[align=justify]مقدمة ،،
حتى تُفهم معاني الأشياء التي قد تكون عند أغلب الناس بديهيات بحيث أنهم ينطقون بها دون الرجوع ولا المعرفة بمكنونها ولا مصدرها وما هي حقيقتها ، هنا يجب عليك في هذه اللحظة التي ينير عقلك أول شذرات المعرفة الحقة البحث والتحقيق حتى يتسنى لك أن تكون على دراية بكل ما تفعل وتؤمن به. هذه مقالة من أروع المقالات التي قرئتها حتى الأن عن الخير والشر أرجو التدقيق وعدم تفويت أي فكرة يطرحها الكاتب في المقالة بجميع ما ذكر فيها إبداع مُتناسق بالمنطق العقلي والفكري الذي لن يستحمله من كان عقله محلاً للرذيلة والشر.
بقلم الكاتب : صاحب الربيعي
مفهوم الخير والشر في الفلسفة ،،
إن الطبيعة الإنسانية فطرية وجاهلة بماهية الخير والشر في الحياة، لكنها تكتسبها من المحيط. فكلما كان المحيط يتسم بقيم الخير، اكتسبت الكينونة قيمه. وكلما سادت قيم الشر في المحيط، تأصلت قيمه في الذات. وبالرغم من ذلك فإن الخيار النهائي، يعود إلى الكينونة ذاتها ومدى ميلها نحو الخير أو الشر. فإن كانت طبيعتها المكتسبة اعتادت على النهل من منبع قيم الخير أصبحت خيرة، وإن نهلت من منبع قيم الشر اعتادت على سلوك الشر في مسيرة حياتها، يعتقد - أفلاطون - أن الخير طبع لمن اعتاده، والشر مباح لمن أراده". تعود سمة الاكتساب من المحيط لقيم الخير أو الشر إلى مدى الارتقاء، بالمنظومة العقلية للكينونة. فإن كانت مدياتها المعرفية والعلمية واسعة، تمكنت من التمييز بين فعل الخير وصوره عن فعل الشر وضرره على الذات والمجتمع. وبالضد من ذلك فإنها تفتقد إلى حالة التمييز وتنهل من قيم الشر توجهاتها، وبغض النظر عن صور الشر وما يمكن أن تلحقه من ضرر على المجتمع. المهم أنها تحقق المصلحة للذات الشريرة، على حساب بقية أفراد المجتمع.
تعبر الذات الخيرة عن نفسها من خلال سلوكها اليومي مع الذوات الأخرى في المجتمع، وتتعاطى سلوكياً عبر صور الخير وما يتمخض عنها من أفعال خيرة تعكس أوجه الفرح والسعادة في مجمل تعاملها مع الآخرين. في حين أن الذات الشريرة، قد لاتعبر عما يكمن في ذاتها بشكل مباشر مع أفراد المجتمع تحاشياً لردود الفعل السلبية وما يمتخض عنها من أفعال شريرة، لكنها لن تتوان عن فعل الشر حال توفر الظروف اللازمة لها لتعكس أوجه الألم والفزع على الآخرين. يرى – أفلاطون -" إذا تحركت صورة الشر ولم تظهر ولدت الفزع، وإذا ظهرت ولدت الألم. وإذا تحركت صورة الخير ولم تظهر، ولدت الفرح وإذا ظهرت ولدت اللذة". إن منظومة العقل وما اكتسبت من معارف وعلوم، تُفعل نظام السيطرة والتحكم بالسلوكيات والأفعال اليومية وتمكن الإرادة على أتباع مسالك صحيحة وبالمقابل فإنها تضعف السلوكيات والأفعال الغريزية للذات الساعية لاعتماد مسالك الشر لتحقيق الأغراض الخاصة على حساب المجتمع.
