«خدمة الزوجة زوجها» من القضايا الجدلية التي أثيرت قديما وتثار حديثًا.. فهل هي واجبة عليها أم أنها تخدمه من باب حسن العشرة؟! وهل حقًا لو أرادت الامتناع عنها لما جابهت مانعًا شرعيًا؟!
وقد يبدو ـ مما هو شائع ـ أن حق كفالة الرجل للمرأة يقابله في الإسلام حق رعاية المرأة للرجل، لكن ما هو ثابت في الإسلام أن المرأة غير مسئولة عن خدمة الزوج بوجه ملزم، وهو ما يجهله الكثيرون.
يذهب بعض العلماء، إلى أن المرأة المتزوجة في الإسلام ليست تحت قوامة الرجل في معاملاتها وعلاقاتها الحقوقية، بل لها استقلال وحرية كاملين في إنجاز معاملاتها، وفي الوقت الذي منح الإسلام فيه الزوجة مثل هذا الاستقلال الاقتصادي في مقابل الزوج، لم يجعل لهذا الاخير حقا في مالها ولا عملها ولا معاملاتها.
لكن الشيخ الدكتور عبد الله الجبرين له رأي آخر عندما سُئل عن هذا وأن هذه الخدمة من الزوجة ليست واجبة عليها أصلاً وإنما عقد عليها الزوج للاستمتاع فقط، أما خدمتها له فذلك من باب حسن العشرة ويلزمه إحضار خدم لزوجته، فقال: «هذه الفتوى غير صحيحة ولا عمل عليها. فقد كانت الصحابيات يخدمن أزواجهن كما أخبرت بذلك أسماء بنت أبي بكر عن خدمتها لل***ر بن العوام، وكذا فاطمة الزهراء في خدمة علي رضي الله عنهما وغيرهما ولم يزل عرف المسلمين على أن الزوجة تخدم زوجها الخدمة المعتادة لهما في إصلاح الطعام وتغسيل الثياب والأواني وتنظيف الدور وكذا».
وهو خلاف ما ذهب إليه رئيس لجنة الفتوى بالأزهر الدكتور عطية صقر الذي أكد أنّ المذاهب الأربعة: «لا توجب على المرأة المسلمة خدمة زوجها نفسه، إلا إذا قامت بذلك متبرعة من باب مكارم الأخلاق، ولو شكا زوج زوجته إلى المحكمة الشرعية الملتزمة ببعض هذه المذاهب، فلن تجبر المرأة على خدمة الزوج. فإذا كان هذا مقررًا في شأن الزوج فأولى ألا تُلزم المرأة بخدمة ضيوف زوجها، وتقديم القرى لهم حتى في حالة مرضها».
وأشار علماء مجلس الافتاء الاوروبي في احدى فتاواهم إلى أنهم: «يطمئنون ويفتون بالمذهب الذي قال بوجوب عمل المرأة في البيت خدمة لزوجها وأولادها، وهذا من المعاشرة المعروفة التي أمر الله بها، ومن العدل في توزيع الحقوق والواجبات على الطرفين {وَلَهُنَّ مِثْلُ الَّذِي عَلَيْهِنَّ بِالْمَعْرُوفِ»، فالرجل يعمل ويكدح خارج البيت ليعول أسرته، والمرأة تعمل داخل البيت لخدمة الأسرة، وإذا كانت المرأة تعمل في الخارج، كما يعمل الرجل فالعدل أن يعاونها الرجل بخادمة تساعدها أو بنفسه ما استطاع، لا سيما إذا كانت أمًا لأطفال، كما يجب مراعاة مرضها بعدم الإثقال عليها بالضيوف الذين يحتاجون لخدمة. لأن الإسلام كرم المريض وراعى حالته الصحية بأن أعفاه من الجهاد {لَيْسَ عَلَى الْأَعْمَى حَرَجٌ وَلَا عَلَى الْأَعْرَجِ حَرَجٌ وَلَا عَلَى الْمَرِيضِ حَرَجٌ» ورخص له بالإفطار في رمضان..الخ».
