في جميع الشرائع والأنظمة والقوانين يظل المتهم بريئا حتى تثبت إدانته بجرم معين، ولذلك فإن أي إجراء مادي أو معنوي يضار منه المتهم قبل إدانته يعتبر تعديا وتجاوزا لإجراءات التحقيق لاسيما إذا كان ذلك الضرر يدخل ضمن العقوبات التي يجب النص عليها في حكم العقوبة إن ثبت الجرم على المتهم، مثل عقوبة التشهير التي ينبغي أن ينص عليها باعتبارها عقوبة مستقلة عن أي حكم بالغرامة أو السجن أو أية عقوبة إدارية أو شرعية أو نظامية، ولكن ماحصل أخيرا بالنسبة لبعض الإخوة الذين اقتضت مصلحة التحقيق في مأساة جدة استدعاؤهم للتحقيق معهم أن بعض وسائل الإعلام قد تعجلت في الأمر وقامت بإنزال عقوبة التشهير بهم قبل أن يبدأ التحقيق معهم، فقد انتقلت بعض الكاميرات الصحافية لتسجل لقطة تصعيد بعض المتهمين إلى السيارة المخصصة لنقلهم إلى مكان التحقيق، بينما اكتفت بعض الوسائل بتسمية مناصب الذين تم استدعاؤهم، وأخذت الألسنة تتناقل أسماء أصحاب تلك المناصب وهم معروفون عند الخاصة والعامة، وأصبح هؤلاء «أحاديث» وهي عقوبة قرآنية ربانية قاسية جدا أنزلها الله على عباده الكافرين بنعمه من قوم سبأ حيث جعلهم عز وجل أحاديث ومزقهم كل ممزق بل إن جعلهم أحاديث تقدم على تمزيقهم في الآية، مما يدل على عظم هذه العقوبة لأنها من التشهير الفاضح وهو ما انطبق بشكل سافر على المتهمين في قضية مأساة جدة.
ما دام أن هدف الجميع الوصول إلى الحق ومعاقبة المتسبب كائنا من كان !!، فإن العدالة والمصلحة تحتمان الانتظار حتى ينتهي التحقيق وتصدر قرارات الإدانة، فإن تضمنت تلك القرارات عقوبة التشهير من ضمن ما يصدر من عقوبات أخرى فعندها يمكن تطبيق عملية التشهير وفي إطار محدد غير متعد أو موسع..
أما هذا الذي حصل فإنه إجراء قد يكون فيه ظلم لمتهم قد لا تثبت إدانته ولكن ما قيل فيه وعنه قد قيل.. حسب رأي الشاعر:
قد قيل ما قيل إن صدقا وإن كذبا
فما اعتذارك عن قـول إذا قيلا ؟!
والله الهادي إلى سواء السبيل!!.