هل ترضع المرأة وليدها وتخدم زوجها بأجر؟ : اختلف علماء أزهريون حول فتوى منسوبة إلى الدكتور "علي جمعة" مفتي الديار المصرية، نشرتها أخيرا إحدى الصحف المستقلة التي تصدر في القاهرة، قالت الفتوى إنه يحق للمرأة الامتناع عن خدمة زوجها وأولادها، ولها أن تطالب بأجر مقابل إرضاعها لأولادها. وأكدت الفتوى إن الزوجة لا تتزوج لكي تصبح خادمة، وإنما جاءت لمؤانسة زوجها وعليه نفقتها وجلب خادمة لها.
وأضافت الفتوى أن خدمة المرأة لزوجها إنما تأتي من باب التفضل؛ لأن الزواج في الشريعة ليس لبناء أسرة فقط، وإنما لدرء الفتنة. كما أنه من حق الزوجة الامتناع عن إرضاع الصغير ولها أن تطالب بأجر عن إرضاعه.
وفي مقابلة مع الدكتور "علي جمعة" أكد ـ طبقا للشرق الأوسط ـ أن مقاصد الزواج في الإسلام المودة والإعفاف والسكن، وكذلك تعاون الزوجين بينهما على البر والتقوى، وأضاف أن شريعة الإسلام بينت جميع الحقوق الواجبة لكل من الزوجين على الآخر، فمن حقوق الزوجة على زوجها الإنفاق عليها، فلها أن يطعمها مما يأكل وأن يكسوها مما يلبس، وأن يلين لها القول وألا يهجرها في المضجع إلا في حالات علاج النشوز.
وأوضح أن للزوجة الحق في تقاضيها أجراً على إرضاع وليدها بنص قول الله تعالى: {فإن أرضعن لكم فآتوهن أجورهن}، لكن إذا كان حال الزوج لا يسمح بذلك والزوجة راضية فلا بأس، كذلك قال بعض الفقهاء إنه على الزوج أن يحضر لزوجته خادمة للمعاونة في أعمال المنزل؛ لأنها ليست ملزمة بالعمل كخادمة له، وأن ما تقوم به من أعمال منزلية هو تفضل منها باعتبار أن عقد الزواج قاصر على الاستمتاع.
وتعليقاً على ذلك؛ قالت الدكتورة "سعاد صالح" ـ أستاذة الفقه في جامعة الأزهر والملقبة بـ"مفتية النساء" في مصر ـ أنه لا بد من التفرقة بين الإرضاع وخدمة الأولاد والزوج، فمن الحقوق الواجبة للزوجة على زوجها: أجرة الرضاع؛ لعموم قول الله تعالى: {فإن أرضعن لكم فآتوهن أجورهن}، وقوله تعالى "وعلى المولود له رزقهن وكسوتهن بالمعروف"، إلا إذا تنازلت المرأة عن حقها في الرضاعة برضاها، وإذا طلبت من زوجها أجرة الرضاعة فيجب على الزوج أداؤها لها، سواء كانت في عصمته أو مطلقة.
وأضافت الدكتورة سعاد: أما بالنسبة لخدمة الزوجة لزوجها وأولادها وقيامها بالأعمال المنزلية؛ فقد اختلف الفقهاء حول هذه القضية فبعضهم قال إن كانت المرأة تقوم بهذه الأعمال التي تقوم بها في بيتها قبل انتقالها إلى منزل الزوجية فإنه يجب عليها أن تقوم بها في بيت زوجها أيضاً، ورأى بعض الفقهاء أنه إذا كانت للمرأة خادمة في بيت أبيها وكان الزوج قادراً على أن يأتي لها بخادمة فإنه يجب عليه ذلك؛ لأن النفقة عند جمهور الفقهاء واجبة على الزوج لزوجته في مقابل حق الاحتباس، موضحة أن المقصود بحق الاحتباس أن تكون الزوجة مهيأة لتلبية رغبات زوجها.
ويتفق الدكتور "عبد الحي عزب" ـ أستاذ أصول الفقه في كلية الشريعة والقانون بجامعتي الأزهر ومسقط ـ مع الرأي السابق، حيث يؤكد أن مسألة إرضاع الأم لوليدها بأجر اختلف حولها الفقهاء، فقد اعتبر فريق منهم أن الرضاعة ليست واجبة على المرأة؛ لقوله تعالى: {فإن أرضعن لكم فآتوهن أجورهن}، بينما اعتبر الفريق الآخر أن إرضاع المرأة لوليدها يدخل ضمن واجبات المرأة؛ لأن واجبات المرأة إنما تكمن في الحفاظ على الحقوق الزوجية، ثم هناك واجبات مشتركة بين الرجل والمرأة، ومنها تربية الأولاد والسهر على تنشئتهم التنشئة الإسلامية الصحيحة؛ لذا فإن تربية الوليد كما هي واجب على الرجل من حيث الإنفاق من مأكل وملبس وسكن فهي واجب على المرأة بالعناية والرعاية. وتابع الدكتور عزب حديثه قائلا: ويدخل ضمن ذلك قيام المرأة بإرضاع وليدها.
ويوضح أنه كما أوجب بعض الفقهاء على الأم إرضاع وليدها أخرج البعض الآخر واجب الرضاع من الواجبات الملقاة على عاتق المرأة، وهنا إذا امتنعت عن رضاع وليدها إلا بأجر من الزوج كان لها ذلك.
