كتب وصيته فجرا بالحج عنه والتبرع بأعضائه
" تكفى ياخال" تنقذ شابا من حد القصاص في ساحة بحار أبها
وكيل الدم يسجل موقفا إنسانيا ويعلن تنازله باكيا وسط تهليل وتكبير الحاضرين



المعفو عنه بدر الكعبي شاكرا المولى على نجاته



لم يدر بخلد الشاب بدر بن حمدان الكعبي 22 عاما أن صرخات الاستغاثة التي أطلقها أمس في ساحة البحار بوسط مدينة أبها ستنقذه من تنفيذ حكم القصاص بعد أن أمضى عامين داخل السجن لتورطه في قتل خالته بسبب خلافات عائلية واكبها صدور حكم شرعي بحقه يقضي بتنفيذ حكم القصاص.

وشهدت ساحة البحار بأبها أمس فصلا من فصول الأفراح والأحزان معا فبعد أن حضر الجاني إلى الساحة وهو مكبل بالسلاسل لتنفيذ الحكم الشرعي وسط حضور حشد جماهيري كبير من الأهالي كان ينادي الجاني بأعلى صوته "تكفى يا خال.. تكفى يا خال" ويقصد خاله حمدان بن حجاب العمري بصفته الوكيل الشرعي لأهل الدم وشقيق المجني عليها في نفس الوقت إلا أن الخال وقتها كان متمسكا برأيه في تنفيذ الحكم الشرعي بعد أن رد عليه أمام جمع الحاضرين "هذا جزاء ما فعلته يداك" رافضا كافة المحاولات للعفو التي بذلها حاضرو التنفيذ من المسؤولين والمشايخ.

وبعد مثول الجاني جالسا على ركبتيه في الموقع المخصص للتنفيذ وأثناء استعداد منفذ الحكم لأداء مهمته أعلن وكيل الدم حمدان العمري عبارات العفو عن الجاني لوجه الله تعالى وهو يجهش بالبكاء وسط موقف مؤثر وإنساني نبيل تعالت من خلاله أصوات الحاضرين بالتكبير والتهليل مصحوبة بالبكاء في الوقت الذي بدأت فيه الجهات المختصة بتوثيق تنازل الوكيل الشرعي استعدادا لإغلاق ملف القضية.

وقال الوكيل الشرعي حمدان العمري بعد إعلان عفوه عن الجاني أنه عفا عنه لوجه الله تعالي خاصة أن مبدأ العفو كان مرفوضا بعد أن بذل العديد من فاعلي الخير محاولاتهم وتوسطهم وتبرعهم بمبالغ مالية إلا أنه تم العفو عن الجاني في ساحة القصاص دون أي مقابل سوى أن يكتب الله لنا الأجر والمثوبة.

وأضاف العمري أنه لم يكن في ظنه أن العفو سيحدث على الإطلاق إلا بعد أن شاهد ترتيبات آلية تنفيذ القصاص بعينيه على الرغم من الصلاحيات المخولة له باتخاذ ما يراه مناسبا بصفته وكيلا شرعيا لأهل الدم إلى جانب حالة الصلاح والتي بدت على وجه الجاني.

وأشار العمري إلى أنه اشترط على الجاني بعد العفو عنه مغادرة المنطقة لإخماد الفتنة والحد من المشاكل التي قد تحدث مستقبلا على الرغم من تقدمه بطلب في وقت سابق تأجيل تنفيذ الحكم الشرعي لما يقارب شهرا كاملا لعل وعسى أن يجد حلا.
إلى ذلك أكد المعفو عنه بدر الكعبي من مقر سجن مدينة أبها وبعد لحظات من العفو عنه أن يوم الثلاثاء من كل أسبوع كان يمثل يوما مهيبا له خوفا من تنفيذ حكم القصاص.

