عرض مشاركة واحدة
  #1 (permalink)  
قديم 12-08-2010, 02:54 AM
الصورة الرمزية كاضم الغيض
كاضم الغيض كاضم الغيض غير متصل
عضو نشيط
 
تاريخ التسجيل: Jul 2010
المشاركات: 148
معدل تقييم المستوى: 1722
كاضم الغيض محترف الإبداعكاضم الغيض محترف الإبداعكاضم الغيض محترف الإبداعكاضم الغيض محترف الإبداعكاضم الغيض محترف الإبداعكاضم الغيض محترف الإبداعكاضم الغيض محترف الإبداعكاضم الغيض محترف الإبداعكاضم الغيض محترف الإبداعكاضم الغيض محترف الإبداعكاضم الغيض محترف الإبداع
Post الأســـــتعداد لي لليـــــــــــــلة القـدر..

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته



في اجـواءلليلة القدر
-----------------------------------------


يقول الله سبحانه وتعالى في كتابه: {إِنَّا أَنزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةِ الْقَدْرِ* وَمَآ أَدْرَاكَ مَا لَيْلَةُ الْقَدْرِ* لَيْلَةُ الْقَدْر خَيْرٌ مِّنْ أَلْفِ شَهْرٍ* تَنَزَّلُ الْمَلائِكَةُ وَالرُّوحُ فِيهَا بِإِذْنِ رَبِّهِم مِّن كُلِّ أَمْرٍ* سَلامٌ هِيَ حَتَّى مَطْلَعِ الْفَجْرِ} (1ـ5).

في أجواء السورة

وفي هذه السورة المكية حديثٌ عن إنزال القرآن في ليلة القدر التي هي من الليالي التي لا يستطيع أحدٌ أن يبلغ الدرجة الحقيقية العميقة في تقدير عظمتها وقداستها، حتى أنَّها تفوق في فضلها ألف شهر، وتنفتح السماء في أجوائها ليتنزّل الملائكة والروح، الموكلون بالمهمات التي يكلفهم الله بها من كل أمرٍ يتصل بالحياة والإنسان، في ما يقدّره الله للناس في أرزاقهم وآجالهم وأحوالهم. وهي ـ بعد ذلك ـ ليلة السلام الذي يغمر الكون من خلال ألطاف الله وفيوضاته على عباده، والتي تستمر إلى مطلع الفجر.

ولكن ما هو موقع هذه الليلة في الزمن؟

إنّ التدقيق في الآيات التي تحدثت عن نزول القرآن يوحي بأنها من ليالي شهر رمضان، وذلك كما في قوله تعالى: {شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِي أُنزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ} [البقرة:185]، وقوله تعالى: {إِنَّآ أَنزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةٍ مُّبَارَكَةٍ إِنَّا كُنَّا مُنذِرِينَ* فِيهَا يُفْرَقُ كُلُّ أَمْرٍ حَكِيمٍ* أَمْراً مِّنْ عِنْدِنَآ إِنَّا كُنَّا مُرْسِلِينَ} [الدخان:3ـ5] فإن الظاهر منها ـ بالمقارنة مع سورة القدر ـ أن المراد بها ليلة القدر.

وما هوالقدر

وما هو المراد بالقدر، فهل هو بمعنى الشرف والرفعة في ما يمثله ذلك من علوّ الدرجة والمنـزلة الرفيعة عند الله، أم أن المراد التقدير، فهي الليلة التي يقدّر الله فيها كل أحداث السنة، من حياةٍ وموتٍ، وبؤسٍ وشقاءٍ، وحربٍ وسلمٍ وغير ذلك، ولعل هذا هو الأقرب بلحاظ قوله تعالى: {فِيهَا يُفْرَقُ كُلُّ أَمْرٍ حَكِيمٍ* أَمْراً مِّنْ عِنْدِنَآ إِنَّا كُنَّا مُرْسِلِينَ} [الدخان:4ـ5] وقوله في آخر السورة: {تَنَزَّلُ الْمَلائِكَةُ وَالرُّوحُ فِيهَا بِإِذْنِ رَبِّهِم مِّن كُلِّ أَمْرٍ}.


ليلة القدر سرّ من أسرار الله

وماأَدْرَاكَ مَا لَيْلَةُ الْقَدْرِ} فليس شأنها مما يمكن للإنسان أن يدركه بنفسه، لأن ذلك سرّ الله في الزمان كما هو سرّه في المكان وفي الأشخاص، فهو الخالق للوجود كله، بكل أنواعه، وهو الذي يمنح هذا بعضاً من الخصوصية التي تجعل منه «شيئاً مذكوراً»، ويمنح ذاك بعضاً من الأسرار التي تجعله شيئاً عظيماً، لأن الذي يخلق الوجود هو القادر على أن يمنحه قيمته. وهكذا جعل الله لهذه الليلة قيمتها الروحية: {لَيْلَةُ الْقَدْرِ خَيْرٌ مِّنْ أَلْفِ شَهْرٍ} وقد لا يكون هذا الرقم تحديداً في الكمّ، فربما كان تقريباً للنوع في الدرجة التي يتضاءل أمامها كل زمنٍ من هذه الأزمنة التي لا تحمل إلا الذرّات الزمنية المجرّدة.



