{فَاعْفُواْ وَاصْفَحُواْ حَتَّى يَأْتِيَ اللّهُ بِأَمْرِهِ إِنَّ اللّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِير}
ما معنى الصفح؟ الصفح هو الإعراض عن ذنب المذنب فلا تؤاخذه ولا تعاتبه بذنبه, اسمع قول الله عز وجل: {فَاعْفُواْ وَاصْفَحُواْ حَتَّى يَأْتِيَ اللّهُ بِأَمْرِهِ إِنَّ اللّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِير}.
أتمنى عليكم أيها الإخوة أن تعلموا بأنك إن عفوت وصفحت لم تنتهِ المسألة بين العبد وربه, بعض الناس يقول: إن عفوت فإن هذا الرجل سيتمادى! مَنْ قال لك إن هذا الرجل سيتمادى؟ من قال لك إن هذا العبد انتهت قضيته عند ربنا عز وجل؟ أنت عفوت وصفحت فنلت الأجر من الله, أما هذا العبد فإن بقي مُصِرّاً على ذنبه فلن يفلت من قبضة الله عز وجل, قال تعالى: {وَلاَ تَحْسَبَنَّ اللّهَ غَافِلاً عَمَّا يَعْمَلُ الظَّالِمُونَ إِنَّمَا يُؤَخِّرُهُمْ لِيَوْمٍ تَشْخَصُ فِيهِ الأَبْصَار}. فإنك إن عفوت ما زال هذا العبد في قبضة الله, فإن تاب إلى الله فالله يقبل توبته, ومن تمام التوبة أن يعيد الحقوق إلى أصحابها, فإذا عفوت ولم يتب ولم يعد الحقوق لأصحابها فاعلم أنه في قبضة الله, ولذلك قال ربنا عز وجل: {فَاعْفُواْ وَاصْفَحُواْ حَتَّى يَأْتِيَ اللّهُ بِأَمْرِهِ}. وعندما توضع الموازين القسط يوم القيامة تقول: يا رب أنا عفوت عن هذا العبد, فيقول ربنا عز وجل: وأنا قد عفوت عنك, ادخل الجنة, ولكن ذاك يقال له: احضر وزنك. فما هو قائل لربه عز وجل؟
ولذلك كان الإمام أحمد بن حنبل رحمه الله يعفو ويصفح, فسأله ولده عن ذلك فقال: وما ينفعني إن عذَّب الله عز وجل عبداً في النار من أجلي؟ أنا سأعفو ولكن الأمر لمن؟ لله عز وجل, انظر إلى قول الله: {فَاعْفُ عَنْهُمْ وَاصْفَحْ إِنَّ اللّهَ يُحِبُّ الْمُحْسِنِين}, والإحسان أن تقابل من أساء إليك بالإحسان, فتكون بذلك محبوباً عند الله عز وجل.
فإذا عفوت وصفحت فلا ينبغي أن يبقى في قلبك شيء من الحقد, ولكن هذا لا يعني ألا تطالب بحقك, بل إن استطعت أن تطالب بحقك فطالب به, وإذا رأيته مصرّاً فاعف واصفح لتربح الأجر عند الله عز وجل, إذا ذهب المال فلا تُذهب أجر مصيبتك عند الله عز وجل, هذا الأجر الذي قال فيه سبحانه: {إِنَّ اللّهَ يُحِبُّ الْمُحْسِنِين}.