ال***ر بن العوام رضي الله عنه
يحيى بن موسى الزهراني
بسم الله الرحمن الرحيم
1- *** اسمه ونسبه :
ال***ر بن العوام بن خويلد بن أسد بن عبد العزى بن قصي بن كلاب رضي الله عنه .
يلتقي نسبه مع النبي صلى الله عليه وسلم في : قصي بن كلاب .
أسلم مع أوائل من أسلم من الصحابة ، فكان رابعاً أو خامساً بعد أبي بكر الصديق رضي الله عن الصحابة أجمعين .
أمه : صفية بنت عبد المطلب عمة رسول الله صلى الله عليه وسلم ، أسلمت وحسن إسلامها .
زوجته : أسماء بنت أبي بكر الصديق رضي الله عنها ، وله زوجات غيرها .
أولاده : كان له من الولد : عبد الله وبه يُكنى ، وعروة ، والمنذر ، وعاصم ، والمهاجر ، وخديجة الكبرى ، وأم الحسن ، وعائشة ، وأمهم أسماء بنت أبي بكر .
وخالد ، وعمرو ، وحبيبة ، وسودة ، وهند ، وأمهم أم خالد : وهي أمة بنت خالد بن سعيد بن العاص .
ومصعب ، وحمزة ، ورملة ، وأمهم الرَّباب بنت أُنيف بن عبيد .
وعبيدة ، وجعفر ، وأمهما زينب .
وزينت ، وأمها أم كلثوم بنت عقبة بن أبي معيط .
وخديجة الصغرى ، وأمها الحلال بنت قيس .
صفته : كان أبيض ، طويلاً ، وقيل : لم يكن بالطويل ولا بالقصير ، خفيف اللحم ، أشعر ، خفيف العارضين .
2- *** نعته :
ال***ر بن العوام ، الثابت القوام ، صاحب السيف الصارم ، والرأي الحازم ، كان لمولاه مستكيناً ، وبه مستعيناً ، قاتل الأبطال ، وباذل الأموال ، صاحب الوفاء والثبات ، والتسامح بالمال والجدات .
3- *** إسلامه :
أسلم ال***ر بن العوام وهو بن ثماني سنين ، وهاجر وهو بن ثمان عشرة سنة .
4- *** تعذيبه :
كان عم ال***ر يلف ال***ر في حصير ، ويدخن عليه بالنار حتى تزهق أنفاسه ، وهو يقول له : اكفر برب محمد ، أدرأ عنك العذاب ، فيقول ال***ر: " لا أعود للكفر أبداً " ، ويهاجر ال***ر للحبشة الهجرتين ، ثم يعود ليشهد جميع المشاهد مع رسول الله صلى الله عليه وسلم .
ولم يتخلف عن غزوة غزاها رسول الله صلى الله عليه وسلم .
5- *** مجاهداً مغواراً :
ال***ر بن العوام رضي الله عنه ، أول رجل سل سيفه في الإسلام ، فبينما هو بمكة ، إذ سمع صوتاً : أن النبي صلى الله عليه وسلم قد قتل ، فما كان من ال***ر إلا أن استل سيفه ، وسار في شوارع مكة كالإعصار ، فتلقاه النبي صلى الله عليه وسلم في أعلى مكة ، فقال له ما لك يا ***ر ؟ قال : سمعت أنك قد قتلت ، قال : فما كنت صانعاً ؟ قال : أردت والله أن أستعرض أهل مكة ، قال : فدعا له النبي صلى الله عليه وسلم بالخير ، ولسيفه بالغلب .
وعن عمرو بن مصعب بن ال***ر رضي الله عنهم قال : قاتل ال***ر مع رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو ابن اثنتي عشرة سنة ، فكان يحمل على القوم : أي يتقدم ويكون في مقدمة من يقاتلون ، وذلك لشجاعته وقوته وإقدامه وبسالته .
وقد شهد موقعة اليرموك ، وكان أفضل من شهدها، واخترق يومئذ صفوف الروم من أولهم إلى آخرهم مرتين ، ويخرج من الجانب الآخر سالماً ، لكن جرح في قفاه بضربتين رضي الله عنه . وقد كان جسده معلماً من آثار السيوف في المعارك ، فلما سئل عن هذه الآثار قال : أما والله ما منها جراحة ، إلا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وفي سبيل الله .
وقال من رأي ال***ر : وإن في صدره لأمثال العيون ، من الطعن والرمي .
كانت على ال***ر بن العوام يوم بدر عمامة صفراء ، يقال : فنزلت الملائكة وعليهم يوم بدر على سيماء ال***ر ، عليهم عمائم صفر .
