من خطة 20 % عمالة أجنبية إلى خطة وطنية شاملة
عندما أطلقت وزارة العمل برنامج نطاقات زاد قلق المراقبين الاجتماعيين، ذلك أن البرنامج ركز على الجانب الاقتصادي من حيث تشجيع توطين الوظائف (السعودة) فقط، بينما أغفل المشكلة الاجتماعية الناتجة عن كثافة وجود العمالة الأجنبية داخل البلاد، التي وصلت إلى 31 في المائة من مجموع السكان، والمشكلات الاجتماعية التي تخلقها هذه العمالة. فبرنامج نطاقات، وكما هو معلن عنه، لا يسعى إلى الحد من استقدام العمالة الوافدة، بل على العكس يقدم حوافز للاستقدام متى استوفت الشركة أو المؤسسة الشروط التي تضعها في نطاق أخضر ولتخلق منها بوابة عبور للعمالة الأجنبية. ثم زاد القلق أكثر مع إعلان تقديرات المنتدى التجاري الذي نظمته الغرفة التجارية الصناعية في جدة، التي أشارت إلى أن ستة إلى ثمانية ملايين عامل سعودي إضافي سيدخلون سوق العمل بحلول 2030، بينما برنامج نطاقات يفتح الباب على مصراعيه للاستقدام.
في هذا الإطار من الهم الاجتماعي الكلي كشفت وزارة العمل خلال اجتماع وزراء العمل الخليجيين عن خطة طويلة الأجل تحدد نسبة الـ 20 في المائة من العدد العام للسكان كحد أعلى لعدد العمالة الأجنبية طويلة الأجل. وهنا تضيف وزارة العمل لنا مفهوما جديدا لسوق العمل بعد مفهوم الألوان، وهو العمالة طويلة الأجل، التي عرفتها بضدها، فالعمالة الطويلة الأجل في تعريف الوزارة هي التي لا تشمل العمالة المستقدمة لإنجاز مشاريع معينة في أوقات معينة. ومع الخلل الكبير في هذا التعريف، الذي قد يؤثر في بناء الخطة كلها، إلا أنه يظل بسيطا أمام المعضلة الكبرى وهي التوازن الذي على وزارة العمل أن تحققه بين خطة الـ 20 في المائة وبرنامج نطاقات. وهذا التساؤل يصور لنا حجم التحديات الضخمة التي على الاقتصاد السعودي تجاوزها خلال الأعوام المقبلة. فمن جانب يجب علينا أن نخلق وظائف لأكثر من ثمانية ملايين عامل سعودي وأن نتخلى في الوقت نفسه عن عمالة وافدة بمقدار 10 في المائة نسبة إلى الزيادة في تعداد السكان سنويا.
إنها قضية شائكة فعلا ويجب على وزارة العمل أن تتريث قليلا قبل أن تطلق تصريحاتها، فالمجتمع سيحاسب الوزارة على أمانيها التي أطلقتها وليس على واقع التحديات التي واجهتها. فبرنامج نطاقات يقدم نفسه شريكا اقتصاديا ويسعى إلى تخفيف التأثيرات السلبية للسعودة في الأعمال الاقتصادية ورجال الأعمال، وهو بهذا يحافظ على النمو الاقتصادي ويساعد على خلق فرص عمل جديدة، وهذا مناسب جدا لفكرة توظيف ثمانية ملايين عامل سعودي، بينما خطة الـ 20 في المائة تقدم نفسها كخصم من خلال تخفيض مستمر في عدد العمالة، وهو التخفيض الذي سيؤثر حتما في النمو الاقتصادي وخلق الفرص، خاصة مع وجود مشكلتين أصيلتين في سوق العمل السعودية وهما مشكلة ثقافة رفض الأعمال اليدوية ومشكلة تدني رواتب العمالة الأجنبية مقارنة بالعمالة الوطنية، هاتان المشكلتان معا ستقللان من فرص الإحلال السريعة، حتى إن حلت العمالة الوطنية بسرعة محل العمالة الأجنبية وفق أجور مرتفعة فإن الاقتصاد قد يصاب بصدمة ارتفاع الأسعار وقد يتأثر نمو الاقتصاد ككل. ومرة أخرى تظهر لنا قضية التوازن الاقتصادي الشامل، وهو ليس مشروع وزارة العمل وحدها، بل مشروع الأمة بأسرها.
وهكذا يظهر حجم التحدي الهائل الذي على البلاد أن تواجهه خلال السنوات المقبلة والتأثيرات الهائلة لكل عمل أو خطة منفردة. من هنا ندعو وزارة العمل إلى عرض مشروع خطة وطنية تشارك فيه جميع الوزارات بدءا من وزارة التربية والتعليم ووزارة التعليم العالي ووزارة الاقتصاد والتخطيط ووزارة المالية ووزارة التجارة والصناعة وحتى المدن الصناعية ومؤسسات الإقراض، ولتكن خطة 20 في المائة نقطة البدء، ولنعمل ونحمل معا مسؤولية سلامة التركيبة السكانية ونموا اقتصاديا صحيا يخلق فرصا لثمانية ملايين عامل سعودي قادمين ـ بإذن الله.