عرض مشاركة واحدة
  #1 (permalink)  
قديم 30-03-2008, 02:13 AM
الصورة الرمزية Mo chuisle
Mo chuisle Mo chuisle غير متصل
نجم المنتدى
 
تاريخ التسجيل: Jul 2007
المشاركات: 16,480
معدل تقييم المستوى: 5968195
Mo chuisle تم تعطيل التقييم
شاهدي الوحيد على قضيتي

صاحبنا الزناتي حدد أعداءه ، الحاضر واللصوص ، كنا نسخر من هذا التحديد ونستفزه بالأسئلة .

ما الذي فعله بك الحاضر ؟

فيجيب ، وكنا نظنه يهزل : ابتلاني بكم ، وابتلاكم بي .

ثم ماذا ؟

أجبر عمودي الفقري على الانحناء .نقهقه ويزداد استفزازنا .


وما الذي سرقه اللصوص من بيتك ؟

وأنت إذا دخل اللص بيتك أخذته الشفقة عليك .

فيرد وكأنه جاد فيما يقول :


سرقوا شواهد القبور ، وبوابة العبور .

- ثم ماذا ؟

سيف جدي البتار .

في أحد الأيام جاءَنا مذعورا :

اللصوص سطوا على بيتي ، اغتنموا فرصة سفري عبر التاريخ إلى جبال المجد ، فسلبوا كل ما أملك .

- وهل تملك شيئاً ؟

نعم ، دفتر مذكراتي ، وشاهدي الوحيد على قضيتي .

هبَّ أصحاب النخوة – وكنت من بينهم – وبدأنا البحث ، نزلت إلى الحديقة ، وعند إحدى درجات السلم الأرضية ، وجدت دفتراً صغيراً داسته الأقدام ، وتلطَّخ بالوحل ، التقطته ، وما إن فتحت فمي لأزف البشرى

حتى أطبقه حب الاستطلاع .

فتحت الصفحة الأولى ، وقرأت :

(( في مثل هذا اليوم ، نامت باريس على أنغام صهيل خيل الغافقي ، وفي مثل هذا اليوم تحطَّمت الطائرات عند الفجر ))

قلَّبت ، لم أستطع أن أتبَّين خطوط الكتابة ، فآثار الطين والأقدام ألصقت بعض الأوراق المتتابعة ، ها هي ذي ورقة من الممكن قراءتها

((لا تصرخ يا أبا تمام ، فالتين والعنب ، وكلُّ أنواع الثمار والفواكه قد نضجت ، وسقطت على الأرض ، ولم تجد الأيدي القادرة على لـمِّ ال***ب والثمار المجففة ))

أزحت ما علق على الصفحة التي تليها ، فإذا به يوم السبت ، ويذكر فيه :

(( أنَّ صحف اليوم قد أوردت خبراً عن فيلم يعرض لما نال أطفال اليهود في أوروبا في الحرب العالمية الثانية ، في الوقت نفسه كان أطفالنا يعبرون بحر البقر ))

لم أستطع أن أفهم الكثير من العبارات والإشارات التي وردت في صفحات متتالية ، فبعضها أسماء لرجال مثل :

(( خالد ، عقبة ، طارق ، صلاح الدين ، ابن تاشفين ، الفاتح عمر المختار ، العظمة ، القسام ))

وبعضها أسماء لمعارك مثل :

(( بدر ، ذات الصواري ، فتح الفتوح ، القادسية ))

إلى غير ذلك من الرموز التي تتحول أحياناً إلى حروف أو أرقام

بدأ الطين يخف أثره ها هو ذا يوم الأحد :

(( بيروت تُمهر بخاتم صهيون ))

وفي الورقة المقابلة

(( نبوءة العهد الجديد بالتقاء صهيون ومارمارون ))

في الاثنين :

(( احتجاج شديد اللهجة من قبل مندوبنا في الأمم المتحدة ، ما ضاع حق وراءه احتجاج شديد اللهجة )) .

وفي صفحة الثلاثاء :

(( اتفق العرب على أن لا يتفقوا ، حرب البسوس عادت ، يا لثارات تغلب ، يا لثارات بكر )) .

عدت أقلب الصفحات ، حتى وقعت على صفحة واضحة :

((عاد كسرى ، كسرى يعيش مرَّتين ، وعظ البحتريُّ إيوان كسرى ، و أصبحنا موعظة)).

وفي الصفحة التي تليها :

((انتصار عظيم يحققه العرب ، وصول ثلاث فرق عربية إلى مدريد ،
هل عادت الفتوح …؟! اليوم نفتتح كأس العالم)) .

وتحتها مباشرة كُتب :

((فتاة في عمر الورود تقود سيارة مفخخة مزَّقتها بعد أن فجَّرت قافلة للعدو))

أين أنت يا ابن أبي الربيعة :

كتب القتل والقتال علينا.....وعلى الغانيات جر ّالذيول

وفي الصفحة قبل الأخيرة كتب :

(( … بياض أو سواد ، ليل أو نهار ، حلاوة أو مرارة ، حزن أو فرح ، حياة أو موت ، فراغ أو انشغال ، جوع أو تخمة ، صحة أو سقم ، هزيمة أو انتصار …. استوت الأشياء . ))

سمعت صوت أقدامه وهو ينـزل درجات السلم ، أسرعت فتحت آخر صفحة ، وجدتها خالية إلاّ من أثر أقدام اللصوص ، أطبقت الدفتر وأنا أحس أنفاسه اللاهثة ،لم ينتظرني لأناوله شاهد القضية ، بل اختطفه من بين يدي ، وحضنه بين ذراعيه كالأب الحاني .

انتهت مهمتكم ، هذا ما صرَّح به وهو يحدِّق بنا ، ومن عيونه لمست ما غاب عني فهمه من أوراقه .


بقلم الدكتور / عبد الرزاق حسين

إحدى مجموعاته القصصية

التعديل الأخير تم بواسطة Mo chuisle ; 30-03-2008 الساعة 02:22 AM
رد مع اقتباس