فالمؤمن بالقدر حقا يأخذ بالأسباب ولكن مع عدم الاعتماد عليها وتعلق القلب بها إنما يكون اعتماده على الله سبحانه في الوصول إلى مقصود تلك الأسباب والحصول على نتائجها لأنه هو سبحانه مسبب الأسباب وكل شيء بيده وتحت ملكه وسلطانه .
إن أولئك الذين يتركون الأخذ بالأسباب بحجة قوة إيمانهم بقضاء الله وقدره قد جانبوا الصواب وخالفوا السنة والكتاب فإن النصوص من القرآن والسنة التي توجه للأخذ بالأسباب كثيرة متظاهرة منها قوله تعالى :
{ علم أن سيكون منكم مرضى وآخرون يضربون في الأرض يبتغون من فضل الله}[المزمل:20}.
وقال سبحانه : { هو الذي جعل لكم الأرض ذلولا فامشوا في مناكبها وكلوا من رزقه وإليه النشور}[الملك: 15].
وقال -أيضا- جل شأنه :
{ وأعدوا لهم ما استطعتم من قوة ومن رباط الخيل ترهبون به عدو الله وعدوكم }[ الأنفال:60].
بل إن النصوص تبرز لنا أن الشيء قد يكون مكتوبا في الصحف ثم يتغير لسبب من الأسباب كالدعاء وصلة الرحم.
قال تعالى : { يمحو الله ما يشاء ويثبت وعنده أم الكتاب}[الرعد:39].
وعن سلمان الفارسي قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " لا يرد القضاء إلا الدعاء ولا يزيد في العمر إلا البر " . رواه الترمذي وحسنه الألباني .
وعن أَنَسُ بْنُ مَالِكٍ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ:"مَنْ أَحَبَّ أَنْ يُبْسَطَ لَهُ فِى رِزْقِهِ وَيُنْسَأَ لَهُ فِى أَثَرِهِ فَلْيَصِلْ رَحِمَهُ "متفق عليه .
معنى ينسأ له في أثره : يؤخر له في أجله .
ولكن المحو من الصحف إنما يكون من الصحف التي عند الملائكة لا من اللوح المحفوظ وأما علم الله فإنه لا يمكن أن يقع فيه اختلاف .
فخذ أيها المسلم بالأسباب وأنت معتمد على رب الأرض والسموات .
فحري بك حينئذ أن تنال المطلوب وتنجو من المرهوب .
منقول للإفاده