وقال الكعبي إنه أجرى اتصالا هاتفيا بوالديه مساء أول من أمس بمجرد الصدفة للاطمئنان على صحتهما إلا أنه تفاجأ بصوت والده الحزين وإجهاشه بالبكاء على غير العادة حيث كان محتسبا وصابرا طوال الأيام الماضية الأمر الذي دعاه لمعاودة الاتصال بوالدته والتي لم تكن أحسن حالا من والده.

وأردف الكعبي أنه بعد أن أغلق سماعة الهاتف شعر بأن لحظات التنفيذ قد أوشكت حيث لم يهنأ بالنوم في تلك الليلة ومع مطلع الصباح الباكر تفاجأ برجل الأمن المسؤول عن العنبر رقم 2 يطلب حضوره وتوديع زملائه واتجه به إلى مكتب مدير شعبة السجن والذي أبلغه وقتها بأنه سوف يمتثل للحكم الشرعي.

وكشف الكعبي أن مسؤولي السجن طلبوا منه كتابة وصيته والتي تضمنها طلب ذويه بالحج عنه خلال العام الحالي ونصيحة لشقيقه الأصغر بعدم الاقتران بأصدقاء السوء إلى جانب تبرعه بكامل أعضائه لوجه الله على أن تكون إحدى كليتيه تبرعا لأحد المساجين الذي يعاني من فشل كلوي.

وأشار الكعبي إلى أنه قدم لساحة القصاص وهو صائم حيث لم يجد وسيلة لإنقاذ نفسه إلا مطالبة خاله الوكيل الشرعي أمام الحاضرين بالعفو عنه وهو ما تم دون أن يدرك ما حدث بعدها حتى سمع تعالي الأصوات بالتكبير والتهليل والذي استمر حتى عودته للسجن وتلقي التهنئة من النزلاء.

وقدم الكعبي شكره لله على ما أنعم عليه من عمر جديد سائلا المولى أن يتقبل معروف الوكيل الشرعي والذي سجل موقفا نادرا أن يحدث معربا عن أسفه على ما اقترفت يداه من جرم لا تقره الأديان السماوية ولا الأعراف والتقاليد مؤكدا نيته بعد خروجه من السجن أداء فريضة الحج.

إلى ذلك التقى مدير سجون منطقة عسير حمدان الجعيد ومدير شعبة سجن أبها سلطان العتيبي بالمعفو عنه بدر الكعبي وقدما له التهنئة والنصيحة بأن يبدأ حياة جديدة والبعد عن الشبهات.

وأكد الجعيد أنه سوف يتم خلال الأيام المقبلة استكمال كافة الإجراءات لإطلاق سراح المعفو عنه.

في المقابل أوضح مدير شرطة منطقة عسير اللواء علي الحازمي أن ما صاحب هذه القضية من عفو يعد من الأمور التي تجسد ما يتمتع به أبناء المنطقة من الكرم والعفو عند المقدرة التي حث عليها الدين الحنيف وقال إن العفو في القضية بالذات له بعد إنساني.


وكان الناطق الإعلامي لشرطة منطقة عسير العقيد عبد الله القرني قد أصدر بيانا أمس حول القضية التي وقعت قبل عامين ورد فيه أن حمدان الكعبي 22 سنه قام بقتل خالته عزيزة حجاب العمري بسبب خلاف بينهما بمسدس كان بحوزته وأنه صدر بحق الجاني صك شرعي يقضي بثبوت ما نسب إليه شرعا والحكم علية بالقتل قصاصا وصدق الحكم من محكمة التمييز ومن مجلس القضاء الأعلى بهيئته الدائمة حيث صدر الأمر السامي الكريم رقم 5375/م ب وتاريخ 16/7/1427هـ بإنفاذ ما تقرر شرعا بالجاني يوم أمس وتم العفو عنه من ولي الدم شقيق المجني عليها حمدان حجاب العمري 35 سنة في ساحة القصاص بأبها.



المصدر