في صحيفة عكاظ في عددها الصادر يوم الأربعاء الموافق 27/1/1431 قرأت هذا المقال وأردت نشره في هذه المنتديات لما له من تلمس جراح البطالة والحديث في الصميم
ولكم التعليق
البطالة مجددا
عبدالله حسن العبدالباقي
في 10/1/2009 نشرت الكاتبة أمل زاهد في الوطن قصة عادل الإدريسي إلى فقد عائلته وبيته المستأجر وخرج بأثاثه على الرصيف المواجه لمكتب العمل مختنقا بعبراته ومرارة التهميش تنهشه؛ لأنه أصبح عاجزا عن مواجهة متطلبات الحياة حتى في حدودها الدنيا. واليوم سأذكر لكم حكاية أخرى عبر رسالة وصلتني من أحد القراء تعكس ذات المرارة المميتة. الرسالة تقول «الكاتب فلان بعد السلام. أطلب منكم إيصال صوتي إلى معالي وزير الشؤون البلدية والقروية سمو الأمير منصور بن متعب، وأطلب فيها سعودة وظائف (الزبالين) وبقية وظائف البلديات كالسائقين وعمال الصيانة والإشراف، نريد أن نكون حتى ولو (زبالين) في أكبر دولة مصدره للنفط. ذبحتنا العطالة. وين يبغونا نروح؟ هل نسرق أو نقطع الطرق أم نحترف تهريب المخدرات؟ ورانا أهل عايشين على الكفاف من خلال مخصصات الضمان الاجتماعي، عمري قارب الثلاثين ربيعا. وهل من العيب أني لم أحصل على مؤهلات دراسية عالية. أرجوك أن تنشر رسالتي خلاص ملينا حياة الفقر والتعاسة والموت أهون وعلى مسؤوليتي هذا الكلام» أخوكم محمد ـــ شرورة ـــ رقم الجوال.
بعد وصول هذه الرسالة الإلكترونية تحادثت مع الرجل لأسأله عن مؤهلاته فقال ثالث متوسط بالإضافة إلى دبلوم حاسب آلي والخبرات خمس سنوات في شركات بتعاقد التشغيل كقارئ عدادات ومشرف عمالة، وعندما سألته هل سجلت في مكتب من مكاتب العمل. فقال يا أخي أنا من ـــ شرورة ـــ ولايوجد بها مكتب عمل وأقرب مدينة لنا «نجران» تقع على بعد 350كم. وأنا لا أطالب أن أكون مهندسا ولا مديرا كل ما أريده أن أعمل في أية مهنة وذهبت إلى بلدية شرورة وفيها كل السائقين أجانب وكل عمال الصيانة أجانب والمشرفين أجانب وطالبتهم أن أكون في هذه المهنة التي يشغلها هؤلاء الأجانب وأنا أستطيع أن أمارسها كسعودي ولكن لاجواب ولا استجابة.
تلك هي قصة محمد وآلاف غيره في هذا البلد إن لم يكن الملايين، وإن تحدثت الأستاذة أمل زاهد عن مصير خريجينا المجهول فالحديث يدور هنا حول أولئك الذين لم يكملوا دراستهم، «الثانوية فما دون» هو كل ما استطاعوا تحصيله. هل عليهم أن يموتوا قهرا وكمدا؟ هل عليهم أن يبقوا عاطلين للأبد؟.
كيف نتخيل مصير هؤلاء؟ هل عليهم أن يسرقوا أو يقطعوا الطرق أو يحترفوا التهريب والترويج للمخدرات كما قال محمد؟
الحديث خلال هذه الفترة عن الفساد الذي أكل الأخضر واليابس والبر والبحر حسب تعبير الدكتور حمود أبو طالب. والحديث عن الفساد غاية في الأهمية بالتأكيد، ولكن ألا يعتبر وجود البطالة بحجمها المتضخم هذا في بلادنا فسادا وناتجا عنه؟
لماذا ترسى المشاريع على الشركات والمقاولين حتى في الأجهزة الحكومية والوزارات دون اشتراط السعودة؟ لماذا تقيم المشاريع على أساس أن العامل والموظف هو أجنبي وراتبه محدود ولا يحسب حساب العامل أو الموظف الوطني بوجود حد أدنى من راتب يكفل له حياة معيشية في حدها الأدنى؟
ماذا نسمي وجود 360 شركة مقاولات في حفر الباطن، بينما يوجد في هيوستن وهي مدينة كبرى في ولاية تكساس 216 شركة مقاولات فقط؟ حسب التصريحات التي أدلى بها عضو مجلس الشورى الدكتور عبد الرحمن الزامل ماذا نسمي استقدام مليون عامل في عام 2007 في الوقت الذي يوجد فيه ملايين العاطلين عن العمل؟ ماذا نسمي العمالة السائبة التي هي بمئات الآلاف إن لم تكن بالملايين؟ من أعطى الفيز ولمن وكيف أليس كل ذلك فسادا في فساد؟.
نتحدث أيضا عن الأمن وعن القاعدة التي نرى أفعالها هذه الأيام وكيف أنها تنتعش في ظل ظروف اقتصادية صعبة وتوجد في المحاضن المؤهلة لها، وهل هناك أكثر من الفقر والعوز والتهميش حاضنة لهؤلاء. عندما يصل «محمد» إلى القول الموت أهون فذاك بداية الطريق والمشكلة ليست محمد واحد فقط ولكنها مشكلة مئات الآلاف من محمد.
إذا أردنا حقا الحديث عن الفساد فلابد من تلمس كل جوانبه وهي لاتخفى على الناس. والتبريرات التي كانت توضع من قبل القطاع الخاص حول فشل السعودة وفشل الشاب السعودي في أداء المهنة أو الوظيفة على أكمل وجه هي مبررات واهية ومعظم أعمال العمالة الوافدة يمكن أن يؤديها المواطنون بشيء من التدريب والإصلاح.
فعند النظر إلى نوعية العمالة الوافدة لن تجد تلك الخبرات، بل على العكس ها نحن نسمع عن تزييف حتى شهادات الطب وبقية التخصصات الطبية، بل ليس من المبالغة القول إن بلادنا هي من يصنع الخبرات للبلدان الأخرى ويصدرها.
البطالة هي التحدي الحقيقي الذي يواجه مجتمعنا ونماءه وتطوره فلا نماء بلا الإنسان ولا تطور اقتصادي حقيقي دون مشاركة الإنسان السعودي في عملية البناء والتطوير. المسؤولية هنا لاتقع فقط على وزارة العمل ولكنها تحتاج إلى استراتيجية عليا يتشارك فيها جميع الوزارات والقطاع الخاص وبقرارات حاسمة ومتابعة لصيقه تجعل من القضاء على البطالة هدفا استراتيجيا لكل الدولة وأنظمتها ومسؤوليها ودون ذلك يبدو أننا سنظل نكتب عن البطالة مجددا مرات ومرات ومرات.