البطالة .. الواقع والمأمول
حسين سويلم
تعالت الصيحات في الوقت الحاضر منددة بالبطالة، معتبرة إياها معضلة من أعقد المعضلات التي تواجهها المجتمعات حالياً، واصفة الدول بالعاجزة أمامها رغم ما أوتيت من قوة وإمكانات ووسائل لم تتح في عصور سابقة.
لو رجعنا إلى الوراء سنوات بحثا عن أسباب هذه المشكلة لوجدنا أنها تتلخص في: - زيادة عدد السكان في كل دولة.
- عدم استيعاب سوق العمل مخرجات التعليم الهائلة كل عام، وعدم تطابق المخرجات مع شروط أصحاب العمل وحاجاته.
- تعدد مطالب الشباب الباحثين عن العمل وتشعبها.
عجز الحكومات وصناع القرار عن إيجاد حلول حاسمة لهذه المعضلة.
- عدم إدراك الشباب أن أجهزة الدولة ليست المكان الوحيد للعمل، وليس مفترضا فيها استيعاب جميع الخريجين.
- ضيق أفق الشباب وعدم امتلاكهم البدائل المناسبة لصنع فرص عمل.
وإذا أردنا أن نحل هذه المشكلة فلنبدأ بالتعليم فهو كلمة السر فيها، ولنعلم أن هناك خللا فيه، وفي مناهجه، خاصة التي تعتمد في أغلبها على الحفظ والتلقين، وإذا وجدت بعض المناهج التي تساعد على الاستنتاج والابتكار، فهي قليلة ولا تطبق جيدا من حيث التدريس أو التقييم، وهذا إنما ينم عن فساد في التخطيط لمستقبل واعد يمتد إلى عشرات السنين وليس لخطط قصيرة الأجل لا تسمن ولا تغني من جوع.
إن ديننا الإسلامي حث على العلم وأثنى على أهله؛ وأول ما نزل من القرآن على النبي – صلى الله عليه وسلم – قول الله تعالى: (اقرأ باسم ربك الذي خلق، خلق الإنسان من علق، اقرأ وربك الأكرم، الذي علم بالقلم، علم الإنسان ما لم يعلم) «العلق 1-5» وقال – جل وعلا: (يرفع الله الذين آمنوا منكم والذين أوتوا العلم درجات) «المجادلة من الآية 11»، وورد عن النبي – صلى الله عليه وسلم – أنه قال: «طلب العلم فريضة على كل مسلم».
يتبين مما سبق أهمية العلم كونه فريضة؛ فعلى الإنسان أن يحرص على العلم حتى يعبد الله على بصيرة ويسعد في الدنيا والآخرة.
ويحرص ديننا على أن ينشأ كل فرد من أفراده متسلحا بالعلم ويضع لبنة في بناء مجد أمته، يلقى الله وهو راضٍ عنه لأنه تعلم وعمل بما تعلم؛ فنفع نفسه وامتد نفعه إلى غيره، وعلى النقيض من ذلك يبغض ديننا اليد العاطلة التي لا تتخذ عملا أو حرفة، وإنما تعيش عالة على غيرها، وقد روي عن عمر بن الخطاب - رضي الله عنه - أنه رأى رجلا في المسجد متفرغا للعبادة، فسأله عمن ينفق عليه فأخبره أن أخاه هو الذي ينفق عليه فقال عمر- رضي الله عنه: «أخوك أعبد منك».
إن لنا مثلا وقدوة في الرسول – صلى الله عليه وسلم – فقد كان النبي يرعى الغنم ويعمل بالتجارة ليأكل من عمل يده كما صنع إخوانه من الرسل والأنبياء، وكان يحث على العمل؛ فقد ورد عنه أنه أمسك بيد أحد الصحابة فوجدها قد تأثرت بالعمل فقال: «هذه يد يحبها الله ورسوله»، وورد في الأثر:»يا معشر الشباب اخشوشنوا فإن النعمة لا تدوم»، وعندما جاء رجل سائل طلب منه النبي أن يأتي بما في بيته وعرضه على الصحابة فاشتراه أحدهم وأعطى الرجل الثمن وقال له: «اذهب واحتطب ...» وبذلك كان الحل من الرسول عمليا لمشكلة هذا السائل وإعفافه عن السؤال.
وعندما هاجر الرسول وصحابته إلى المدينة وآخى بين المهاجرين والأنصار، فكان ممن آخى بينهم عبد الرحمن بن عوف وسعد بن الربيع، فقد عرض الأخير على ابن عوف نصف ماله فأبى، وقال: «بارك الله لك في أهلك ومالك» ، ثم قال: «دلني على السوق»، فذهب إلى السوق ليتاجر وبدأ – كما يقولون – من الصفر حتى صار من أثرياء الصحابة – رضي الله عنهم.
مما تقدم يظهر لنا أن للفرد دوراً في القضاء على البطالة؛ فهو إذا استعان بالله أولاً ثم إذا استغل ما هو متاح أمامه وبدأ بأي عمل مهما كان متواضعا، فإنه سيصل في يوم ما إلى ما يتمناه، وكما نسمع في بلادنا أو حتى في البلاد المتقدمة عن هذا المسؤول أو ذاك أنه كان يعمل في حرفة متواضعة حتى يتمكن من العيش، فالعمل في الإسلام الأصل فيه الإباحة ما دام حلالا يرضي الله.
وعلى الدولة مسؤولية أن تُوجِد فرص عمل لأبنائها وتعمل على تكافؤ الفرص؛ فلا فرق بين «ابن وزير و ابن غفير» فالكل في الحقوق سواء، وليعلم كل مسؤول أن الله محاسبه عن عمله وعن رعيته، قال – صلى الله عليه وسلم: «كلكم راعٍ وكلكم مسؤولٌ عن رعيته...».
وعلى الذين أنعم الله عليهم بالمال الوفير أن يؤدوا حق الله فيه، وأن يوفروا فرص عمل متكافئة للشباب حتى تعم المودة والرحمة المجتمع، يخاف الغني على الفقير ويحترم الفقير الغني في مجتمع متماسك الأركان؛ قال – صلى الله عليه وسلم - : «مثل المؤمنين في توادهم وتراحمهم وتعاطفهم كمثل الجسد إذا اشتكى منه عضو تداعى له سائر الجسد بالحمى والسهر».
ختاما أهمس في أذن كل من لم يوفق إلى عمل، بأن يبدأ من الآن في البحث عن أي عمل – لا أريد أن أسميه – حسب إمكاناته وما يستطيع أن يقوم به حتى يكون عضواً فاعلاً في مجتمعه، يغني نفسه ويرضي ربه، ويسهم في حل مشكلة البطالة حلاً جذرياً، وليُرِ كلٌّ منا ربه خيرا وليكن حسَنَ الظنِّ بالله حتى يوفقه إلى ما يريد.
ومسك الختام قوله تعالى: (وقل اعملوا فسيرى الله عملكم ورسوله والمؤمنون وستردون إلى عالم الغيب والشهادة فينبئكم بما كنتم تعملون) «التوبة آية 105» .
عدد القراءات: 348
"هذه المادة منتقاة من "الاقتصادية الإلكترونية"