع الأسباب المادية والاتكال على الأحلام الورديّة والدعة والراحة) بدون أن يربط تلك الأسباب بمتطلبات الروح المتمثلة في التوحيد والخضوع لله عز وجل والشوق للجنة التي فيها النعيم المقيم.
وإن أردتم دليل على هشاشة مبادئ الغرب الكافر فليس أدل على ذلك – في هذا الزمن- من حروبهم الفتّاكة التي لم تذر بشراً ولا شجراً إلا وأفسدته ولم يخضع شبرٌ من أرض لسيطرتهم إلا وأفسدوه بشتى أنواع الفساد المادي والمعنوي.
بينما لو تأمّلنا مبادئ الشريعة الإسلامية وقوانينها في التعامل مع الأعداء في الحروب لوجدنا قمّة الجمال الأخلاقي وروعة التشريع الرباني حتى في أحلك الظروف التي يمر بها المسلمون، قال النبي صلى الله عليه وسلم: "اغزوا باسم الله وفي سبيل الله ، وقاتلوا من كفر بالله ، اغزوا ولا تغدروا ، ولا تغلوا ، ولا تمثلوا ، ولا تقتلوا وليداً" صححه الألباني، فأين أخلاقهم من أخلاق المسلمين وأين مبادئهم من مبادئ المسلمين ؟!
لكني مع ذلك كله قرأت لبعض الكتاب الغربيين ووجدت أنهم – بحق – أبدعوا في تصوير طرق النجاح والرقي بالأمم ولكن بنظرة دنيوية قاصرة غير مبالين بالحياة الأخروية ومن يقرأ لهم – تقليداً – فقد ينجح دنيوياً ولكن ليس بالضرورة أن ينجح أخروياً كما لو كان قد اقتدى بالنبي محمد صلى الله عليه وسلم في عباداته ومعاملاته. بل إن النجاح الدنيوي الذي قد يحققه لن يصمد أمام مصاعب الدنيا ومحنها، والجميع سمع عن حوادث الانتحار لكثير ممن عُدّوا من عظماء تلك البلدان، فأين المبادئ وأين تأثيرها في واقع حياتهم ؟! زيادة على ذلك فإن تلك النجاحات عبارة عن تجارب شخصيّة في ظروف معيّنة قد لا تتناسب مع ظروف البعض ممن يحاول تقليدهم في تجاربهم وخبراتهم.
يقول الشيخ الدكتور خالد اللاحم: "إن من مظاهر الانهزامية والتبعية في وقتنا الحاضر هو ذلك الاستيراد الثقافي الذي نشط في السنوات الأخيرة نشاطاً ملحوظاً واتخذ قوالب مختلفة منها ترجمة الكتب ومنها دورات التطوير والتغيير كلها ينتهي إسنادها إلى الحضارة الغربية ومقطوعة الإسناد عن القرآن والسنة" مفاتح تدبر السنّة والقوّة في الحياة.
وهذا ملاحظٌ في كثير من الدورات التي تعتمد في موادّها على النظريات الغربية والفلسفة التي لا تربط الدين بالدنيا ولا الروح بالجسد، فقلّما – مثلاً - نجد محاضر يؤكد على طلابه العلاقة المطّردة بين المعاصي وبين نغص العيش وبين الإعراض عن ذكر الله عز وجل والأمراض النفسية والفراغ الروحي، مع أن المعاصي تأثر ليس فقط في نفسية الإنسان فحسب، بل إنها تأثر حتى على الأرض والشجر والحيوان وقد قال الله عز وجل: "وَمَنْ أَعْرَضَ عَن ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنكاً وَنَحْشُرُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَعْمَى" (طه : 124 ) أي: "ومن ترك ذكر الله والإيمان به فإن الله يجعل حياته ضيقة عسيرة شاقة لا تطاق ولو ملك الدنيا!! ويحضره الله للحساب أعمى عن المشاهدة لا حجة له" التفسير الميسّر – د. عائض القرني.
وقال: "ظَهَرَ الْفَسَادُ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ بِمَا كَسَبَتْ أَيْدِي النَّاسِ لِيُذِيقَهُم بَعْضَ الَّذِي عَمِلُوا لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ (الروم : 41 )
وأي نجاح وأي تطوير ينفع صاحبه مع معيشة ضنكاً ؟!
فمن أراد منّا أن يطوّر نفسه ويهذبها فعليه أوّلاً التحلّي بالأخلاق التي حثّ عليها الكتاب والسنّة ولن يكون ذلك في يوم وليلة، بل نحتاج إلى تدبّر وتمعّن في نصوصهما وتعوّد على التحلّي بالأخلاق الفاضلة التي أُمرنا بها، وذلك لا يتأتّى إلا بالصبر والعزيمة وفهم نصوص الوحيين – لمن أراد - وقد يساعد على ذلك بعض ما ألّف في هذا الموضوع من كتب.