الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين
أما بعد
يعرض لنا رسول الله صلى الله عليه وسلم في حديثه التالي مشهدا من مشاهد القيامة ، وإن استيعاب مثل هذا المشهد يجعل المرء يفكر كثيرا فيما هو عليه من عمل وسلوك ، كيف لا وهو يسمع الرسول صلى الله عليه وسلم يحكي لنا تهرّب سادة الرسل وكبار الأنبياء من الشفاعة ، وكل منه يرد الأمر إلى الآخر ، وكل منهم يسأل الله نفسه !! كيف لا ، وهؤلاء الأذكياء الكرماء يخافون أن يؤاخذهم الله على ذنوب لو فعلها أحدنا لعدّها من الصغائر التي لا يؤْبهُ لها ، هذا إن لم يعدّها في صالحات أعماله .
إن هذه الصورة تصور الكرب الشديد الذي يأخذ بالناس في ذلك اليوم ، فيتوافد صالحوهم إلى خيرة البشر الرسل علّهم يشفعون إلى الله في ذلك الموقف الرهيب .
وإنه ليوم مهول لا يغضب الله قبله مثله ، ولا يغضب بعده مثله ، فحري بالمرء أن يُعدّ له العدة علّه يكون من الناجين .
عن أبي هريرة رضي الله عنه أن الصحابة كانوا مع الرسول صلى الله عليه وسلم في دعوة ، فرُفِع إلى الرسول صلى الله عليه وسلم الذراع ــ وكانت تعجبه ــ فنهس منها نهسة ثم قال (( أنا سيد الناس يوم القيامة ، وهل تدرون ممّ ذلك ؟
يجمع الله الناس الأولين والآخرين في صعيد واحد ، فيبصره الناظر ، ويسمعهم الداعي ، وتدنو منهم الشمس ، فيبلغ الناس من الغم والكرب ما لا يطيقون ولا يحتملون .
فيقول الناس : ألا ترون إلى ما أنتم فيه إلى ما بلغكم ، ألا تنظرون من يشفع لكم إلى ربكم ؟ فيقول بعض الناس لبعض : أبوكم آدم . فيأتونه ، فيقولون : يا آدم ، أنت أبو البشر ، خلقك الله بيده ، ونفخ فيك من روحه ، وأمر الملائكة فسجدوا لك ، وأسكنك الجنة . ألا تشفع لنا إلى ربك ، ألا ترى ما نحن فيه وما بلغنا ؟ فيقول : إن ربي غضب اليوم غضبا لم يغضب قبله مثله ، ولا يغضب بعده مثله ، وإنه نهاني عن الشجرة ، فعصيت . نفسي ، نفسي ، نفسي .
اذهبوا إلى غيري ، اذهبوا إلى نوح .
فيأتون نوحا ، فيقولون : يا نوح ، أنت أول الرسل إلى أهل الأرض ، وقد سماك الله عبدا شكورا . ألا ترى مما نحن فيه ؟ ألا ترى إلى ما بلغنا ؟ ألا تشفع لنا عند ربك ؟ فيقول : إن ربي غضب اليوم غضبا لم يغضب قبله مثله ولن يغضب بعده مثله ، وإنه قد كان لي دعوة دعوت بها على قومي . نفسي ، نفسي ، نفسي .
إذهبو إلى غيري ، اذهبوا إلى إبراهيم .
فيأتون إبراهيم ، فيقولون : أنت نبي الله وخليله من أهل الأرض ، اشفع لنا إلى ربك ، أما ترى إلى مانحن فيه ؟ فيقول لهم : إن ربي غضب اليوم غضبا لم يغضب قبله مثله ولن يغضب بعده مثله . وإني كذبت ثلاث كذبات ــ فذكرها ــ نفسي ، نفسي ، نفسي .
اذهبوا إلى غيري ، اذهبوا إلى عيسى .
فيأتون عيسى عليه السلام ، فيقولون : يا عيسى ، أنت رسول الله وكلمته ألقاها إلى مريم وروح منه . وكلمت الناس في المهد . اشفع لنا إلى ربك ، ألا ترى إلى ما نحن فيه ؟ فيقول عيسى : إن ربي قد غضب اليوم غضبا لم يغضب قبله مثله ولن يغضب بعده مثله ، ولم يذكر ذنباً . نفسي ، نفسي ، نفسي .
اذهبوا إلى غيري ، اذهبوا إلى محمد صلى الله عليه وسلم .
فيأتون محمدا ـــ وفي رواية فيأتوني ـــ فيقولون : يا محمد ، أنت رسول الله وخاتم الأنبياء . قد غفر الله لك من ذنبك ما تقدم وما تأخر . اشفع لنا إلى ربك . ألا ترى إلى ما نحن فيه ؟ فأنطلق ، فآتي تحت العرش . فأقع ساجدا لربي . ثم يفتح الله عليّ من محامده وحسن الثناء عليه ما لم يفتحه على أحد قبلي . ثم يقال : يا محمد ، ارفع رأسك ، سل تعطه ، واشفع تشفّع . فأرفع رأسي ، فأقول : أمتي يارب . فيقال : يا محمد ، أدخل من أمتك من لا حساب عليهم من الباب الأيمن من أبواب الجنة ، وهم شركاء الناس فيما سوى ذلك من الأبواب . ثم قال ، والذي نفسي بيده إن ما بين المصراعين من مصاريع الجنة ، كما بين مكة وهجر ، أو كما بين مكة وبصرى )) رواه البخاري ومسلم .