[align=center]
صلاح القلب تبع لصلاح الجوارح
[/align]
صلاحُ الجوارحِ تَبَعٌ لصلاحِ القلب
قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : ( ... ألا وإنَّ في الجَسَدِ مُضْغَةً ؛ إذا صَلَحَتْ , صَلَحَ الجَسَدُ كلُّه ، وإذا فسدَتْ , فسدَ الجسدُ كلُّه ، ألا وهيَ القلبُ ) .
هذا جزء من حديث ( الحلال بيّن , والحرام بيّن ... ) رواه الشيخان البخاري ومسلم من حديث النعمان بن بشير رضي الله عنه .
قال في شرحه : الحافظُ أبو الفَرج ابنُ رجبٍ الحنبليُّ البغداديُّ 736-795 هـ , في كتابه القيِّم ( جامع العلوم والحِكَم في شرح خمسين حديثاً من جوامع الكلم 1/210- 214 ) :
قوله - صلى الله عليه وسلم - : ( ألا وإنَّ في الجَسَدِ مُضْغَةً ؛ إذا صَلَحَتْ , صَلَحَ الجَسَدُ كلُّه ، وإذا فسدَتْ , فسدَ الجسدُ كلُّه ، ألا وهيَ القلبُ ) .
فيه إشارةٌ إلى أن صلاحَ حركات العبد بجوارحه , واجتنابَه المحرمات , واتقاءَه للشبهات , بحسب صلاحِ حركة قلبِه .
[mark=#33FF33]
فإذا كان قلبه سليماً , ليس فيه إلا محبةُ اللهِ , ومحبةُ ما يحبُّه اللهُ , وخشيةُ الوقوع فيما يكرهه , صلحت حركاتُ الجوارح كلُّها , ونشأ عن ذلك اجتنابُ المحرمات كلِّها , وتوقي للشبهات , حذراً من الوقوع في المحرّمات .
وإنْ كان القلبُ فاسداً , قد استولَى عليه اتّباعُ الهوى , وطلب ما يحبُّه , ولو كرهه اللهُ , فسدتْ حركاتُ الجوارح كلها , وانبعثت إلى كلِّ المعاصي والمشتبهات , بحسب اتّباع هوى القلب .
[/mark]
ولهذا يقال : " القلب ملك الأعضاء , وبقية الأعضاء جنوده , وهم مع هذا جنودٌ طائعون له , منبعثون في طاعتِه وتنفيذِ أوامره , لا يخالفونه في شيءٍ من ذلك ؛ فإنْ كان الملكُ صالحاً , كانت هذه الجنودُ صالحةً , وإنْ كان فاسداً , كانت جنودُه بهذه المثابة فاسدةً .
ولا ينفع عند الله إلا القلبُ السليم , كما قال - تعالى - : ( يوم لا ينفع مال ولا بنون إلا مَن أتى اللهَ بقلبٍ سليم ) . الشعراء 88-89 .
وكان النبي - صلى الله عليه وسلم - يقول في دعائه : ( اللهم ! إنّي أسألك قلباًَ سليماً ) .
فالقلب السليم هو السالِم من الآفاتِ والمكروهاتِ كلِّها , وهو القلبُ الذي ليس فيه سوى محبةِ الله وخشيتِه وخشيةِ ما يُباعدُ منه .
وفي مسند الإمام أحمد عن أنسٍ عن النبيِّ - صلى الله عليه وسلم - قال : ( لا يستقيمُ إيمانُ عبدٍ حتى يستقيم قلبُه ) .
والمراد باستقامة إيمانه : استقامةُ أعمال جوارحه ؛ فإنّ أعمالَ جوارحه لا تستقيم إلا باستقامة القلب , ومعنى استقامة القلب أن يكون ممتلئاً من محبةِ الله تعالى ومحبةِ طاعته وكراهةِ معصيته .
وقال الحسنُ - رحمه الله - لرجل : " داوِ قلبَك ؛ فإنّ حاجةَ الله إلى العباد صلاحُ قلوبهم " .
يعني أن مرادَه منهم ومطلوبَه صلاحُ قلوبهم ؛ فلا صلاح للقلوب حتى يستقرَّ فيها معرفةُ الله وعظمتُه ومحبتُه وخشيتُه ومهابتُه ورجاؤُه والتوكلُ عليه , ويمتلئ من ذلك , وهذا هو حقيقةُ التوحيد , وهو معنى قول لا إله إلا الله .
فلا صلاحَ للقلوب حتى يكون إلَهُهَا الذي تألَهُه وتعرفُه وتحبُّه وتخشاه هو الله , لا شريك له , ولو كان في السموات والأرض إله يُؤَلَّه سوى الله , لفسدت بذلك السموات والأرض , كما قال تعالى : ( لو كان فيهما آلهة إلا الله لفسدتا ) الأنبياء 22 .