الطبيعة البشرية أنانية، تسعى لتحقيق الذات على حساب الآخرين خاصة عند اختلال نظامها الإرادي. وبنفس الوقت لايمكن الركون إليها للحفاظ على أمن واستقرار المجتمع، بسبب اختلاف مستويات أنظمة التحكم والسيطرة للنظام الإرادي عند البشر. لذا يتعين فرض نظام اجتماعي محكم للسيطرة على أفعال وسلوكيات البشر، بما يحقق الأمن والاستقرار الاجتماعي من خلال فرض القانون على الجميع. فهذا النظام الرادع المستند إلى مبدأ فرض العقوبة المناسبة على الخارجين على حدود المجتمع، يشكل الضمان اللازم لتمسكهم بالعقد الاجتماعي. يرى - دانتي -" أن النفس ساذجة، تجري كالطفل وراء مصالحها الدنيوية التافهة، لذا من الضروري وجود قانون وحاكم لرعاية البشر". تسعى الأنظمة المستبدة، لإضعاف أنظمة التحكم والسيطرة والإرادة لدى الأفراد من أجل السيطرة على أفعالهم وسلوكهم وتجييرهم لتوجهاتها الشريرة. لكنها بذات الوقت تقوي أنظمة التحكم والسيطرة العنفية المتمثلة بأجهزتها القمعية، لتعمل على إفساد المجتمع. وإضعاف قيمه وأعرافه الاجتماعية، بغية السيطرة عليه ولأمد غير محدود. في هذا التوجه من الاستبداد، يتعين على القوى الفعالة من المجتمع القيام بحملة توعية مضادة تدعو للإصلاح والخير لإنقاذ المجتمع من براثن الشر والإفساد. وما تلجأ إليه سلطة الاستبداد ذات النوازع الشريرة، للحط من مكانة وقيم المجتمع. إن أعرف المحاكم في أثينا كانت تقتضي قبل إصدار حكمها النهائي على المذنب، أن يقترح العقوبة المناسبة عما اقترفه من جرم فإن كان اقتراحه منطقي أخذ به. وإن لم يكن أصدرت المحكمة حكمها النهائي. وعندما سئل ((سقراط)) في المحكمة عن نوع العقوبة التي يستحقها ويقترحها على المحكمة أجاب:" أن تقوم الدولة بتأمين سُبل العيش لي مدى الحياة، مقابل قيامي بتوجيه الناس نحو قيم الخير والصلاح". !!!
استندت معظم الديانات والنظريات الإصلاحية والأعراف الاجتماعية في توجهاتها على قيم الخير، للتصدي لقيم الشر وما تمثله من سلطات مستبدة تنال من حقوق الآخرين. وعملية إضعافها، تؤدي إلى إزالة نظام الحماية الذاتي عن الإنسان السوي فلا يجد ما يردعه عن ارتكاب الجرائم واستخدام العنف ضد الآخرين لتحقيق مصالحه الذاتية. ولاتحقق وسائل الردع الأخرى (القانون وأجهزة العنف المتعددة) مسعاها المنشود دون تعميق مبادئ الخير في وجدان المجتمع، لتساعدها في ضبط سلوك الأفراد غير الأسوياء الساعين لفرض توجهاتهم الشريرة على المجتمع. إن ما يميز الأنظمة الديمقراطية عن الأنظمة المستبدة، سعي الأولى لترسيخ مفاهيم الحب والتسامح بين أفراد المجتمع مستندة على ركيزتين أساسيتين: القيم والأعراف الاجتماعية السوية الداعية لقيم الخير لتعزيز نظام الحماية والردع الذاتي، وتقوية وسائل الردع للدولة (القانون والعقوبة) للمحافظ على أمن واستقرار المجتمع. في حين أن الأنظمة المستبدة، تضعف القيم والأعراف الاجتماعية السوية لقيم الخير لتخريب نظام الردع والحماية الذاتية، وتولي اهتماماً أكبر للأجهزة القمع لفرض قيمها وتوجهاتها على المجتمع. لأن القائمين عليها جُلهم من قاع المجتمع، ويفتقدون لنظام الردع والحماية الذاتي. ولايؤمنون بالقيم السوية لفعل الخير، لأن فعل الشر كان الأداة لاستيلائهم على السلطة والتحكم بمقدرات المجتمع.
تحياتي ،،
[/align]