عوائق مكافحة الفقر بالسعودية
2004/07/20
الأمير عبد الله أثناء زيارته للأحياء الفقيرة
قبل سنوات كان البعض يتعامل مع قضية الفقر في السعودية باعتبارها "عارا" وشيئا يجب إخفاؤه، أو أنه غير موجود في بلد يملك أكبر احتياطي نفطي في العالم.
غير أن زيارة ولي العهد السعودي الأمير عبد الله بن عبد العزيز لبعض الأحياء الفقيرة في العاصمة الرياض في نوفمبر 2002، وتأكيده على ضرورة اجتثاث جذور الفقر من المجتمع، مثلت إشارة البدء لخروج هذه القضية إلى الرأي العام، خاصة أن تصاعد الفقر في البلاد يصب بشكل غير مباشر في تغذية ظاهرة العنف التي شهدت بروزا لافتا على ساحة المملكة خلال الأعوام الماضية.
الفقر وأسبابه
وللفقر بالسعودية أسباب عدة، منها ظهور البطالة التي تقدر بحوالي 15% وفق تقديرات غير رسمية؛ وهو ما أدى إلى عجز بعض أرباب الأسر عن توفير دخل ثابت لأسرهم؛ مما أدى أيضا لهبوطهم دون خط الفقر.
وكذلك دخول السعودية مرحلة من الركود الاقتصادي وتراجع حجم الأموال الموجهة للزكاة، ومن ثم دخول كافة الهيئات الإغاثية والجمعيات الخيرية في أزمة مزدوجة تتمثل في تراجع حجم الموارد والتبرعات من ناحية، وارتفاع حجم الأسر المحتاجة للمساعدات من ناحية أخرى.
يضاف إلى ذلك التوزيع غير المتكافئ لمشروعات التنمية بين مختلف مناطق المملكة بحيث أوجد فجوة تنموية بين المناطق المختلفة، إضافة إلى عدم توافر المقومات الاقتصادية في بعض المناطق؛ وهو ما تحاول الحكومة تجاوزه من خلال الاهتمام ببعض المناطق مثل جازان ونجران في الجنوب ومثل الجوف والحدود الشمالية في شمال المملكة.
أيضا من أسباب الفقر ظهور أزمة سكن نتيجة ارتفاع تكلفة المساكن؛ مما أدى لظهور مناطق عشوائية حول مختلف المدن الكبرى، وهي مناطق تمركز الفقر والجريمة بأنواعها المختلفة، وكذلك المناطق التي تسكنها بعض فئات العمالة الأجنبية، وهي مناطق عشوائية محرومة من الكثير من الخدمات والمرافق وتشكل معاقل للفقر والجريمة.
بالإضافة إلى ما سبق، فقد تراجعت الدولة عن القيام بالمشاريع التنموية التي كانت تلعب دورا هاما في تشغيل العمالة وتحقيق الفائض الاقتصادي وتقلص الاستثمارات الموجهة للتنمية الاجتماعية. في الوقت نفسه فإن القطاع الخاص والاستثمارات الأجنبية يقيمان مشاريع عالية التقنية وكثيفة رأس المال؛ وهو ما يقلل من فرص العمل التي تولدها هذه المشروعات.
نموذج للمكافحة
وعلى غرار الأسلوب الجديد لمكافحة الفقر في العالم فقد تأسست الرؤية السعودية على تأهيل الفقراء ليصبحوا أناسا يساهمون في تنمية المجتمع، بدلا من أن يكونوا مجرد مستهلكين لأموال ومساعدات اجتماعية، وبالتالي فإن مكافحة الفقر تصب في التنمية البشرية بمفهومها الشامل.
وكنموذج لتطبيق هذه الرؤية، جاء تأسيس "الصندوق الخيري لمكافحة الفقر" بأمر حكومي في عام 2003، ليكون إحدى الآليات الفاعلة للإستراتيجية الوطنية لمكافحة هذه الظاهرة ومعالجة آثارها في السعودية.
ويتمتع الصندوق بالاستقلال الإداري والمالي ويمثله رئيس مجلس الإدارة "وزير العمل والشئون الاجتماعية" أو من يفوضه، ومركز الصندوق الرئيسي في العاصمة الرياض.
ويتم تمويل الصندوق من عدة مصادر، أبرزها: ما تخصصه الدولة من مبالغ أو إعانات مالية وعينية، وكذلك من الأوقاف والتبرعات العينية والمادية، والصدقات والزكوات التي تدفع مباشرة من الأفراد والمؤسسات والشركات، بالإضافة إلى العوائد المالية التي يحصل عليها الصندوق من استثمار أصوله وممتلكاته. أهداف وآليات الصندوق
يهدف الصندوق إلى إصلاح الأحوال الاجتماعية للفقراء من خلال دعم المشاريع التنموية، كما يدعم أيضا البرامج الهادفة لتنمية قدرات ومهارات الفقراء، وذلك عبر آليات العمل التالية:
1- تقديم القروض الحسنة لإقامة مشروعات استثمارية صغيرة لفئة الفقراء أو تطوير القائم منها لمساعدتهم على القيام بأعمال تتناسب مع قدراتهم وإمكانياتهم.
2- توفير الخدمات الاستشارية، ودراسة الجدوى الاقتصادية الأولية للمشروعات الصغيرة الموجهة للشرائح الفقيرة، ومساعدتهم على تحديد المناسب منها لقدرات كل فرد منهم.