فعلم بذلك أنه لا صلاحَ للعالَم العلوي والسفلي معاً , حتى تكون حركاتُ أهلِها كلُّها لله , وحركاتُ الجسد تابعةً لحركةِ القلب وإرادته , فإن كانت حركتُه وإرادتُه لله وحده , فقد صلح , وصلحت حركات الجسد كله , وإن كانت حركةُ القلب وإراداتُه لغير الله , فسد , وفسدت حركاتُ الجسد , بحسب فساد حركة القلب .
وروى الليث عن مجاهد في قوله تعالى : ( ولا تشركوا به شيئاً ) , قال : " لا تحبوا غيري " .
وفي صحيح الحاكم عن عائشة - رضي الله عنها - عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال : الشرك أخفى من دبيب الذر على الصفا في الليلة الظلماء , وأدناه أن تحبَّ على شيءٍ من الجَور , وأن تبغض على شيءٍ من العدل , وهل الدين إلا الحب والبغض ؟ ,[mark=#339900]
قال تعالى : ( قل إن كنتم تحبون الله فاتبعوني يحببكم الله ) . آل عمران 31 .
فهذا يدل على أن محبةَ ما يكرهه الله , وبغضَ ما يحبه , متابعةً للهوى , والموالاةَ على ذلك , والمعاداةَ عليه من الشرك الخفي .
ويدل على ذلك قوله : ( قل إن كنتم تحبون الله فاتبعوني يحببكم الله ) آل عمران 31 .
فجعل اللهُ علامةَ الصدقِ في محبتِه اتّباعَ رسولِه , فدلّ على أن المحبة لا تتم بدون الطاعة والموافقة
[/mark].
قال الحسن - رحمه الله - قال أصحاب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : يا رسولَ الله ! إنا نحب ربنا حباً شديداً , فأحبَّ اللهُ أن يجعل لحبِّه عَلَماً , فأنزل الله هذه الآية : ( قل إن كنتم تحبون الله فاتبعوني يحببكم الله ) آل عمران 31 .
ومن هنا قال الحسن : اعلم أنك لن تحبَّ اللهَ حتى تحبَّ طاعتَه .
وسئل ذو النون المصري : متى أحبُّ ربي ؟ قال : إذا كان ما يبغضُه - تعالى - عندك أمرَّ من الصبر .
وقال بشر بن السَّرِي : ليس من أعلام الحب أن تحبّ ما يبغضه حبيبُك .
قال أبو يعقوب النهرجوري : كل مَن ادّعى محبة الله عزَّ وجلَّ , ولَم يوافق اللهَ في أمره , فدعواه باطل .
وقال رُويم : المحبةُ الموافقةُ في كل الأحوال .
وقال يحيى بن معاذ : ليس بصادقٍ مَن ادّعى محبةَ الله , ولَم يحفظ حدوده .
وعن بعض السلف قال : قرأتُ في بعض الكتب السالفة : مَن أحبَّ اللهَ لَم يكن عنده شيءٌ آثرَ من مرضاتِه , ومن أحبَّ الدنيا , لَم يكن عنده شيءٌ آثرَ من هوى نفسه .
وفي السنن عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال : مَن أعطى لله , ومنعَ لله , وأحبَّ لله , وأبغضَ لله , فقد استكمل الإيمان .
ومعنى هذا : أن كلَّ حركات القلب والجوارح , إذا كانت كلُّها لله , فقد كمل إيمانُ العبدِ بذلك , باطناً وظاهراً , ويلزمُ من صلاح حركات القلب صلاحُ حركات الجوارح , فإذا كان القلبُ صالحاً , ليس فيه إلا إرادةُ الله وإرادةُ ما يريدُه , لَم تنبعث الجوارحُ إلا فيما يريدُه اللهُ , فسارعتْ إلى ما فيه رضاه , وكَفَّتْ عما يكرهُه , وعما يخشى أن يكون مما يكرهُه , وإن لَم يتيقن ذلك .
قال الحسن : ما نظرتُ ببصري , ولا نطقتُ بلساني , ولا بطشتُ بيدي , ولا نهضتُ على قدمي , حتى أنظرَ ؛ أَعَلَى طاعةٍ أو على معصيةٍ ؟ فإن كانت طاعة , تقدّمتُ , وإن كانت معصية , تأخّرتُ .
وقال محمد بن الفضل البلخي : ما خطوتُ منذ أربعين سنة خطوةً لغير الله عزَّ وجلَّ .
وقيل لداود الطائي : لو تنحيتَ من الظلِّ إلى الشمس , فقال : هذه خُطا , لا أدري كيف تكتب ؟
فهؤلاء القومُ ؛ لَمّا صلحت قلوبُهم , فلم يبقَ فيها إرادةٌ لغير الله , صلحتْ جوارحُهم , فلم تتحرك إلا للهِ عزَّ وجلَّ وبما فيه مرضاته . والله أعلم .
انتهى
اخواني واخواتي والله تأثرت في هذا الكلام وحبيت افيدكم فيه