كيف نتعلم مهارات التفكير ونعلمها لغيرنا؟
عزيز محمد ابوخلف
باحث
ما هو التفكير؟
التفكير هو الطريقة التي نحصل بها على معلومات جديدة، وبها نفهم الموجود من الأفكار التي أنتجناها نحن أو أتتنا من غيرنا، فعن طريق التفكير ننشيء أفكارًا لم تكن موجودة، تتعلق بحياتنا وبالكون من حولنا، وذلك بالتفكير العادي وبالبحث العلمي.
وبالتفكير نتمكن من استيعاب وفهم الأفكار الموجودة، وكذلك الأفكار الغيبية التي أتتنا عن طريق الوحي، أي نصوص القرآن والسنة، فهذه لم ننشئها نحن وإنما تلقيناها عن الرسول صلى الله عليه وسلم، ولكننا نسميها أفكارًا بالنظر إلى النتيجة، أي أنه يمكن أن نستوعبها بتفكيرنا، ويمكن أن نعمل فيها أذهاننا. كما أننا يمكن أن نعيد النظر في الموجود من الأفكار ونخرج بأفكار جديدة منه، فلا يقتصر الأمر على مجرد فهم الموجود وحسب.
وعلى الرغم من أن التفكير أمر مألوف لدى الناس يمارسه كثير منهم، فإنه من أكثر المفاهيم غموضًا وأشدها استعصاء على التعريف، ولعل مرد ذلك إلى أن التفكير لا يقتصر أمره على مجرد فهم الآلية التي يحصل بها، بل هو عملية معقدة متعددة الخطوات، تتداخل فيها عوامل كثيرة تتأثر بها وتؤثر فيها، فهو نشاط يحصل في الدماغ بعد الإحساس بواقع معين، مما يؤدي إلى تفاعل ذهني ما بين قدرات الذكاء وهذا الإحساس والخبرات الموجودة لدى الشخص المفكر، ويحصل ذلك بناء على دافع لتحقيق هدف معين بعيدًا عن تأثير المعوقات.
يتضح لنا من هذا العرض أن التفكير عملية ذهنية لها أركان وشروط، وتدفعها دوافع ومثيرات، وتقف في طريقها العقبات، كما نلاحظ تعدد الجوانب وكثرة العوامل المتداخلة والمؤثرة والمتأثرة بالتفكير، ولعل هذا ما يفسر كثرة التعريفات الواردة على التفكير، وكثرة التقسيمات المتعلقة به وبعملياته ونواتجه. وبناء على ذلك فإنه يمكن القول إن التفكير عملية ذهنية يتفاعل فيها الإدراك الحسي مع الخبرة والذكاء لتحقيق هدف معيّن، ويحصل بدوافع وفي غياب الموانع، حيث يتكون الإدراك الحسي من الإحساس بالواقع، والانتباه إليه؛ أما الخبرة فهي ما اكتسبه الإنسان من معلومات عن الواقع، ومعايشته وما اكتسبه من أدوات التفكير وأساليبه، وأما الذكاء فهو عبارة عن القدرات الذهنية الأساسية التي يتمتع بها الناس بدرجات متفاوتة. ويحتاج التفكير إلى دافع يدفعه، ولابد من إزالة العقبات التي تصده وتجنب الوقوع في أخطائه بنفسية مؤهلة ومهيأة للقيام به.
هل يمكن أن نتعلم كيف نفكر؟
نعم يمكن ذلك وبكل بساطة، وينبغي ألا نضيع الوقت والجهد في سبيل الاقتناع بهذا الأمر، فلم يعد هذا مما يحتاج إلى كثير إقناع بعدما أثبت جدواه عملىًا. ومع ذلك فلا يزال كثيرون يرون أن التفكير فطري ويمارسه الإنسان بشكل تلقائي من دون تعلم، فما حاجتنا إلى تعلم التفكير وتعلم مهاراته؟ والإجابة عن حاجتنا إلى تعلم التفكير تتلخص فيما يلي:
* أننا نواجه كمًا هائلاً من المعلومات التي تتدفق علينا كل يوم، وإذا لم نستوعبها بطريقة منظمة تقوم على أساس التفكير فلن نتمكن من هذه المعلومات مطلقًا.
* كون التفكير فطريًا لا يغني عن اكتساب مهاراته، لأننا نقوم بعمليات تلقائية كثيرة، ومع ذلك فنحن بحاجة إلى تعلمها. كما أن الفطرة لم تعد بمنأى عن التغيير والتحريف في أمور الغرائز، فلا نستغرب من وجود برامج لتعليم الأمومة مثلاً.
