بائع الخضار الذي قال : لا
لو سئلت عن الشخصية التي أرشحها للفوز بلقب شخصية العام 2011 ، فإنني سأقول وبدون أدنى تردد ورغم أننا ما زلنا في بداية العام ، بأنه الشاب التونسي محمد البو عزيزي .
هذه المرة بطلنا على غير العادة فقير ، لا يمتلك صورا بالحجم الطبيعي تزين الشوارع والطرقات ، وليس لديه ماكينة إعلامية ضخمة تنحصر مهمتها في تلميع صورته ، ولا تقع تحت تصرفه آلة أمنية جبارة مهمتها مطاردة أعدائه أو معارضيه حتى في أحلامهم.
بطلنا هذا العام رجل يشبهنا إلى حد كبير ، سجله يفتقر إلى الإنجازات ، وتاريخه يخلو من البطولات، ومشوار حياته لا يتضمن أسطورة واحدة من الأساطير العظيمة التي ترددها الأجيال وتتحاكى بها الركبان .
إنه محمد البوعزيزي ، بائع الخضرة ( الجامعي ) المتجول الذي يخلو سجله الشرفي من أي إنجاز ، إلا إذا اعتبرنا أن الكد على عربة خضار والسير بها في الشوارع طوال النهار لأكل اللقمة الحلال ، أصبح إنجازا في بلاد العرب ..! وهو في رأيي إنجاز ، بل إنجاز كبير في زمن أصبحت فيه السرقة (( شطارة))، والرشوة ((تفتيح مخ))، والتسول وإهدار ماء الوجه سبيلا من سبل العيش الكريم .
محمد البوعزيزي، أو شهيد الكرامة ، كان عليه أن يختار بين أمرين أحلاهما ( حرق ) : إما أن يرضى بالمهانة والذل ويحرق كرامته ، وإما أن يقوم بإحراق نفسه احتجاجا ، وتنبيها لكل الغافلين عن حقوقهم المسلوبة وحاضرهم البائس ومستقبلهم المسروق .
محمد البوعزيزي يستحق أن يكون رجل العام وربما رجل العقد القادم . البو عزيزي لم يضرم النار في جسده بقدر ما أضرم النار في وحش كبير اسمه الخوف . لقد حررت النيران التي أكلت جسد البوعزيزي الشعب التونسي ، وأثبتت له أن الخوف من القوة يستمد قوته من الضعف ، وأنه متى ما تغلب الناس على خوفهم فإن القوة تتحول إلى سلاح عكسي يرتد إلى خاصرة من يستخدمه لكي يلغي إرادة الناس ويطأ رقابهم .
بعد كل ذلك ، ألا يستحق محمد البوعزيزي ، بائع الخضار ( الجامعي ) المتجول ، أن يكون رجل العام؟