6- *** منقبة لل***ر :
تفداه النبي صلى الله عليه وسلم بأبويه ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الزُّبَيْرِ قَالَ : كُنْتُ يَوْمَ الأَحْزَابِ جُعِلْتُ أَنَا وَعُمَرُ بْنُ أَبِي سَلَمَةَ فِي النِّسَاءِ ، فَنَظَرْتُ فَإِذَا أَنَا بِالزُّبَيْرِ عَلَى فَرَسِهِ ، يَخْتَلِفُ إِلَى بَنِي قُرَيْظَةَ مَرَّتَيْنِ أَوْ ثَلاَثاً ، فَلَمَّا رَجَعْتُ قُلْتُ : يَا أَبَتِ ، رَأَيْتُكَ تَخْتَلِفُ ، قَالَ أَوَهَلْ رَأَيْتَنِي يَا بُنَيَّ ؟ قُلْتُ : نَعَمْ ، قَالَ : كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ : " مَنْ يَأْتِ بَنِي قُرَيْظَةَ فَيَأْتِينِي بِخَبَرِهِمْ " ، فَانْطَلَقْتُ ، فَلَمَّا رَجَعْتُ جَمَعَ لِي رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم أَبَوَيْهِ فَقَالَ : " فِدَاكَ أَبِي وَأُمِّي " [ متفق عليه ] .
7- *** الحواري :
ال***ر بن العوام هو حواري رسول الله صلى الله عليه وسلم ، والحواري هو خاصة الإنسان وناصره ، قَالَ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم : " إِنَّ لِكُلِّ نَبِيٍّ حَوَارِيًّا ، وَحَوَارِيِّي الزُّبَيْرُ " [ رواه أحمد ] .
واسمع إلى قول الله تعالى في سورة آل عمران ، إذ قال سبحانه : { فَلَمَّا أَحَسَّ عِيسَى مِنْهُمُ الْكُفْرَ قَالَ مَنْ أَنصَارِي إِلَى اللّهِ قَالَ الْحَوَارِيُّونَ نَحْنُ أَنصَارُ اللّهِ آمَنَّا بِاللّهِ وَاشْهَدْ بِأَنَّا مُسْلِمُونَ } [ آل عمران52 ] .
فلما علم عيسى منهم الكفر وأرادوا قتله قال : من أنصاري ؟ أي : من أعواني ؟ قال الحواريون : أعوان دينه وهم أصفياء عيسى أول من آمن به وكانوا اثني عشر رجلا من الحور وهو البياض الخالص وقيل كانوا قصّارين يحورون الثياب : أي يبيّضونها ، قالوا : نحن أنصار الله ، آمنا به وصدقنا ، واشهد يا عيسى بأنا مسلمون .
8- *** ال***ر تاجراً :
كان ال***ر بن العوام رضي الله عنه ، من التجار الأغنياء المنفقين في سبيل الله عز وجل ، وكان يقول : من استطاع منكم أن يكون لهو جَنى _ ثمر وشيء يجده عند الله تعالى _ من عمل صالح فليفعل .
باع ال***ر داراً له بستمائة ألف ، فقيل له : يا أبا عبد الله غبنت ؟ قال : كلا والله ، لتعلمن أني لم أُغبن ، هي في سبيل الله .
وكان لل***ر ألف مملوك يؤدون الضريبة ، لا يدخل بيت ماله منها درهم ، كان يتصدق بها ، وقيل : كان يقسمه كل ليلة ، ثم يقوم إلى منزله ، ليس معه منه شيء . = = = حال ال***ر وحال كثير من أغنياء اليوم .
9- *** حبه للشهادة :
كان ال***ر بن العوام شديد الولع بالشهادة ، فهاهو يقول : " إن طلحة بن عبيد الله يسمي بنيه بأسماء الأنبياء ، وقد علم أن لا نبي بعد محمد ، وإني أسمي بني بأسماء الشهداء ، لعلمهم أن يستشهدوا ، فسمى عبد الله بعبد الله بن جحش ، والمنذر بالمنذر بن عمرو ، وعروة بعروة بن مسعود ، وحمزة بحمزة بن عبد المطلب ، وجعفر بجعفر بن أبي طالب ، ومصعب بمصعب بن عمير ، وعبيدة بعبيدة بن الحارث ، وخالد بخالد بن سعيد ، وعمر بعمرو بن سعيد بن العاص ، قتل يوم اليرموك .
