طيار يسوق ليموزين!
خلف الحربي
تقول النكتة إن إحدى الشركات أعلنت عن حاجتها لموظف يجيد سبع لغات ولديه خبرة عشر سنوات، فتقدم لها أحد الأشخاص فسألوه: هل تجيد سبع لغات؟، فقال: لا، ثم سألوه: هل لديك خبرة عشر سنوات، فقال: لا، فسألوه: ولماذا جئت إلينا إذن؟، فقال: (عشان ما تحسبون حسابي)!.
واليوم أعتقد أننا بأمس الحاجة لتخفيف الدراسات المتعلقة بالبطالة توفيرا للوقت والأموال بعد أن اتضح أن جهات العمل في القطاعين الحكومي والخاص (لا تحسب حسابا) لأحد مهما كانت شهادته، فالذي يقول إن خريجي مسار اللغة العربية ليس لهم مكان في سوق العمل لا يعرف أن خريجي الكيمياء الحيوية والأحياء الدقيقة والهندسة وغير ذلك من التخصصات العلمية التي يحتاجها الوطن بشدة يجلسون لسنوات وسنوات وهم يلعبون (البلوت) مع خريج اللغة العربية فيتخاصمون معه باللغة العربية الفصحى فيرد عليهم بالمصطلحات العلمية الدقيقة وفي نهاية اللعبة تذهب رحلة العمر في (تكويشة)!.
قبل فترة تلقيت رسالة من قارئ يحمل شهادة في الطيران ولكنه لم يجد عملا سوى سائق ليموزين!.. أقنعت نفسي بأن هذه المهنة الجديدة قد تكون تدريبا عمليا له فالمسألة كلها مواصلات!، كما أن سائقي الليموزين الآسيويين قد حولوا سياراتهم الصغيرة إلى طائرات نفاثة، لذلك ليس على صاحبنا سوى أن يركب مايكرفونا داخل سيارته ليطلب من الركاب ربط الأحزمة قبل الإقلاع، وأذكر أنني قبل عام تحدثت في هذا العمود عن شاب درس هندسة الطيران على نفقته في أستراليا وحين عاد إلى أرض الوطن لم يجد وظيفة سوى حارس أمن في أحد المجمعات التجارية، لذلك فكرت بأنهما من الممكن أن يتعاونا في تأسيس شركة طيران رأس مالها سيارة كورية الصنع يكتبان على جوانبها (خطوط الضياع).
ثمة قارئ آخر خريج (علوم سياسية) حاول أن يكون سياسيا طوال عامين من البطالة ولكن فرصه في العثور على عمل كانت أضعف من فرص العثور على حل مشكلة الشرق الأوسط، وهناك خريج (علاج طبيعي) أصبح بأمس الحاجة لجلسات تدليك لكثرة ما تحركت أقدامه ذات اليمن وذات الشمال بحثا عن عمل، وبالطبع هناك الآلاف من خريجي الصيدلة وفنيي الأشعة وأخصائيات التغذية الذين لم يجدوا دواء لمشكلتهم المستمرة مع البطالة سوى التغول في عوالم الأنترنت.
بصراحة لا أعرف ما هو التخصص الذي يقود إلى الوظيفة ولكنني أذكر أنه قبل عدة أشهر تم طرح فكرة إلغاء الأقسام الأدبية في الثانوية والتركيز على الأقسام العلمية مراعاة لحاجات سوق العمل، وبرغم أن هذه الفكرة كانت بالنسبة لي غريبة جدا لأنه لا توجد أمة لا تحتاج إلى التخصصات الأدبية ولكن يمكن الاستفادة من هذا الاقتراح بتكثيف مادة علم النفس في الأقسام الأدبية وتوجيه الطلبة لدراسة هذا التخصص في الجامعات، لأننا خلال سنوات قليلة سوف نغرق في العقد والأمراض النفسية التي تسببها البطالة، ما يعني ازدهار سوق خريجي علم النفس والرقاة الشرعيين لفك العقد (المكلكعة) التي تسببها البطالة!.
هذه هي الحقيقة التي نتهرب من مرارتها فما دامت حلولنا النظرية لا تؤدي إلى نتائج عملية فأبشروا بالأجيال المعقدة، ولا شك أننا سوف ندفع ثمنا باهظا لهذه العقد التي سوف تكتسح الشباب من الجنسين، وحينها يجب أن نلوم أنفسنا ولا نلومهم فنحن الذين لم (نحسب حسابهم)!.