قبل الدخول في الموضوع دعوني أقدم بمقدمة أزعم أنها مهمة ، وهي تتعلق بآلية صدور الأنظمة المرعية ، والفرق بين الأمر الملكي ، والمرسوم الملكي ليتضح الفرق بينهما للقارىء الكريم .
أقول : تصدرُ أنظمة الدولة وتعديلات تلك الأنظمة في المملكة العربية السعودية بآلية محددة ماعدا الأنظمة الأساسية كالنظام الأساسي للحكم ونظام هيئة البيعة ونظام الوزراء ونظام مجلس الشورى ونظام المناطق فهذه صدرت بإرادة ملكية منفردة أي بأوامر ملكية .
والآلية المحددة في صدور الأنظمة في السعودية والتعديلات عليها هي التصويت على النظام مادة مادة ، وكذلك تعديلاته في مجلس الشورى ، ثم التصويت مثله في مجلس الوزراء ، ثم بعد موافقة الأغلبية بمن فيهم رئيس المجلس يصدر مرسوم ملكي بالنظام ، وبهذا وضح الفرق بين الأمر الملكي والمرسوم الملكي ، فالأمر يعبّر عن إرادة ملكية منفردة ، وأما المرسوم فهو ما يصدر عن مجلس الوزراء رئيساً ووزراء .
ودعوني أطرح الأمر الملكي الأخير الخاص بنظام المطبوعات والنشر مثالا لما ذكرته آنفا ، ثم أبين تعارضه مع مراسيم ملكية سابقة ، وأنه منافٍ لآلية صدور التعديلات على الأنظمة .
نأتي على الأمر الملكي الأخير رقم ( أ / 93 ) في 25 / 5 / 1432هـ المتعلّق بتعديل خمس مواد من مواد نظام المطبوعات والنشر الصادر بالمرسوم الملكي رقم ( م / 32 ) في 3 / 9 / 1421هـ ، وقد قام بدراسة التعديل رئيس الديوان الملكي ورئيس هيئة الخبراء بمجلس الوزراء ووزير العدل ووزير الإعلام ، ودراستهم للتعديل جاءت حسب الأمر الملكي رقم ( أ / 71 ) بتاريخ 13/4/1423هـ ، وفي تصويري أنه منافٍ لآلية صدور التعديلات على الأنظمة ! بما يلي :
أولا : نصّت آلية تنفيذ نظام القضاء الجديد بالمرسوم الملكي رقم ( م / 78 ) من مجلس الوزراء في عهد خادم الحرمين الشريفين الملك عبد الله عام 1428هـ - على إلغاء جميع اللجان القضائية ونقل اختصاصها للقضاء ، كما ورد في نص النظام :
تاسعا : اللجان شبه القضائية وما في حكمها :
1- مع عدم الإخلال باختصاصات اللجان المستثناة المنصوص عليها في الفقرة (2) من القسم الثالث (احكام عامة) من هذه الآلية تنقل إلى القضاء العام- بعد تعديل نظام المرافعات الشرعية ونظام الإجراءات الجزائية وصدور نظام المرافعات أمام ديوان المظالم والعمل بموجبه- اختصاصات اللجان شبه القضائية التي تنظر في قضايا جزائية او منازعات تجارية او مدنية، وتتولى اللجنة المشكلة في هيئة الخبراء- خلال مدة لا تتجاوز سنة من تاريخ نفاذ نظام القضاء - مراجعة الأنظمة التي تأثرت بذلك، واقتراح تعديلها وفقا للإجراءات النظامية اللازمة لذلك، كما تتولى دراسة وضع اللجان شبه القضائية التي تنظر في منازعات إدارية وتكون قراراتها قابلة للتظلم أمام ديوان المظالم واقتراح ما تراه في شأنها " .ا.هـ.
فالأمر الملكي المشار إليه بالخلل قد سنّ العمل باللجان من جديد رُغم أن مجلس الوزراء قد سنّ إلغاءها في النظام ، وإن جرى العمل ببعض اللجان ولم يتم إلغاؤها ، فاللجنة في الأمر الملكي متعارضة مع نظام القضاء الجديد كما هو واضح .
ثانيا : أرى أن مجلس الوزراء أراه مُحِقاً في إلغاء اللجان ونقل اختصاصها للقضاء لأن مبدأ الفصل بين السلطتين القضائية – وتعني المحاكم – والتنفيذية – وتعني الجهات الحكومية – فيه تحقيق للعدالة ونزاهة للقضاء وإليه يتجه أكثر العالم الآن .
فكيف ينصّ الأمر على أن وزير الإعلام يُصدر القواعد المنظمة لعمل اللجنة القضائية ؟!
ومما يعزز رأي مجلس الوزراء في الفصل بين القضاء والجهات الحكومية ما جاء في المادة السادسة والأربعين في النظام الأساسي للحكم من أن القضاء سلطة مستقلة، ولا سلطان على القضاة في قضائهم لغير سلطان الشريعة الإسلامية.
فهذه المادة واضحة أن سلطة القضاء سلطة عليا ، ولا سلطان عليها إلا سلطان الشريعة ، وهذا يعني أن الرجوع في القضايا إلى المحاكم الشرعية المعنية بهذا الأمر ، ولهذا جاءت المادة التاسعة والأربعون موضحة لذلك بقولها : مع مراعاة ما ورد في المادة الثالثة والخمسين من هذا النظام، تختص المحاكم في الفصل في جميع المنازعات والجرائم .
فكيف تختص وزارة الثقافة والإعلام بالفصل في منازعات الإعلام ؟!
وبناء عليه فإن الأمر الملكي المُعدّ من قبل المذكورين آنفا ، والذين خولهم خادم الحرمين الشريفين أنشأ لجنة قضائية في وزارة الثقافة والإعلام تنظر في المنازعات .
وأجزم أن خادم الحرمين الشريفين وولي عهده والنائب الثاني حفظهم الله لا يرضون بمثل هذا التلاعب.
ثالثا : لا شك أن الأمر سيُحصّن الإعلاميين فاللجنة بالأمس قراراتها إدارية يُتظلّم منها أمام ديوان المظالم ، ولكن هذا الأمر الملكي جعل قرارات اللجنة قضائية لا يُطعن عليها أمام غيرها !!! ، كما أن الأمر نفسه جعل من صلاحيّات الوزير إيقاف الصحيفة الالكترونية أو الموقع عند مخالفتهما !!!
رابعا : بهذا القرار سيجعل للصحفيين حصانة بحيث يحاكمون في محكمة خاصة بهم دون سائر الشعب ، فأي فساد مثل التلاعب بهذه الأوامر الملكية الكريمة ؟!
أسأل الله أن يوفق ولاة الأمر لما فيه صلاح البلاد والعباد .
كتبه
عبد الله بن محمد زقيل
30 – 5 – 1432هـ
zugailamm@gmail.com
الى هذا الوقت ومازالت الصحف تروج الأكاذيب لإشاعة الفتنه