3- تدريب الأفراد المستهدفين على إدارة المشروعات الصغيرة التي يستطيعون القيام بها وتشغيلها إذا تأكدت للصندوق جدواها الاقتصادية الأولية ومناسبتها لطبيعة قدراتهم.
4- يقوم الصندوق بدعم الفقير ومساعدته لدى الجهات التي يمكن أن تقدم له ما قد يحتاجه من خدمات، وذلك من خلال التعريف به وتزكيته، أو كفالته لدى أي من تلك الجهات.
5- إرشاد الأفراد المستهدفين، وذلك من خلال قاعدة معلومات، للإفادة من فرص العمل المتوفرة لدى مؤسسات المجتمع المختلفة ومؤسسات القطاع الخاص على وجه الخصوص.
6- العمل لتهيئة المناخ الملائم لقيام المشروعات الصغيرة المعنية بالفقراء وتنميتها وتشجيعها، بما في ذلك حمايتها من المنافسة الخارجية والاحتكار.
7- إعداد الدراسات والأبحاث والبرامج الاجتماعية والاقتصادية المتعلقة بنشاط الصندوق، وهذا من شأنه أن يوفر فهما أشمل لمشكلة الفقر، وآثارها، وسبل علاجها.
عوائق.. عوائق
غير أن الصندوق تواجهه عقبات ربما تمنع تنفيذ برامجه حتى الآن، منها عدم وجود بيانات دقيقة حول الفقراء في السعودية، فإحدى الدراسات الجامعية قالت إن من يعيشون بالسعودية تحت خط الفقر قد يصلون إلى 60%، وهي نسبة كبيرة للغاية رفضها معظم الخبراء السعوديين وقالوا إن النسبة ربما تصل إلى 20% فقط.
وهذا التضارب في النسب يحتاج إلى تحديد موضوعي من قبل الجهات الحكومية للاتفاق على تحديد ما هو حد الفقر في السعودية، وهل سيكون مماثلا لحد الفقر المتعارف عليه دوليا، أم سيكون ملائما للبيئة الاقتصادية والاجتماعية السعودية.
يضاف إلى ذلك أنه لا توجد قاعدة معلوماتية حول الفقراء بالمملكة وتوزيعهم الجغرافي وفئاتهم الاجتماعية والاحتياجات التنموية للمناطق التي يعيشون فيها، ولا شك أن غياب هذه المعلومات يمثل عائقا كبيرا أمام تفعيل برامج الصندوق وكذلك أمام برامج مكافحة الفقر في البلاد بوجه عام.
وللتغلب على هذا العائق تعد حاليا وزارة الشئون الاجتماعية قاعدة معلومات متكاملة يتم من خلالها إعداد البيانات التي تساعد في الوصول للمطلوب في مكافحة الفقر، كما أن الصندوق الخيري نفسه يقوم بدراسات مسحية ومعلوماتية قبل تنفيذ برامجه.
العائق الآخر هو أن البعض يخلط بين إستراتيجية مكافحة الفقر وصندوق معالجة الفقر، وربما يرجع ذلك إلى كون وزير الشئون الاجتماعية هو المسئول عن إعداد إستراتيجية مكافحة الفقر، وهو في الوقت نفسه رئيس مجلس إدارة الصندوق.
وقد أوضح الدكتور عبد الإله المؤيد الأمين العام للإستراتيجية الوطنية لمعالجة الفقر في أكثر من تصريح له أن الإستراتيجية بالفعل غير الصندوق؛ فالأخير مهمته خيرية من خلال أساليب مبتكرة، حيث سيقوم الصندوق بالإقراض الحسن للفقراء أو بتزويد الجهات المقرضة بالضمانات اللازمة، فضلا عن إنشاء بعض المشروعات التجارية للأسر الفقيرة.
أما الإستراتيجية فلديها برامج تنموية متكاملة للحكومة من جهة (مشروعات صحية كالمستشفيات...)، وللجمعيات الخيرية من جهة ثانية، وللموسرين ولرجال الأعمال المقتدرين من جهة ثالثة، وهكذا.
كما أن العائق الأكبر من وجهة نظر البعض هو أنه رغم اعتراف الحكومة السعودية بظاهرة الفقر، فإن فقراء المجتمع لم يعترفوا بأنهم فقراء، وبالتالي قد لا يستفيدون من خدمات الصندوق، هروبا من هذه الصفة التي لا تمثل في واقع الأمر عيبا لأصحابها، وإن اعتبره البعض أمرا معيبا من باب الوجاهة الاجتماعية.
يضاف إلى ذلك أن العمل الخيري السعودي على الرغم من الخبرات المتراكمة في مناطق مختلفة من العالم، فإن خبراته تركزت في مجرد تقديم المساعدات الاجتماعية النقدية والعينية، وليس تحويل الفقراء إلى عناصر منتجة تستطيع كفالة أسرهم وتوفير مصادر دخل ثابتة لهم من خلال المشاريع المتنوعة؛ وهو ما يطرح ضرورة تدريب كوادر وطنية تستطيع التوافق مع أهدف الصندوق.
ورغم هذه العوائق فإن قيام صندوق لمكافحة الفقر يعد خطوة هامة على طريق العلاج ضمن إستراتيجية وطنية، ولكن تقييم برامج الصندوق وكذلك البرامج السعودية الأخرى يحتاج إلى بعض الوقت حتى يمكننا قياس النتائج على أرض الواقع.
الموضوع هنا
http://www.islamonline.net/arabic/ec...rticle06.shtml