الاستعداد لليلة القدر

ولذلك جاءت التعاليم النبوية المستمدّة من الوحي الإلهي الذي أوحى به إلى نبيّه، أو ألهمه إياه، في ضرورة استعداده فيها للصلاة والابتهال والدعاء والانقطاع إلى الله، والتقرب إليه بالكلمة الخاشعة، والدمعة الخائفة، والخفقة الحائرة، والشهقة المبتهلة، ليحصل على رضاه، فيكون ذلك أساساً للتقدير الإلهي الذي يمثل عناية الله به ورعايته له، وانفتاحه عليه بربوبيته الحانية الرحيمة. وذلك هو السر الذي يرتبط به الإنسان بليلة القدر، في مواقع إنسانيته، ليلتقي ـ فيها ـ بالسرّ الإلهي في رحاب ربوبيته، لينطلق الإنسان إلى ربه مخلصاً، قائماً وقاعداً، وراكعاً وساجداً، وفي ابتهاله وفي خشوعه، لتكون هذه الليلة موعداً إلهيّاً يتميّز عن أيّ موعدٍ آخر. فبإمكان الإنسان أن يلتقي بالله في كل وقت، ولكن لقاءه به في ليلة القدر شيءٌ آخر، فهي {خَيْرٌ مِّنْ أَلْفِ شَهْرٍ}، فالرحمة فيها تتضاعف، والعمل فيها يكبر، والخير فيها يكثر، وعطايا الله تتزايد، وهي ـ بعد ذلك ـ ليلة السلام التي يعيش فيها الإنسان روحية السلام مع نفسه ومع الناس، لأنها تحولت إلى معنى السلام المنفتح بكل معانيه على الله، ليكون برداً وسلاماً على قلب الإنسان وروحه، ليعود طفل الحياة الباحث عن الله.

ليلة القدر سلام للروح

{سَلامٌ هِيَ حَتَّى مَطْلَعِ الْفَجْرِ} فليس فيها أيّ معنًى يوحي بالشرّ والبغض والأذى مما يرهق مشاعر السلام للإنسان. إنه سلام الروح الذي يمتد في روحانية هذه الليلة، في كل دقائقها وساعاتها في رحمة الله ولطفه. {حَتَّى مَطْلَعِ الْفَجْرِ} ليبدأ يومٌ جديدٌ يتحول فيه الإنسان ـ في ما أفاض الله عليه من روحه وريحانه ـ إلى إنسانٍ جديد، هو إنسان الخير والمحبة والسلام، في آفاق الله الرحمن الرحيم الذي هو السلام المؤمن العزيز الجبّار المتكبر.

النظرة الشعبية لليلة القدر

وقد تكون من مشكلة الوعي الشعبي في نظرته إلى هذه الليلة، هو أن الناس يتطلعون إليها في نظراتهم إلى السماء، ليراقبوا ظاهرةً كونيةً لامعةً فيها، أو شبحاً غامضاً يطوف في أرجائها، أو ملكاً سابحاً في الفضاء أو نوراً، أو شيئاً ـ أيّ شيء ـ ما يجعل الإنسان في إيحاءاته الساذجة يعتقد أنه قد طلعت عليه ليلة القدر، ليكون ذلك بمثابة الكرامة الإلهية التي توحي له بالاعتزاز، وتبعثه على الرضى بنتائج ليلته.

ولكن ذلك الوهم الروحي الباحث عن الظاهرة في خارج الذات هو المشكلة الناشئة من التخلف الفكري والروحي، في فهم العبادة وفي وعي الدين، وفي الإحساس بأسرار الذات في عمق المضمون، حيث يتطلع الإنسان إلى خارج ذاته لا إلى داخلها، وإلى شكل العبادة لا إلى مضمونها، وإلى سطح الدين لا إلى عمقه، ومن خلال ذلك تجمّد الدين وتحوّل إلى طقوسٍ وعاداتٍ وتقاليد، وابتعد الإنسان عن وعي حقيقته الإنسانية التي هي قبضةٌ من طين الأرض، ونفخةٌ من روح الله، ليبقى متعبداً لذاته، في ما هو الجسد الخالي من معنى الروح، الغارق في ضباب الشهوة، الذي هو مادّة تتحرك لتتحول إلى ترابٍ ورمادٍ، وليس روحاً تتجسد لتحلّق في رحاب الله، حيث هو معنى الإنسان في ليلة القدر.

التعديل الأخير تم بواسطة كاضم الغيض ; 12-08-2010 الساعة 02:58 AM