10- *** ال***ر بن العوام رضي الله عنه ، أحد العشرة المبشرين بالجنة ، وأحد الستة ، أصحاب الشورى ، الذين توفي رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو عنهم راض .
11- *** وفاته رضي الله عنه :
توفي يوم الجمل ، وذلك أنه كر راجعاً عن القتال ، فلحقه عمرو بن جرموز ، وفضالة بن حابس ، ورجل ثالث يقال له : النعر التميميون ، بمكان يقال له وادي السباع قريب من البصرة ، بينه وبين البصرة خمسة أميال ، فبدر إليه عمرو بن جرموز وهو نائم فقتله ، وذلك في يوم الخميس لعشر خلون من جمادى الأولى ، سنة ست وثلاثين ، وله من العمر يومئذ سبع وستون سنة .
ويقال : بل قام من آثار النوم وهو دهش ، فركب وبارزه ابن جرموز ، فلما صمم عليه ال***ر _ على قتله _ أنجده صاحباه فضالة والنعر فقتلوه ، وأخذ عمرو بن جرموز رأسه وسيفه ، فلما دخل بهما على علي رضي الله عنه قال : علي رضي الله عنه لما رأى سيف ال***ر : إن هذا السيف طالما فرج الكرب عن وجه رسول الله صلى الله عليه وسلم .
عَنْ زِرِّ بْنِ حُبَيْشٍ قَالَ : اسْتَأْذَنَ ابْنُ جُرْمُوزٍ عَلَى عَلِيٍّ وَأَنَا عِنْدَهُ فَقَالَ عَلِيٌّ : " بَشِّرْ قَاتِلَ ابْنِ صَفِيَّةَ بِالنَّارِ " ، ثُمَّ قَالَ عَلِيٌّ : سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ : " إِنَّ لِكُلِّ نَبِيٍّ حَوَارِيًّا ، وَحَوَارِيِّي الزُّبَيْرُ " [ رواه أحمد ] .
فيقال إن عمرو بن جرموز لما سمع ذلك قتل نفسه .
والصحيح أنه عُمِّرَ بعد علي حتى كانت أيام ابن ال***ر _ عبد الله _ فاستناب أخاه مصعباً على العراق ، فاختفى عمرو بن جرموز خوفاً من سطوته أن يقتله بأبيه .
فقال مصعب : أبلغوه أنه آمن ، أيحسب أني أقتله بأبي عبدالله ؟ كلا والله ليسا سواء .
وهذا من حلم مصعب وعقله ورياسته .
وقد روى ال***ر بن العوام رضي الله عنه ، عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أحاديث كثيرة يطول ذكرها .
12- *** وصيته :
عن عبد الله بن ال***ر قال : جعل ال***ر يوم الجمل يوصيني دينه ، ويقول : إن عجزت عن شيء منه ، فاستعن عليه بمولاي ، قال : فوالله ما دريت ما أراد ، حتى قلت : يا أبت من مولاك ؟ قال : الله . قال : ما وقعت في كربه من دينه ، إلا قلت : يا مولى ال***ر اقض عنه ، فيقضيه ، وإنما دينه الذي كان عليه ، أن الرجل كان يأتيه بالمال فيستودعه إياه ، فيقول ال***ر : لا ولكنه سلف ، فإني أخشى عليه الضيعة .
قال : فحسب ما عليه من الدين فوجدته ألفي ألف ومائتي ألف ، فقتل ولم يدع ديناراً ولا درهماً _ يعني نقداً _ إلا أرضين فبعتهما يعني وقضيت دينه ، فقال بنو ال***ر : اقسم بيننا ميراثنا ؟ فقلت : والله لا أقسم بينكم ، حتى أنادى بالموسم أربع سنين ، ألا من كان له على ال***ر دين فليأتنا فلنقضه .
فجعل كل سنة ينادي بالموسم ، فلما مضى أربع سنين قسم بينهم .
= = = أين الأبناء عن تسديد ديون الآباء اليوم ؟
13- *** تركته :
خَلَّفَ رضي الله عنه بعده تركة عظيمة ، فأوصى من ذلك بالثلث ، بعد إخراج ألفي ألف ومائتي ألف دينار ديناً عليه ، فلما قُضي دينه ، وأُخرج ثلث ماله ، قُسم الباقي على ورثته ، فنال كل امرأة من نسائه _ وكن أربعاً _ ألف ألف ومائتا ألف _ مليون ومائتي ألف دينار _ فمجموع ما تركه رضي الله عنه تسعة وخمسون ألف ألف ، وثمانمائة ألف دينار ، أي : تسعة وخمسون مليون وثمانمائة ألف دينار .
