«معارك طاش ما طاش»... كتاب جديد يتوقع أن يثير جدلاً ويشهد إقبالاً
بدرية البشر الحياة - 11/09/07//
تغامر الكاتبة السعودية بدرية البشر بتفكيك ذهنية التحريم في المجتمع السعودي، عبر كتابها الجديد «معارك طاش ما طاش» (يصدر قريباً عن المركز الثقافي العربي - بيروت - الدار البيضاء)، إذ تسعى إلى تقصي تاريخ نشوء هذه الذهنية وتبلورها ومن ثم ترسخها، حتى أضحى نقدها أو المساس بها صعباً. ولئن اختارت المؤلفة المسلسل الكوميدي «طاش ما طاش» نموذجاً تشتغل عليه، فلأنه أولى اهتماماً كبيراً بطرح القضايا المسكوت عنها، وكشف من خلالها الوسائل التي تسلكها فئة بعينها لتؤثر عميقاً في بنى المجتمع وشرائحه، ما جعله، أي «طاش ما طاش» موضوعاً مستمراً لاختلاف المجتمع في السعودية وانقسامه، ليتحول بالتالي إلى ظاهرة فنية فريدة، ليس فقط على صعيد الدراما الخليجية، إنما الدراما العربية في شكلها الواسع.
ويتناول الكتاب، للإحاطة بجذور هذه الذهنية، أبرز الحركات الإسلامية التي نشأت في السعودية، بدءاً من حركة الإخوان، مروراً بحركة الدعوة المحتسبة، وانتهاء بحركة الصحوة. وإذا كان فريق العمل نجح بشكل كبير في تلمس الخلل الذي يعتري المجتمع السعودي، وفقاً إلى الكتاب، فإن تلك الذهنية جهدت بدورها في أن تتصدى للمسلسل وتحشد الجهود ضده. تنجح المؤلفة في هذا الكتاب، الذي يعد ربما أهم ما ألفته حتى الآن، وعلى رغم طابع العرض السريع، والركون بشكل كبير إلى النقولات، في وضع القارئ - المشاهد، في قلب قضية على جانب كبير من الأهمية والحساسية أيضاً، قضية مواجهة التشدد (درامياً)، التي هي من الرسوخ في المجتمع السعودي، بحيث يحتاج التصدي لها، جرأة وشجاعة نادرتين، وهذا ما ميز فعلاً صنيع الروائية وكاتبة الرأي بدرية البشرية، في هذا الكتاب. ننشر هنا مقدمة الكتاب.
تقديم ليس مهماً أن تقرأه!
< عندما خطرت لي فكرة هذا الكتاب (أن أرصد ردود الفعل حول مسلسل «طاش ما طاش») كنت أتحرك من منطلق أنني في المقام الأول باحثة اجتماعية، وفي المقام الثاني كاتبة رأي في الصحافة السعودية، ولطالما كنت مشغولة بهموم مجتمعي، ومهتمة برصد ظواهر الواقع الاجتماعي ومحاولة فهمها وتشريحها وعرضها للرأي العام.
كنت أشعر على الدوام بمسؤوليتي الجادة، كمواطنة أولاً وباحثة اجتماعية وكاتبة رأي ثانياً، أن أقدم وجهة نظري في ما يحدث، ومحاولة إثبات أن الواقع طالما احتمل وجهات نظر متعددة فإنه واقع صحي يقدم خيارات عدة لكل قارئ ومتأمل، وأن من يدعي أن الحقيقة لها لون واحد ووجهة واحدة لا شك أنه صاحب فكر مأزوم.
