عرض مشاركة واحدة
  #1 (permalink)  
قديم 06-10-2007, 08:07 AM
الصورة الرمزية metoo23
metoo23 metoo23 غير متصل
عضو ماسي
 
تاريخ التسجيل: Aug 2007
المشاركات: 1,402
معدل تقييم المستوى: 38
metoo23 يستحق التميز
عمي نجيب : قبل ان ارحل

نجيب الزامل
عمي نجيب: قبل أن أرحل!
نجيب الزامل

.. يناديني «ناجي محمد» من الرياض برسالته النورانية بـ»عمي نجيب»، أجمل ما ألحق بي من ألقاب، لأنه لقبٌ من إنسان خاص.. خاص جدا.
رسالة رغم أنها أشغلتني بالبكاء المسموع، أعتبرها تتويجا لكل ما كتبت حتى الآن، وأعتبر ثناء من كتبها عليّ أرفع وسام أضعه على هامتي، لو مشيتُ من عالم الكتابة في أي لحظة، فسأحملها كدليل على أني حققت شيئا مما يريد أن يحققه أي كاتب وهو الوصول لقلوب الناس وعقولهم.. آن لي اليوم أن أفتخر وأستعرض جائزتي أمام العالمين، جائزة لا أقبل مقايضتها بأي كنز على الأرض.. رسالة من صغيرٍ لمّا يبلغ الثامنة عشرة من عمره، حي الفؤاد، يقظ العقل، جذاب العبارة.. عصرته تجارب الدنيا في عُمرٍ باكر، وضربته في صميم وجوده، إلاّ أنه بقي راضيا مؤمنا وبقلب يخفق بالحب. رسالة وصلت إلى آخر خلايا قلبي واستقرت به لتضيئه وتغذيه بالخير والمحبة.
ناجي محمد برسالةٍ يبث فيها حبا لا يضاهى، يقول: «اخترتُ أن أكتب رسالة للناس أخبرهم أني كنت يوما ما موجودا معهم، وأني مررت بتجارب ساحقة، وأريدهم أن يتعظوا، وأريد منك أن تقف كي لا يتكرر ما حدث معي مع آخرين.»
ناجي محمد لا يستطيع النطق، ومشلول جزئيا، و.. يحتضر من سرطان الدم. وكتب لي أنا دونا عن الناس، وأبكاني. وسأعمل ما حييت بكل ما أعطاني الله من عزم أن أنفذ أمنية ناجي محمد بألا يتعرض من يعاني مشكلة جسدية وبعقل حي لما تعرض له هو.. هذا الإنسان الذي تفوق على نفسه، وآلامه ومصيره، بإيمانه وبحبه يعطيني مثلا شاهقا للقوة والشجاعة والحكمة والإيمان.. والطاقة المذهلة من الحب للآخرين. محمد ناجي بطلٌ صغير أتمنى معي أن تدعوا له في الايام العشرة الفضيلة وهو على الأرض، أو ان أراد الله له أن يغادرها إلى حيث يقيم الأخيارُ المصطَفـَون..
من فقرات رسالة محمد ناجي:
«الأستاذ الفاضل، وأحب أن أناديك بعمّي نجيب،
اسمي ناجي محمد من الرياض، عمري ثمانية عشر عاماً ، وأنا معاق، ومصاب بمرض سرطان الدم، واخترت أن أكتب رسالة حياتي، ولكن احترت لمن؟ من يمكن أن أرسل له تلك الرسالة التي أعطيه فيها رحيقَ حياتي التي تذوي في بداياتها.. من غيرك؟!»
ربما، لأول مرة أنشر مدحا لي وثناء، ولكني أنشره فخورا وكأن جاذبية الأرض لم تعد تشدني إليها، فهو يتابع: «لا تدري كم تبعث كلماتك فيّ الحياة من جديد، ولا تدري كيف أنك تكتب بقلمك الذهبي على روحي مباشرةً ، وبلا أي حائل، وكيف تعينني كل يومٍ على مواجهة زمني الرديء بمجرد القراءة لك، ومن بعيد تحيي كل ما يذوي في دنياي من ورود. كل ما فيك رائع بحق .. مقالاتك رائعة ، آراؤك رائعة ، أفكارك رائعة ، وثقافتك رائعة .. وقد كان واحداً من أهم أحلامي التشرّف بلقائك، إلا أن لساني الكليل منعني من تحقيقي حلم أن أراكَ يوماً كي أقول لك : «شكراً يا أستاذي لأنك عظيم» فهل تسمح لي أن أقبّل يدك؟ ولعل ذلك اليوم يكون في حياةٍ غير التي نعيشها الآن يا عمي نجيب..»
يقبل يدي؟! يدي أنا الممزوجة بالخطأ والقصور، بل أنا أقبل رأسك يا ناجي لأنه مثل تاج النور.. ويقول ناجي: «عزمتُ في هذا الشهر ، لما دخلتُ مرحلتي الأخيرة من مرضي العضال ، اللوكيميا، أن أبث كل الشجون لك .. ولا أبقي في قلبي شيئا،ً ولما كانت رسالتي تلك تحوي الكثير، أردت اختصارها، فأعدتُ كتابتها من جديد، فهل تعذرني يا عمّي نجيب؟ كنت أريد إخبارك بالكثير..» .. يا ألله يا ناجي.. يا ألله!
ويخبرني أنه أصر على أن يدرس بمدارس الأصحاء وخرج من الثانوية بتفوق مبهر:99,3%، ولكنه يقول:» واعتقدتُ أنها نسبة جيدة تتيح لي مجالاً واسعاً لأن أختار بنفسي ما أريد دراسته، إلا أنني فوجئتُ بأن الجامعات في بلدي تستثني المعاقين من قائمة المستحقين للانتساب لها بأسباب أو بأخرى .. وكأنما هو فرض علينا أن نعيش أسراً أبدياً في إعاقة أجسادنا .. ثم نموت رهن القيود!»
ويخبرني أنه تفوق في عمله بشركة التحق بها، ثم قرر مسئول بها أن مظهره لا يليق بالشركة فاستغنوا عنه (!). وهو رسام أيضا ثم صار يبيع لوحاته كي يعيش معتمدا على نفسه ويقول: « يا عمي، وكأنني أبيع أبنائي!»
ناجي، وهو يخبرني أنه لا يعلم كم بقيَ له في هذه الحياة، يؤكد اني في حال استلام رسالته وتفاعلي معها سيكون حقق كل ما يريد بعد رضا الله ووالديه.. وفي آخر الرسالة شهقتُ حتى الدوار وهو يقول:» ..أما أنا فارتحالي قريب.. أحبك يا عمّي نجيب.. وكفى!».
ثم يغوص قلبي، وهو يودّع:» عمي، أسألك الدعاء، وتبرئة الذمة.».


منقووول من جريدة اليوم لهذا اليوم


للمبدع دائما نجيب

رد مع اقتباس