قال ابن كثير رحمه الله : وهذا كله من وجوه حلٍ نالها في حياته ، مما كان يصيبه من الفيء والمغانم ، ووجوه متاجر الحلال ، وذلك كله بعد إخراج الزكاة في أوقاتها ، والصلات البارعة الكثيرة لأربابها ، في أوقات حاجاتها .
14- *** موقعة الجمل :
بعد استشهاد عثمان رضي الله عنه ، أتم ال***ر وطلحة المبايعة لعلي رضي الله عنهم أجمعين ، وخرجوا إلى مكة معتمرين ، ومن هناك إلى البصرة للأخذ بثأر عثمان ، وكانت موقعة الجمل سنة 36 هجرية .
وكان طلحة وال***ر في فريق ، وعلي في الفريق الآخر ، وانهمرت دموع علي ، وبكى بكاءً غزيراً ، عندما أبصر أم المؤمنين عائشة في هودجها على رأس الجيش الذي يخرج الآن لقتاله ، وعندما أبصر وسط الجيش طلحة وال***ر ، حوراييّ رسول الله ، فقال لل***ر: " يا ***ر ، نشدتك الله ، أتذكر يوم مرّ بك رسول الله صلى الله عليه وسلم ونحن بمكان كذا ، فقال لك : يا ***ر ، ألا تحبّ عليّا ؟ فقلت : ألا أحب ابن خالي ، وابن عمي ، ومن هو على ديني ؟ فقال لك : يا ***ر ، أما والله لتقاتلنه ، وأنت له ظالم " ، قال ال***ر رضي الله عنه : نعم أذكر الآن ، وكنت قد نسيته ، والله لا أقاتلك ، وأقلع ال***ر وطلحة عن الاشتراك في هذه الحرب ، أقلعا فور تبيّنهما الأمر ، وعندما أبصرا عمار بن ياسر يحارب في صف عليّ ، تذكرا قول رسول الله صلى الله عليه وسلم لعمّار : " تقتلك الفئة الباغية " ، فان قتل عمّار إذن في هذه المعركة التي يشترك فيها ال***ر طلحة ، فسيكون ال***ر باغياً .
فانسحب طلحة وال***ر من القتال ، ودفعا ثمن ذلك الانسحاب حياتهما ، ولكنهما لقيا الله قريرة أعينهما بما منّ عليهما من بصيرة وهدى .
أما ال***ر فقد تعقبه رجل اسمه عمرو بن جرموز وقتله غيلة وغدراً .
وأما طلحة فقد رماه مروان بن الحكم بسهم أودى بحياته .
15- *** الشهادة :
ولما فرغ علي رضي الله عنه من دفن طلحة ، وال***ر ، وقف يودعهما بكلمات جليلة ، اختتمها قائلاً : " إني لأرجو أن أكون أنا ، وطلحة ، وال***ر ، وعثمان من الذين قال الله فيهم : { وَنَزَعْنَا مَا فِي صُدُورِهِم مِّنْ غِلٍّ إِخْوَاناً عَلَى سُرُرٍ مُّتَقَابِلِينَ } [ الحجر47 ] ، ثم ضمّ قبريهما بنظراته الحانية الصافية الآسية وقال : " سمعت أذناي هاتان رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : " طلحة وال***ر ، جاراي في الجنّة " [ رواه الترمذي وغيره وضعفه الألباني ] .
= = = رضي الله عن ال***ر بن العوام وأرضاه ، وجعل جنات الفردوس مثواه ! فإنه قد شهد له سيد الأولين والآخرين ، ورسول رب العالمين بالجنة ، فلله الحمد والمنة ، قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم : " أَبُو بَكْرٍ فِي الْجَنَّةِ وَعُمَرُ فِي الْجَنَّةِ وَعُثْمَانُ فِي الْجَنَّةِ وَعَلِيٌّ فِي الْجَنَّةِ وَطَلْحَةُ فِي الْجَنَّةِ وَالزُّبَيْرُ فِي الْجَنَّةِ وَعَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ عَوْفٍ فِي الْجَنَّةِ وَسَعْدٌ فِي الْجَنَّةِ وَسَعِيدٌ فِي الْجَنَّةِ وَأَبُو عُبَيْدَةَ بْنُ الْجَرَّاحِ فِي الْجَنَّةِ " [ رواه الترمذي وصححه الألباني ] .
كتبه
يحيى بن موسى الزهراني
إمام جامع البازعي بتبوك
الموضوع مفيد فلماذا لم يعود