القوارض والحشرات تتقاسم طعامه
ستيني يقضي 10 سنوات من عمره في صندوق قرب الرياض
بدر البديني- الرياض جريدة اليوم
رغم توفر قطاع صحي متكامل من مستشفيات ومرافق صحية ومراكز متخصصة تقدم خدماتها ودعمها المتواصل لجميع المرضى النفسيين وذوي الاحتياجات الخاصة ، إلا أن حالات مرضية شاذة تنتشر هنا وهناك يمكن رصدها كظواهر تؤثر على المظهر الحضاري العام للعاصمة الرياض.
انهم أشخاص يعانون من حالات نفسية ومرضية ومشكلات أسرية قادتهم إلى التشرد في الشوارع والطرقات بغير هدى، يتعرضون لظروف حياتية قاسية ومعاناة مضاعفة تتجدد يوميا تضاف إلى ما يعانون منه أصلا وهو ما يقودهم إلى اللجوء إلى التسول ومواقع النفايات بحثا عما يقتاتون به وما يسد الرمق .
( اليوم) لفت نظرها نموذج لتلك الحالات لمواطن تجاوز الستين من العمر لجأ لصندقة اعتزل فيها عن الدنيا واتخذها ملجأ من هموم الحياة ومشكلاتها .
عوض ومعاناته
بين طرقات صناعية النسيم المتعرجة ووسط ضجيجها وبين السيارات التالفة والمتحركة وزيوتها المتناثرة في أزقتها هنا وهناك وعلى بعد أمتار من إحدى الورش المنتشرة في المكان لفت نظرنا صندقة تشبه الكوخ ، جعلها المواطن عوض بن سليمان مطر الشمري سكنا له ، هذا الرجل الذي ترك الحياة بين الناس وأهله وذويه وفضل العيش وحيدا منفردا داخل كوخ لا بساط يفترشه لكي يقيه من غبار الأرض وصلابتها وذرات الرمال كما لا يجد فيها ما يلتحف به الشمري من برد الشتاء وعواصفه الموسمية .
يقول الشمري الذي بدا وكأنه تعافى قريبا من نوبات مرض أنه أتى إلى هذا المكان منذ عشر سنوات ، مشيرا الى ان المكان تحاصره مخلفات البناء من كل جانب وتقاسمه القوارض والحشرات طعامه ومسكنه الذي لا تتجاوز مساحته الثلاثة أمتار مربعة ولا يستطيع أي شخص آخر غير عوض النوم داخله لسوء النظافة وتراكم رمال السنين والحرارة التي لا يتحملها أحد في الصيف ، وفي الشتاء حتما يعاني من البرد القارس مما جعله يرتاد واجهة كوخه الصغير مأوى له يرتاده للنوم ويتوكأ على قطعة من الكارتون المقوى ويلتحف الأكياس الفارغة بكل براءة وألم الأيام والسنين الصعبة وهو يتحدى مرارة الجوع والفراق .
عسكري سابق
وعندما سألنا عوض عن عملة السابق قال: كنت أعمل بالقطاع العسكري بدولة خليجية منذ فترة طويلة وأتيت للمملكة للعمل بأحد القطاعات بعدما تقاعدت ولم أطق العيش مع أهلي، مع أن أخوتي ما زالوا على قيد الحياة حيث لا اجد الراحة إلا بهذا المكان الذي أصبح سكني الدائم وموقعي الذي يعرفني به الناس ممن يتصدقون حيث اعاني من مرض يمنعني من العمل.
وأجاب عن سؤالنا عن عمره: أنه في الخامسة والستين، منوها ان العمر يمر دون ان يسأل عنه احد.
حرارة الصيف
اخبرنا الشمري عن حلم يراوده ولا يستطيع ان يحققه يتمثل في حصوله على مكيف وقال: عانيت الكثير من الجوع، كما ان الحر يرهقني ويجعلني أبحث عن كسرة الخبز التي أحصل عليها من الناس وأتمنى أن ينقلني فاعل خير الى مكان يحميني من شدة الحرارة بعيدا عن هذا الكوخ الصغير حتى إن تم ذلك عن طريق توسعته ووضع مكيف يبعد عني عناء الحر وسموم الصيف .
الإسعاف لم يحضر
يقول المواطن عبد الله العنزي صاحب المنشأة المجاورة لسكن الشمري: في يوم من الأيام قمت بطلب إسعاف الهلال الأحمر لنقل «هذا المسكين» عندما كان مريضا وعندما أخبرتهم عن حالته النفسية رفضوا الحضور لإسعافه لأنه يعيش حالة نفسية وقمت بحمله والاتجاه به إلى المستشفى لعلاجه ومن ثم أعدناه لمكانه.
واضاف: الشمري يحتاج الى العناية به لأن انتشار مثل هذه الحالات نسبتها كبيرة ووجودهم خطر على المجتمع وتواجدهم تحت الكباري بالبطحاء والأسواق دون أية متابعة يهدد حياتهم.