أما الدكتور يوسف القرضاوي فيرى أن خدمة المرأة لزوجها: «هو المعروف عند من خاطبهم الله تعالى بكلامه، أما ترفيه المرأة وقيام الرجل بالخدمة - الكنس والطحن والعجن والخبز والغسل... إلخ- فهذا ليس من المعروف وبخاصة أن الرجل يعمل ويكدح خارج البيت فمن العدل أن تعمل المرأة داخله».
وأضاف: «إن كل حق يقابله واجب، فقد أوجب الله تعالى للزوجة على الزوج حق النفقة والكسوة والسكنى - فضلاً عن المهر - ومن البديهي أن يلقى عليها لقاء ذلك من الأعمال ما يكافئ هذه الحقوق، أما قول الآخرين: إن المهر والنفقة وجبا في مقابل استمتاع الرجل، فيرده أن الاستمتاع أمر مشترك بينهما»، موضحا ذلك بقول ابن القيم في الهدى: «إن العقود المطلقة إنما تنزل على العرف، والعرف خدمة المرأة وقيامها بمصالح البيت الداخلة»، ويقول أيضًا: «قال الله تعالى: (الرجال قوامون على النساء) وإذا لم تخدمه المرأة - بل كان هو الخادم لها - فهي القوَّامة عليه».
ويشير الشيخ القرضاوي إلى أن المروي عن نساء الصحابة: «أنهن كن يقمن بخدمة أزواجهن ومصالح بيوتهن، صح عن أسماء بنت أبي بكر أنها قالت: كنت أخدم ال***ر (زوجها) خدمة البيت كله، وكان له فرس فكنت أسوسه وأحش له وأقوم عليه، وصح عنها أنها كانت تعلف فرسه وتسقي الماء وتخرز الدلو وتعجن وتنقل النوى على رأسها من أرض له على ثلثي فرسخ ، وفاطمة الزهراء سيدة نساء العالمين، كانت تخدم عليًا وتقوم بشئون بيته من طحن وعجن وخبز، وتدير الرحى، حتى أثرت في يديها، وقد ذهبت إلى النبي هي وزوجها يشكوان إليه الخدمة، فحكم على فاطمة بالخدمة الباطنة: خدمة البيت، وحكم على علي بالخدمة الظاهرة، قال ابن حبيب: الخدمة الباطنة الطحن والطبخ والفرش وكنس البيت واستقاء الماء وعمل البيت».
ويقول الدكتور عبد الفتاح إدريس أستاذ الفقه المقارن بكلية الشريعة جامعة الأزهر حول هذا الموضوع:
«ان الإسلام لم يفرض على المرأة القيام بالعمل في منزل الزوجية، وليس عملها به حقًا قرره الشارع للزوج عليها، وإنما ذلك متروك لها تبعًا لعادة قومها في ذلك، ولهذا قال جمهور الفقهاء، إن عقد الزواج للعشرة الزوجية، لا للاستخدام وبذل المنافع، فليس من مقتضاه خدمة البيت والقيام بشئونه، إذ ليس في أدلة الشرع ما يلزم المرأة بخدمة زوجها وأولادها وبيتها، ولهذا أوجب جمهور الفقهاء لها على زوجها نفقة خادم تقوم على أمر البيت الذي تسكنه الزوجة، إذا كان الزوج موسرًا، وكانت الزوجة ممن تخدم في بيت أهلها، أو كانت مريضة، بل إنها إذا احتاجت إلى أكثر من خادم لهذا الغرض، لزم الزوج نفقتهم عند فقهاء المالكية».
ويضيف: «إذا كانت المرأة من مجتمع جري عرف من فيه على أن تهتم الزوجة ببيت زوجها، فقامت المرأة بشئون بيت الزوجية، فليس في ذلك عبودية أو سخرة أو إذلالاً للمرأة، أو غير ذلك من الألفاظ الفخمة التي يتشدق بها بعض كليلي البصر، إذ المرأة إذا قامت بذلك، فإنما تقوم به بمحض اختيارها، لا إجبار عليها من أحد، وهي مع هذا مأجورة عليه، وحسبها في هذا أن فضليات النساء قمن على شئون بيوت أزواجهن، ولم يرين في ذلك عبودية أو نحوها».