أبسط قواعد السوق هي أن تستغل الموسم الذي تعيش فيه، فإذا بدأ العام الدراسي انتعش سوق الشنط المدرسية والكراسات، وإذا جاء الشتاء انتعش سوق الملابس الصوفية وهكذا، واليوم أصبحت البطالة موسما دائما لا بد من استغلاله اقتصاديا، وأضحى العاطلون المساكين زبائن لكل من يوهمهم أنه يملك فرص العمل، ومن هذا المنطلق نشأت تجارة جديدة يمكن أن نسميها تجارة (النصب على العاطلين)!.
ولأن أية تجارة عندنا تبدأ ببسطة صغيرة ثم تتطور حتى تصل إلى مرحلة المولات الحديثة، فقد شهدت تجارة النصب على العاطلين تطورا سريعا في السنوات الأخيرة، حيث بدأت بنصابين مبتدئين يعرضون على المعلمات توظيفهن مقابل مبالغ مالية كبيرة ثم يختفون عن الأنظار، ولكن عمليات النصب والاحتيال وبيع الأوهام تطورت اليوم لتصبح هناك شركات متخصصة في تسويق القشة البائسة التي يتشبث بها غريق البطالة.
ومن الأمثلة على ذلك إعلان إحدى الشركات الكبرى عن دورات تأهيلية لمدة 45 يوما تنتهي بالتوظيف مقابل رسم 200 ريال، أما الوظائف المعقدة التي تحتاج إلى التأهيل والمذاكرة فهي: (سائق، موظف علاقات عامة، حارس أمن... إلخ)!، وقد وجهت العاطلين إلى التسجيل في هذه الدورات من خلال فروعها في مختلف مناطق المملكة، ولن تكون مفاجأة كبيرة لو كانت هذه الشركة أخذت مقابل كل (رأس) مبلغا محترما من صندوق الموارد البشرية، والطريف أن هذه الشركة أكدت أنها ستعلن عن أسماء الناجحين في هذه الدورات الذين سيحصلون على وظائفها المنتظرة على صفحتها في موقع الفيس بوك!، ولا أظن أنكم بحاجة للتفكير بأنه إذا كان البحث عن النتائج في موقع الفيس بوك فإن البحث عن الحقوق سيكون في موقع تويتر!.
وقد وصلت مهازل النصب على العاطلين إلى درجة أن فتاة جامعية (زي العسل) لم تتخط الثالثة والعشرين من عمرها ابتكرت طريقة عبقرية لبيع الأوهام على العاطلين، حيث افتتحت مؤسسة لتأهيل وتوظيف العاطلين مقابل رسوم تصل إلى ألفي ريال، أي أنها إذا جمعت ألف عاطل فإنها سوف تحصل على مليوني ريال!، والمثير أنها تطلب من كل مشترك في دوراتها أن يجلب أربعة مشتركين آخرين من أصدقائه، وأن يساهم في الإعلان عن مشروعها عبر الإنترنت كي ترتفع نقاطه وتزداد فرصه في الحصول على وظيفة جيدة، وقد استأجرت قاعة كبرى لإلقاء المحاضرات على هؤلاء المساكين (رغم أنها لم تتخرج من الجامعة بعد، ولكنه شيء لزوم الشيء أعلاه) هي تؤكد في كل محاضرة أنها ستمحو الفقر والبطالة من جدة بنهاية عام 2011، ثم ستمحو الفقر والبطالة من المملكة بحلول عام 2015!، علما أن المشروع الطموح للآنسة (أستيكة) لا يتوقف عند المملكة؛ لأنها تعمل بجدية لمحو الفقر والبطالة من العالم أجمع.. وأظنها محقة في ذلك لأنه بوجودها ووجود أمثالها سيتم محو العاطلين من الوجود بكل وحشية!.
الكاتب : خلف الحربي
المصدر : عكاظ
http://www.okaz.com.sa/new/Issues/20...1227391036.htm