التواضع الحقيقي لا يكتمل إلا في الشخصية المتواضعة والشخصية المتواضعة هي التي تمارس كل فنون التواضع؛ ولذلك فالتواضع فن، تمارسه الشخصية المتواضعة، عن طريق وجهها، وفي مصافحتها، وفي سلامها، وفي جلستها، وفي ابتسامتها، وفي مقابلتها، وفي ركوبها، وفي خدماتها، وفي ملابسها؛ ولذلك فهي مع كل الأعمار هي متواضعة، ومع كل الأحوال هي متواضعة، وهذا ما سألقي عليه الضوء بالتفصيل.
1- تواضع الوجه:
يقول الصحابة عن تواضع وجه النبي صلى الله عليه وسلم: "لا يصرف وجهه عنك حتى تصرف أنت وجهك عن النبي صلى الله عليه وسلم".
2- تواضع المصافحة:
كان رسول الله صلى الله عليه وسلم لا ينزع يده؛ حتى ينزعها الذي يسلم عليه.
3- تواضع السلام:
كان صلى الله عليه وسلم إذا سلّم سلّم بكليته (أي بجسمه كله).
4- تواضع المجلس:
كان صلى الله عليه وسلم يجلس حيث ينتهي به المجلس.
5- تواضع الابتسامة:
كان هاشًا (لا تلقاه إلا مبتسمًا) فالمصافحة بالوجه قبل أن تكون باليد، بالوجه المبتسم والعين الصافية التي لا تحمل إلا الود.
6- تواضع المقابلة:
جاء رجل ترتعد فرائصه إلى رسول الله- صلى الله عليه وسلم-, وهو يظن أنه مقبلٌ على ملك أو رئيس, فقال له النبي صلى الله عليه وسلم: "هون عليك إني لست بملك, إنما أنا ابن امرأة, كانت تأكل القديد بمكة" رواه ابن ماجه.
7- تواضع الركوب:
كان صلى الله عليه وسلم يركب ال**** مع قدرته على ركوب الخيل تواضعًا لله تعالى، فليس التواضع لله هو إهانة للإنسان أبدًا، فالإنسان لا يستمد عزته من نوع السيارة بل بما في داخل مَن يقودها، وهذه النظرة القاصرة المريضة هي نظرة المنافقين حينما تأذى زعيم المنافقين من **** النبي صلى الله عليه وسلم, وكادت أن تحدث فتنة بينه وبين أحد المسلمين.
ويوم خيبر حينما عاد صلى الله عليه وسلم منتصرًا على يهود, راكبًا فرسه، وسط حشود المنتصرين، واحتفالهم، كان يقول صلى الله عليه وسلم: "أين البغلة؟" كمن يقول اليوم: أين الباص ؟.
8- تواضع المشاركات:
في أي مشروعٍ من مشروعات الخدمة العامة أو الأعمال التطوعية، كان صلى الله عليه وسلم يختار أشق أنواع المشاركات، ففي حفر الخندق كان ينزل حفرة عمقها ثلاثة أمتار, لحمل التراب، يقول الصحابة: "لقد رأينا جسد النبي صلى الله عليه وسلم قد غطاه التراب".
فقالوا: يا رسول الله نحن نكفيك ذلك. فقال: "علمت أنكم تكفونني, ولكن أكره أن أتميز عليكم, وإن الله يكره من عبده أن يراه متميزًا بين أصحابه".
وكان صلى الله عليه وسلم يقسم الأعمال مع المسافرين معه، ويختار أصعبها، حينما قال:
"وعليّ جميع الخطب".
9- تواضع الملابس:
ليس معنى التواضع في ملابسنا، أن نرتدي ملابس رثة قذرة أو ممزقة أو مرقعة، فقد جاء رجل يسأل النبي صلى الله عليه وسلم فقال: إني رجل أحب الثوب الحسن، فهل هذا من الكبر في شيء؟ فقال صلى الله عليه وسلم: "إن الله جميل يحب الجمال" رواه مسلم.
فالتواضع ألا نتكبر على أحدٍ بملابس للمباهاة أو المنظرة أو الافتخار أو التعالي؛ ولكن لك أن ترتدي ما يجعلك مقبولاً حسنًا جميلاً متميزًا, كمسلمٍ يتعامل مع الله وليس الناس، فهذا أمر جميل منك يحبه الله، وإلا كانت الكارثة التي يرويها النبي صلى الله عليه وسلم: "بينما رجل يتبختر في برديه, إذ خسف الله به الأرض، فهو يتجلجل فيها إلى يوم القيامة" رواه مسلم.
10- تواضع الأعمار:
تـأمل المربي صلى الله عليه وسلم في فتح خيبر, مع فتاة صغيرة أركبها خلفه، عندما أناخ الناقة, وقال لها: "هاتي يدك"، فأنزلها، ولما انتهت الغزوة ووزع الغنائم, ناداها النبي صلى الله عليه وسلم, لتأخذ قلادة, ففوجئت بأن النبي صلي الله عليه وسلم, يقول لها : "لا أنا ألبسك إياها". تقول الفتاة الصغيرة عن عقدها: "والله لا يغادر رقبتي أبدًا, ولقد أوصيتُ أن يُدفن معي في قبري" (رواه أحمد).
11- تواضع القمم:
هذا رجل من المؤلفة قلوبهم يأتي أبا بكر يقول: يا خليفة رسول الله أؤمر لي بعطاء، فيأمر له بقطعة أرض، ويقول له: اذهب فأشهد عليها عمر بن الخطاب فيذهب إلى عمر، فقال عمر: "والله لا أشهد عليها, كنتم تأخذونها والإسلام ضعيف, أما الآن فالإسلام قوي", ويمسك الورقة ويمزقها, فيذهب الرجل إلى أبي بكر، ويقول له: والله لا أدري أيكما الخليفة أأنت أم هو؟ فقال أبو بكر: هو إن شاء.
أما عمر فيقول: يا ليتني كنت شعرة في صدر أبي بكر.
وجاء وفدٌ من العراق فيهم الأحنف بن قيس لمقابلة عمر بن الخطاب، وكان عمر في زريبة الإبل ينظف بنفسه إبل الصدقة، فلما رآهم، قال عمر للأحنف: يا أحنف تعالى، أعِن أمير المؤمنين, على إبل الصدقة.
فقال رجل من وفد العراق: رحمك الله يا أمير المؤمنين , هلا أمرت عبدًا من عبيدك أن ينظف هذه الإبل؟ فقال عمر: وأي عبدٍ هو أعبد مني ومن الأحنف بن قيس؟ ألم تعـلم أنه من ولـى أمرًا من أمور المسلمين, كان لهم بمنزلة العبد من السيد.
12- تواضع السماع:
كان صلى الله عليه وسلم يقول: "لا تطروني كما أطرت النصارى عيسى بن مريم, فإنما أنا عبد، فقولوا عبد الله ورسوله" (رواه البخاري).
13- تواضع القوي:
"كان صلى الله عليه وسلم يأتي الضعفاء من المسلمين ويزورهم ويعود مرضاهم ويشهد جنائزهم" (رواه أبو يعلى)، "وكان يـتخلف في المسـير فـيزحي الضعـيف ويـردف ويدعو له" (رواه أبو داود)، "وكان يجلس على الأرض ويأكل على الأرض ويعقل الشاة، ويجيب دعوة المملوك على خبز الشعير" (رواه الطبراني)، "وكان يزور الأنصار, ويُسلِّم على صبيانهم, ويمسح رؤوسهم" (رواه النسائي).