هذا ما شعرت أنه يحدث حين هبّت عواصف من يمتلكون منابر الرأي وسيادة القوة ومطلق الحرية لتعطيل وتجهيل مسلسل فني كان يحاول جاهداً أن يقدم وجهة نظر تخصه بديموقراطية فنية، تمكن من لا يعجبه العمل أن ينتقل بضغطة زر واحدة إلى مئات المحطات التي يعرضها التلفزيون، لكن الشعبية التي حظي بها مسلسل مثل «طاش ما طاش» هي شعبية جاءت من منافذ متعددة، فهو مسلسل كوميدي، والناس باتت تشتاق لما يخفف عنها رسائل الحرب والدم والعنف اليومي، ومن جانب آخر هو مسلسل محلي، والناس ما اعتادت أن تشاهد كل يوم عملاً محلياً يرقى إلى مواصفات الأعمال العربية التي تراها كل يوم، ومن جانب آخر هو مسلسل شعر المواطن السعودي أنه يعكس همومه وأزياءه وأحلامه، وهو في كل الاحوال مسلسل يحبه أناس ولا يحبه آخرون. لكن هذه الشعبية التي حظي بها المسلسل لم تعجب الفكر المتشدد الذي ظل سنوات طويلة يحاصر الرأي العام بأيديولوجية تضيق كل يوم، حتى أصبحت تدخل بين المرء ونفسه، وتقسمه وتشرحه وتحفر رسائلها في ذاكرته بأزميل الحرام والحلال، حتى صار المرء لا يملك من أمره شيئاً، وصار كلما همَّ بعمل بسيط وذاتي وسوست له نفسه بالإثم، ليهرع إلى حراس الأيديولوجيات ليطمئنه أو يجنبه ما يهم بفعله. هذا الفكر المتشدد الذي أفرخ على مدار سنين طويلة مدارسه ومعاقله وأسواره الملأى بمريديه وتابعيه والمستفيدين منه هم اليوم من يمتلك زمام السيطرة على الرأي العام ومقاليد توجيهه ورسم خريطته. هؤلاء يظنون أنهم مسؤولون عن توجيه الناس لما عليهم أن يحبوا وما لا يحبون، وأن يحددوا للناس ما يجب أن تكون عليه ردود أفعالهم. وهم غالباً ما يختصرون الطريق إلى عقول الناس باستخدام وسائل الترهيب والتخويف من النار وتجريم الأفعال ببناء سد بين الناس والحياة، وحصرهم في دائرة يمكن مراقبتهم منها وتشديد المراقبة. حتى أصبح البعض يضيق بتكميم العقل هذا الذي وصل حده إلى منع الناس من مشاهدة مسلسل وتعظيم الجرائم التي يرتكبها وتحذير الناس منه.
ظلت فكرة رصد ردود الفعل الحادة وغير المنطقية ومحاولة البحث عن جذورها، تشغلني كفكرة بحثية، لكنها ما ان اقتربت من واقع التنفيذ حتى تذكرت أشياء عدة ستشغل كثيراً من الناس الذين سيختلفون معي والذين لن يهمهم سوى لماذا كتبت؟ وليس ماذا كتبت؟ وهو سؤال سيبنون عليه الكثير من التحليلات والنتائج والأحكام حتى قبل أن يقرأوا هذا الكتاب. سينشغل بعض الناس بسؤال: أليست الكاتبة ترتبط بأحد أبطال ومنتجي العمل ناصر القصبي بعلاقة زواج؟ نعم هي زوجته، إذاً كيف لزوجة أن تكتب كتاباً عن عمل لزوجها أو لقريب لها، وينبغي علينا أن نتوقع أنها ستلتزم الحياد والموضوعية والأمانة في ما كتبت؟ وقد ينتهي بعضهم باليقين قائلين: إذاً لِمَ نضيع وقتنا ونقرأ ما نتوقعه سلفاً دفاعاً عن زوجها؟
إن كنت لا أدّعي مقدماً أنني أجد أن الالتزام بالحياد والأمانة العلمية والموضوعية بالأمر الهين على الباحثين، حتى ولو كان من يكتبون عنهم ذوي قربى، الا أنني في الحقيقة شعرت بالحرج زمناً طويلاً، ولازمني شعور بأن الناس ستظن أن ما أكتبه سيتعدى أن يكون وجهة نظر ليصبح مجرد دفاع سخرت فيه ملكاتي وخبرتي لأقف في صف قريب لي تربطني به علاقة طويلة، وإن كان هذا ليس من السهل نفيه الا أنه كان أبعد أهدافي. وفي نهاية الأمر توصلت إلى حل ظننته وسطاً بيني وبين المحلفين الذين سيقفون أمام كتابي، وهو أن تكون هذه القراءة في ما يخص مسلسل «طاش ما طاش» هي قراءة في ردود الفعل بحسب ما وثَّقتها الصحافة، وقمت بأخذ عينة من مجموع ما نشرته الصحافة، بلغت 400 مادة صحافية نشرت عن «طاش ما طاش» طوال 14 عاماً. وفي نهاية المطاف سيلمس القارئ أنني حاولت على مدى صفحات هذا الكتاب أن أستعين بما كُتب في الصحافة لأكون واحدة من جمهور اتفق معي أو اختلف، مع المسلسل أو ضده، ليصبح الكتاب في النهاية مجرد رأي ووجهة نظر بعيدة عن الأحكام. لكنني من دون شك لن أتنازل عن التأكيد على أملي الكبير بأن يكون قريباً من قلب القارئ ووعيه وسعة صدره.
منقوول