* أن التفكير ليس عملية بسيطة كما يتصور الكثيرون، بل هو عملية معقدة متعددة الجوانب والخطوات، وتدفعها الدوافع وتقف في طريقها العقبات.
* للتفكير مهاراته، وأي مهارة في الدنيا تحتاج إلى تعلمها بالممارسة والتمرين والاصطبار عليها والتحسين المستمر في أدائها، كما أن التفكير يستخدم عدة أعضاء فلابد من إجادة تشغيل هذه الأعضاء كالحواس والدماغ.
* أن التفكير يُسهل اكتساب المهارات الأخرى ويعمل على ترسيخها في النفس
تنمية مهارات التفكير
حتى تنطلق عملية التفكير لابد من وجود الدوافع، والحوافز المشجعة على القيام بالأعمال، والدعم المادي والمعنوي من الآخرين، كما لابد من إتاحة الفرصة لاستثمار ما اكتسبه الفرد من مهارات بالممارسة والتطبيق في مناح مختلفة. وبالنظر إلى تعريف التفكير فإنه يمكن حصر المهارات المتعلقة بالتفكير في الأشياء الرئيسة التالية وهي: مهارات الإعداد النفسي والتربوي، ومهارات الإدراك الحسي، ومهارات الواقع والمعلومات والخبرة، ومهارات عقبات التفكير وأخطائه.
مهارات الإعداد النفسي:
* إثارة الرغبة في الموضوع، وتُعرف بحب الاستطلاع وإثارة التساؤلات والتعمق.
* الثقة بالنفس وقدرتها على التفكير والوصول إلى النتائج.
* العزم والتصميم، ويتمثلان في: السعي لهدف، وتحديد الوجهة وطريقة العمل والمتابعة الدؤوبة الذاتية لذلك، والحرص على النتائج المفيدة.
* المرونة والانفتاح الذهني وحب التغيير: الإقرار بالجهل إن لزم، والاستماع إلى وجهة نظر الآخرين «فتأخذ بها أو ترفضها»، واستشارة الآخرين، والاستعداد للعدول عن وجهة نظرك ولتغيير الهدف والأسلوب إن لزم الأمر، والتريث في استخلاص النتائج.
* الانسجام الفكري، ويتمثل في تجنب التناقص والغموض، وسهولة التواصل مع الآخرين بأفكار مقنعة وواضحة ومفهومة.
مهارات الإدراك الحسي والذاكرة:
* توجيه الحواس حسب الهدف والخلفية العلمية أو الفكرية. وهذا يعني التمرس على توجيه الانتباه.
* الاستماع الواعي والملاحظة الدقيقة وربط ذلك مع الخبرة الذاتية، أي تمحيص الإحساسات والتأكد من خلوها من الوهم والتخيلات.
* توسيع نطاق الإدراك الحسي بالنظر إلى عدة اتجاهات ومن عدة زوايا.
* تخزين المعلومات وتذكرها بطريقة منظمة واستكشافية، وإثارة التساؤلات، واستكشاف الأنماط، واستخدام الأمارات الدالة والأشياء المميزة، واللجوء إلى القواعد التي تسهل تذكر الأشياء، ومناقشة الآخرين والتحدث معهم علهم يثيرون فيك ما يؤدي إلى التذكر.
مهارات الواقع والمعلومات:
* إعادة ترتيب المعلومات المتوفرة: التركيب، التصنيف، اتباع المنهج الملائم.
* جمع المعلومات واستخراجها من مصادرها، والسؤال عنها، والبحث التجريبي.
* تمثيل المعلومات بصورة ملائمة، في جدول أو رسم بياني أو مخطط أو صورة.
* استكشاف الأنماط والعلاقات فيما بين المعلومات، من: ترتيب، وتعاقب، وسبب ومسبب، ونموذج مثل: تشبيه، مجاز.
* اكتشاف المعاني، والاشتقاق، والتلخيص، والتخيل للكشف عن المضمون.
معوقات التفكير وأخطاؤه
هذه الأمور يمكن أن تحول دون التفكير أو أن تحرفه عن مساره، لذا ينبغي التنبه لها وتجنبها والتغلب عليها. ولتنمية ذلك في نفوس الدارسين فإنه ينبغي أن يتوصلوا إلى ذلك بأنفسهم عن طريق التساؤلات المتبادلة بينهم وبين المدرسين. وعن طريق التفكر فيما حصل بعد كل تجربة، يمكن حصر المعوقات والأخطاء في ثلاثة أمور وهي: الإدراك الحسي، والمعلومات والحالة النفسية لدى الشخص المفكر.
