أقوال أهل المذاهب:
أولا: مذهب أبي حنيفة رحمه الله:
ومذهبه في ذلك أشد المذاهب، وقوله فيه أغلظ الأقوال. وقد صرح أصحابه بتحريم سماع الملاهي كلها حتى الضرب بالقضيب، وصرحوا بأنه معصية يوجب الفسق وترد به الشهادة، وأبلغ من ذلك أنهم قالوا: إن السماع فسق، والتلذذ به كفر.
وقالوا: "يجب عليه أن يجتهد في ألا يسمعه إذا مر به أو كان في جواره".
وسئل القاضي أبو يوسف صاحب أبي حنيفة عن دار يسمع منها صوت المعازف فقال: "أدخل عليهم بغير إذنهم؛ لأن النهي عن المنكر فرض".
وقالوا: "ويخبر عنه الإمام إذا سمع ذلك من داره، فإن أصر حبسه أو ضربه سياطًا وإن شاء أزعجه عن داره".
ثانيا: مذهب مالك رحمه الله:
وقد ورد عنه النهى عن الغناء وعن استماعه، وقال: "من اشترى جارية فوجدها مغنية كان له أن يردها بالعيب". وسئل – رحمه الله – عما يرخص فيه أهل المدينة من الغناء؟ فقال: " إنما يفعله عندنا الفساق".
ثالثا: مذهب الشافعي رحمه الله:
فقد تواتر عنه أنه قال: "خلفت ببغداد شيئًا أحدثته الزنا دقة يسمونه التغبير يصدون به الناس عن القرآن".
والتغبير: شعر يزهد في الدنيا، يغنى به مغنٍ، فيضرب أحد الحاضرين بقضيب على نطع (قطعة جلدٍ) أو مخدة على توقيع الغناء. يعني يلحن شعر الزهد والحكمة.
قال ابن القيم رحمه الله: "فليت شعري!! ما يقول في سماعٍ التغبيرُ عنده كتفلة في بحر قد اشتمل على كل مفسدة وجمع كل محرم؟!.. يعني غناء أهل زمانه فماذا لو سمع غناء أهل زماننا واطلع على الفيديو كليب وما فيه!!!
قال أبو إسحاق الشيرازي الشافعي: "ولا تصح الإجازة على منفعة محرمة كالغناء، والزمر وحمل الخمر، ولم يذكر فيه خلافًا".
وقال الشافعي: "وصاحب الجارية إذا جمع الناس لسماعها فهو سفيه ترد شهادته، وأغلظ القول فيه".
رابعا: مذهب أحمد :
أما الإمام أحمد إمام أهل السنة فقد قال ابنه عبد الله: "سألت أبي عن الغناء فقال: الغناء ينبت النفاق في القلب لا يعجبني. ثم ذكر قول الإمام مالك: إنما يفعله عندنا الفساق".
وقد نصَّ على كسر آلات اللهو كالطنبور وغيره إذا رآها مكشوفة وأمكنه كسرها. وعنه في كسرها إذا كانت مغطاة تحت الثياب وعلم بها روايتان منصوصتان".
ونص في أيتام ورثوا جارية مغنية وأرادوا بيعها فقال: "لا تباع إلا على أنها ساذجة، فقالوا: إذا بيعت مغنية ساوت 20 ألفًا ونحوها، وإذا بيعت ساذجة لا تساوي ألفين فقال: لا تباع إلا على أنها ساذجة". .. فلو كانت منفعة الغناء مباحة لما فوَّت هذا المال على الأيتام.
قال ابن القيم: "وأما سماعه من المرأة الأجنبية أو الأمرد فمن أعظم المحرمات وأشدها فسادًا في الدين".
وقال عن الغناء: "إنه رقية الزنا، ومنبت النفاق، وشَرَك الشيطان، وخمرة العقول، وصده عن القرآن أعظم من صد غيره من الكلام الباطل لشدة ميل النفوس إليه ورغبتها فيه". وقال: "هو دياثة، فمن فعل ذلك فهو ديوث". وقال أيضًا: "وأما العود والطنبور وسائر الملاهي فحرام ومستمعه فاسق".
وأذكرك بقول عمر بن عبد العزيز خامس الخلفاء الراشدين لمؤدب ولده: "ليكن أول ما يعتقدون من أدبك بغض الملاهي التي مبدؤها من الشيطان وعاقبتها سخط الرحمن، فإنه بلغني عن الثقات من أهل العلم أن صوت المعازف واستماع الأغاني واللهج بها ينبت النفاق كما ينبت العشب على الماء".
وختاما أذكرك بقوله تعالى: (وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ وَلا مُؤْمِنَةٍ إِذَا قَضَى اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَمْراً أَنْ يَكُونَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ وَمَنْ يَعْصِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ ضَلَّ ضَلالاً مُبِيناً) (الأحزاب:36)
وبقوله سبحانه: (فَلا وَرَبِّكَ لا يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لا يَجِدُوا فِي أَنْفُسِهِمْ حَرَجاً مِمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُوا تَسْلِيماً) (النساء:65)
وقوله صلى الله عليه وسلم: "كل أمتي يدخلون الجنة إلا من أبى. قالوا: يارسول الله، ومن يأبى؟ قال: من أطاعني دخل الجنة، ومن عصاني فقد أبى".(رواه البخاري).
اللهم أرنا الحق حقا وارزقنا اتباعه، وأرنا الباطل باطلا وارزقنا اجتنابه.. وصلي اللهم على نبيك ورسولك محمد وسلم تسليما كثيرا.