وقال الدكتور عزب: دعنا من هذا الخلاف، ولنحكم المنطق السليم وما تفرضه أصول التربية الصحيحة، حيث قرر الأطباء أن الطفل السليم إنما هو الذي يشب على الرضاعة الطبيعية، كما إن في إرضاع الأم لوليدها يتربى على علاقة الحنان والرابطة الزوجية التي هي سر من أسرار الأمومة، لذلك فإن الطبيعة البشرية تجعل المرأة تميل إلى إرضاع وليدها ولا تمتنع عن إرضاعه إلا من لم تزود بحنان الأمومة، وهؤلاء هم استثناء في المجتمع، والاستثناء لا يمثل قاعدة حيث إن الأحكام تنزل على الكثير الغالب وليس على القليل النادر.
ومن جانبه؛ يرى الدكتور "محمد عبد المنعم البري" ـ رئيس جبهة علماء الأزهر السابق والأستاذ في كلية الدعوة الإسلامية ـ أنه من حق المرأة أن تطالب بأجر رضاعة الوليد من زوجها بنص قول الله تعالى:{فإن أرضعن لكم فآتوهن أجورهن}، أما خدمة المرأة في بيت زوجها فهي تكرم وتفضل منها، وهي ليست ملزمة بذلك شرعاً، ويحق لها أن تطالب بأجر نظير هذه الخدمة أو أن يحضر لها الزوج خادمة.
وقال: إننا بهذا الكلام ندحض بعض حجج المشككين الذين لا هم لهم إلا محاربة الإسلام وإثارة الشبهات حوله، وبخاصة في ما يتعلق بقضية حقوق المرأة في الإسلام، فأي شريعة غير الإسلام وجدت المرأة تكريماً وإعزازاً وتقديراً ومعاملة طيبة؟
أما الشيخ "يوسف البدري" ـ عضو المجلس الأعلى للشؤون الإسلامية بالقاهرة ـ فله رأي مختلف عن مجمل الآراء السابقة؛ حيث أكد انه لم يرد عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه أخبر بأن الزوج مطالب بتوفير خادمة لزوجته أو أن يدفع ثمن الإرضاع للزوجة، إنما هناك تكفل بما تحتاجه المرأة، فإذا كان اللبن من ثدييها لا يحتاج إلي جهد ولا يحتاج إلى تكلفة فإن معنى هذا أن الإرضاع شيء واجب على الأم لترضع وليدها.
وقال الشيخ البدري إن فاطمة الزهراء ـ رضي الله عنها ـ طلبت خادمة بعد أن رغب زوجها علي بن أبي طالب ـ رضي الله عنه ـ ذلك إلا أن النبي عليه الصلاة والسلام ردها، وأخبرها بأنها يمكن أن تفعل شيئاً أعظم من الخادمة، وهو إذا أوت إلى فراشها سبحت الله ثلاثاً وثلاثين وحمدت الله ثلاثاً وثلاثين وكبرت أربعاً وثلاثين.
وأضاف الشيخ البدري قائلا: إذا كنا سمعنا النبي صلى الله عليه وسلم يقول في الحديث: "يا فاطمة اعملي عمل أهلك" فإن شراح الحديث بينوا لنا أن النبي صلى الله عليه وسلم قسم العمل الداخلي للمرأة والخارجي للرجل.
وكانت أسماء بنت أبي بكر تخدم زوجها وتعلف فرسه وتدق النوى وتحمله على رأسها لإطعام الفرس، وكانت نساء النبي صلى الله عليه وسلم يقمن بخدمته.
وأضاف الشيخ البدري: وقد جاءت أحاديث كثيرة في آداب الضيافة، منها: أن أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها كانت تقوم بإحضار الطعام للضيف، والنبي صلى الله عليه وسلم يقول: ما عندك يا عائشة؟ في كل مرة.وعندما ذهب صلى الله عليه وسلم إلى أبي التيهان الأنصاري يضيف نفسه وأبي بكر وعمر ـ رضي الله عنهما ـ من الجوع لم يكن عنده خادمة وقامت امرأته معه بإعداد وليمة الضيافة.
وقال الشيخ البدري: إن الذين يحتجون بقول الله تعالى: {وإن تعاسرتم فسترضع له أخرى}، وبقوله تعالى: {وعلى المولود له رزقهن وكسوتهن بالمعروف}، وقوله تعالى: {لينفق ذو سعة من سعته} فإن احتجاجاتهم بهذه الآيات على أن المرأة ليست ملزمة بخدمة زوجها أو إرضاع وليدها ومن حقها أن تطلب أجر الإرضاع، فإن هذا المنطق غريب، فكيف يجعل الله اللبن في ثدي الوالدة ويقول: {والوالدات يرضعن أولادهن حولين كاملين} وفي الوقت ذاته يريد البعض حرمان الأبناء من لبن الأم والرضاعة الطبيعية، بحجة أن الزوج لا بد أن يدفع لامرأته ثمن اللبن تحت منطق مدرسة الرأي في الفقه، ومع ذلك فإن الفقهاء لم يقولوا بوجوب توفير خادمة على الأمر المطلق.
وقال الشيخ البدري إن بعض العلماء قال إن الزوجة الشريفة تختلف عن الزوجة التي من رعاع الناس، وإنه لا بد لها من خادمة، وإنما حياتها فقط للمؤانسة والمتعة، فما أحسب أن شريعة الإسلام تتسع لهذه الآراء