تتمثل معوقات الإدراك الحسي في عدم القدرة على رؤية الوضع، مثل رؤية العوارض دون المشكلة الحقيقية، وفي رؤية جانب واحد من الموضوع وترك الجوانب الأخرى مثل رؤية حل واحد لا غير، وفي اعتبار جانب من الزمن فقط كالماضي، وينطبق على ذلك كثير من الفروض المسلمة وهي في حقيقة الأمر ليست كذلك. فقد وجد أن الأنماط الفكرية السائدة في الدماغ تؤثر في طريقة التفكير ما يؤدي إلى صرف الانتباه عن الوضع الصحيح، لذا لابد من تدريب الانتباه على ذلك.
أما معوقات وأخطاء المعلومات فتتمثل في نقص المعلومات، واستخدام معلومات خاطئة، أو وجود معلومات زائدة عن الحاجة تؤدي إلى الإرباك.
في حين تتمثل معوقات الوضع النفسي في فقدان الرغبة في العمل والدراسة، وعدم الاستماع للآخرين والأخذ بآرائهم، وعند أخذ الأمور على علاتها أو كمسلمات، وعند فقدان الثقة بالنفس والعزم والتصميم والانفتاح الذهني.
ولابد من إضافة أثر البيئة، أي ما يحيط بالطالب من تأثير على طريقة تفكيره من توفير الجو الملائم للتفكير، علاوة على أن التفكير مرتبط بالبيئة الاجتماعية والثقافية والجسدية وبالمثيرات من حوله، فالجو العائلي والمجتمع مثل المدرسة لها تأثير بالغ قد يكون مشجعًا وقد يكون مدمرًا.
التنفيذ
التفكير عملية نشطة وفاعلة ولكن تنمية مهارات التفكير بطيئة وتحتاج إلى الصبر والمصابرة، وينبغي الحرص على أن تجري بطريقة متكاملة تسهل اكتساب المعرفة والمهارات الأخرى، ويفضل أن يكون ذلك عن طريق العمل الجماعي، وذلك بتنظيم الدارسين في مجموعات صغيرة، وإعطائهم الفرصة لإجراء التجارب بأنفسهم ليكتسبوا الثقة والجرأة، وبتدريبهم على حل المشاكل بأنفسهم وعلى ممارسة أدوار إدارية وقيادية، ثم التنويع في المشاريع المعطاة لهم بحيث تتراوح بين ما هو متوفر فيه المعلومات وآخر يحتاج إلى معلومات وآخر يحتاج إلى طريقة العمل وهكذا.
إن مثل هذه الأعمال تقوي النفس وتؤهلها للعمل الجاد وتحمل المسؤولية، فالعمل الجماعي يتطلب أن يُسهم كل واحد برأيه في استخلاص النتائج، وأن يستمع للآخرين وأن يتجنب الوقوع في الأخطاء أمام زملائه، كما يرفع من مستوى الكسالى ويحثهم على التقدم. كما أن المشاريع والتجارب تعني وجود أهداف لابد من تحقيقها، ولابد من إنجاز العمل في وقت محدد، وأنهم لابد أن يحصلوا على الدرجة المناسبة. كما يساهم الطلاب في اتخاذ القرارات وحل المشاكل وفي تقييم أداء بعضهم بعضًا ثم الاستفادة من ذلك في حياتهم العملية.
كذلك لابد من تأكيد دور المدرسين أو المشرفين، والمتمثل في تسهيل عمل الطلاب بالحرص على توجيههم الوجهة الصحيحة، ومراقبة أعمالهم ومتابعتها للحصول على نتائج سليمة. كما يترتب عليه إثارة روح التساؤل فيهم وتشجيعهم على ذلك، وأن يعمل هو بنفسه على استكشاف الخلفية التي لديهم عن طريق الأسئلة، وذلك ليتمكن من البناء عليها. وهذا يعني التفاعل المستمر ما بين الطالب والمدرس، لاسيما عن طريق التغذية المرتدة، كما يمثل المدرس دور المستشار حين الضرورة ويعمل أساسًا عمل المدرب لا عمل المدرس الذي يصب المعلومات فقط، ولتحقيق ذلك لابد أن تتوفر لديه روح التدريب، والإشراف والتوجيه وحب العمل، بالإضافة إلى الخلفية المناسبة لذلك.