اهتم الإسلام اهتماما كبيرا بالنصيحة , ووضع لها آداباً وأخلاقاً حتى تؤتي ثمارها و تبلغ مراميها و تحقق أهدافها , فالنصيحة لها هدفها و دورها في حماية المجتمع المسلم .
وللنصيحة آداب وشروط منها :
1- أن تكون خالصة لوجه الله وهدفها إرضاء الله و حده .
الناصح لا بد أن يكون مخلصا لله تعالى في النصح بحيث لا يكون قصده الرياء ولا السمعة ولا لتحقيق غرض دنيوي ولا لإظهار تميز الناصح.
فالنصيحة ثقيلة على القلوب ولن تتقبلها إلا إذا خرجت من قلب طاهر نقي , لأن ما خرج من القلب يدخل مباشرة إلى القلب , والله تعالى لا يقبل من العمل إلا ما كان خالصا له وحده .
2- لا تنصح بناء على شبهة أو ظن لم يتثبت منه .
السلم يحسن الظن بإخوانه, ولا يأخذهم بالشبهة , قال تعالى : \"يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِن جَاءكُمْ فَاسِقٌ بِنَبَأٍ فَتَبَيَّنُوا أَن تُصِيبُوا قَوْماً بِجَهَالَةٍ فَتُصْبِحُوا عَلَى مَا فَعَلْتُمْ نَادِمِينَ\" الحجرات6 , ولا يشتعل بعيوبهم عن عيبه قال تعالى : \" يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اجْتَنِبُوا كَثِيرًا مِنَ الظَّنِّ إِنَّ بَعْضَ الظَّنِّ إِثْمٌ وَلا تَجَسَّسُوا وَلا يَغْتَبْ بَعْضُكُمْ بَعْضًا أَيُحِبُّ أَحَدُكُمْ أَنْ يَأْكُلَ لَحْمَ أَخِيهِ مَيْتًا فَكَرِهْتُمُوهُ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ تَوَّابٌ رَحِيمٌ \" الحجرات : 12 .
3- البعد عن الجريح أو التأنيب أو إيذاء المشاعر.
النصيحة ليس معناها التجريح أو الفضيحة، ولقد كان الرسول – صلي الله عليه و سلم- يفضل الأسلوب غير المباشر في النصح فيقول : \" ما بال أقوام يفعلون كذا و كذا \" فعن أَنَسَ بْنَ مَالِكٍ حَدَّثَهُمْ قَالَ: قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:\' مَا بَالُ أَقْوَامٍ يَرْفَعُونَ أَبْصَارَهُمْ إِلَى السَّمَاءِ فِي صَلَاتِهِمْ فَاشْتَدَّ قَوْلُهُ فِي ذَلِكَ حَتَّى قَالَ لَيَنْتَهُنَّ عَنْ ذَلِكَ أَوْ لَتُخْطَفَنَّ أَبْصَارُهُمْ\' رواه البخاري والنسائي وأبوداود وابن ماجه والدارمي وأحمد .
قال الشافعي: مَن وعظ أخاه سرا فقد نصحه وزانه، ومن وعظه علانية فقد فضحه وخانه. رواه أبو نعيم في الحلية (9/140). .
وأنشد الشافعي رحمه الله:
تعمدني بنصحكَ في انفرادي
وجنبني النصيحةَ في الجماعه
فإنَّ النصحَ بينَ الناسِ نوعٌ
منَ التوبيخِ لا أرضى استماعه
وإنْ خالفتني وعصيتَ قولي
فلا تجزعُ إذا لمْ تعطَ طاعه
4- اختيار الوقت والمكان المناسب .
على من ينصح أن يختار الوقت المناسب لإسداء النصيحة , فليس مقبولا أن ننصح إنسانا و هو في شدة غضبه , أو في ظروف لا تسمح له بالاستجابة , و تجعله يرفض النصيحة و يفعل عكسها .
5- الحكمة والموعظة الحسنة واللين.
أمرنا الله تعالى بالحكمة والموعظة الحسنة في الدعوة والنصح فقال تعالى: {ادع إلى سبيل ربك بالحكمة والموعظة الحسنة وجادلهم بالتي هي أحسن} النحل: 125. وقال : {خذ العفو وأمر بالعرف وأعرض عن الجاهلين} [الأعراف: 199]، وقال تعالى: {ولا تستوي الحسنة ولا السيئة ادفع بالتي هي أحسن فإذا الذي بينك وبينه عداوة كأنه ولي حميم}.[فصلت: 34].
وإذا كانت هذه آداب وضعها الإسلام للناصح آي لمن يقوم بالنصيحة و فإن هنالك آداباً خاصة بالمنصوح منها:
1- عدم التكبر في قبول النصيحة.
قيل: تقبل النصيحة بأي وجه، وأدِّها على أحسن وجه. قال له رجل مرة: اتق الله يا ابن الخطاب. فضاق بعض الحاضرين بهذا، فقال عمر: دعوه، والله لا خير فيكم إذا لم تقولوها، ولا خير فينا إذا لم نسمعها.
فعلى المنصوح أن يتقبل النصح بنفس راضية، وقد صدق القائل «من اصفر وجهه عند النصيحة اسود لونه من الفضيحة.
2- عدم الإصرار على الباطل.
فالرجوع إلى الحق فضيلة والتمسك بالباطل رذيلة، والمسلم يحذر أن يكون ممن قال الله -تعالى- فيهم: {وإذا قيل له اتق الله أخذته العزة بالإثم فحسبه جهنم ولبئس المهاد} البقرة: 206.والرجوع إلى الحق خير من التمادي في الباطل .
3- أخذ النصح من المسلم العاقل.
إن من شيم العاقل عند النائبة تَنُوبه: أن يشاور عاقلاً ناصحاً ذا رأي ثم يطيعه، وليعترف للحق عند المشورة، ولا يتمادى في الباطل بل يقبل الحق ممن جاء به، ولا يحقر الرأي الجليل إذا أتاه به الرجل الحقير، لأن اللؤلؤة الخطيرة لا يشينها قلة خطر غائصها الذي استخرجها، ثم ليستخر الله، وليمض فيما أشار عليه.
ومشاورة العاقل وأخذ النصح منه من شيم العقلاء لأنه يفيده بعقله وحكمته، كما أن المسلم يتجنب نصح الجاهل أو الفاسق؛ لأنه يضره من حيث لا يحتسب.
قال الشاعر :
وإن باب أمر عليك التوى * * * فشاور لبيبا ولا تعصه !
4- التطبيق العملي للنصيحة .
لا بد للمنصوح أن يأخذ بالنصيحة ويحولها إلى واقع عملي , وسلوك تطبيقي , ينعكس أثره في حياته وعلى تصرفاته .
5- شكر الناصح.
حثنا النبي صلى الله عليه وسلم أن نقدم كلمة الشكر لمن صنع إلينا معروفًا؛ فنقول له: جزاك الله خيرًا. قال الله صلى الله عليه وسلم: (من صُنِع إليه معروف، فقال لفاعله: جزاك الله خيرًا، فقد أَبْلَغَ في الثناء) [الترمذي والنسائي].
فيجب على المنصوح أن يقدم الشكر لمن نصحه، فمن لا يشكر الناس لا يشكر الله.فعن أبي هريرة -رضي الله تعالى عنه- قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: (لا يشكر اللهَ من لا يشكر الناس. [أخرجه أحمد وأبو داود والترمذي بإسناد صحيح.
من الدين النصيحة