قبل أن تبدأ أي مواجهة لا بد أن تحدد أولا الهدف من هذه المواجهة وشكل العلاقة المرجوة بعدها. فإذا كان هدف المواجهة قطع العلاقة أو إنهاءها فهذه في الحقيقة أسهل أنواع المواجهة ولا تحتاج إلى الكثير من المهارات، ولكن ما نتحدث عنه هنا هو المواجهة التي يكون هدفها هو تطوير العلاقة وتعزيزها أو التي يكون هدفها تطوير العمل واستفادة الطرفين والتقليل من فرص التوتر في العلاقة في المستقبل.
بعد تحديد الهدف من المواجهة لا بد أن تتذكر أنه قبل وأثناء وبعد المواجهة إذا أحس الطرف الآخر بأن (سلامته النفسية) مهددة فإن عملية المواجهة لن تنجح ولن تؤدي إلى ثمارها. إذا أحس الطرف الآخر أنك لا تحترمه كإنسان أو تحتقره لأي سبب من الأسباب أو أحس أنك لا تهتم بأهدافه أو لا تكترث بمشاعره، فإنه لا يمكن أن يستمع إليك، ولا يمكن لهذه المواجهة أن تكون مثمرة.
تأتي بعد ذلك أول خطوة في المواجهة وهي أن تصف المشكلة بكلمات قليلة مركزة بعيدة عن العاطفة وقريبة جدا من الوقائع، كما حدثت فتوضح المشكلة بشكل دقيق للطرف الآخر، هذا ما حدث وهذه نتائجه ببساطة. بعد أن تفعل ذلك يحين وقت الاستماع، أن تستمع من الطرف الآخر عن وجهة نظره في القضية بشكل عام ومبرراته للموقف الذي حدث، وبعد ذلك حاول أن تخلص إلى أحد أربع نتائج:
النتيجة الأولى: أن تقتنع بمبررات الطرف الآخر، فإذا توصلت إلى هذا الموقف وهو الاقتناع بالمبررات يمكنك إعطاء الطرف الآخر فرصة أخرى أو التفاهم معه على طريقة لتفادي المشكلة في المستقبل.
النتيجة الثانية: ألا تقتنع بمبررات الطرف الآخر ولكن يتبين لك أن الطرف الآخر تصرف بهذا الشكل بناء على عدم قدرة وليس عن إهمال أو سوء قصد. المهمة التي أوكلت إليه مثلا أكبر منه ولم يقدم له العون الكافي للقيام بها، أو الموقف الذي وضع فيه يواجهه لأول مرة، وبالتالي فإن تصرفه هو ناتج عن قلة خبرة أو عدم دراية، وبالتالي لا بد أن تدرس الأمر بعناية، فإما أن توكل المهمة إلى شخص آخر أو أن تبحث بدقة عن العوامل الذاتية والخارجية التي يمكن أن تقوم بالعمل على تغييرها، حيث تمكن هذا الشخص من القيام بالمهمة.
النتيجة الثالثة: أن تستنتج أن الشخص الآخر ليس لديه مبررات مقنعة وهو قادر فعلا على المهمة، ولكنه ليس لديه الرغبة لعملها، وهنا أنت أمام خيار استبداله بشخص آخر أو تحفيز هذا الشخص، ولذلك طرق كثيرة ومتنوعة.
النتيجة الرابعة: أن تخلص إلى أن هناك تقصيرا واضحا وغير مبرر أو إهمالا مقصودا أو سوء نية وهنا لا بد من الحزم في الموضوع واستعمال العقوبات أو الجزاءات المناسبة، حسب الحالة ونوع العلاقة على أن يكون ضمن حدود الرفق والإنسانية والمهنية.
بعد ذلك لا بد أن تنتهي أي عملية مواجهة بخطة عملية لحل المشكلة التي تم نقاشها لتفادي حدوثها في المستقبل وأخذ عهد معنوي على الشخص بأن يبذل جهده في التصحيح والتعديل ومناقشة طرق مساعدته لتحقيق ذلك.
تبدو هذه الخطوات سهلة وبديهية ولكن تشير الدراسات إلى أن الغالبية العظمى من المشكلات التي تواجهنا لا يتم التحدث عنها أبدا وتترك لتكبر وتتعقد مع الزمن، وأن التي يتم مواجهاتها لا تتبع فيها هذه الخطوات البسيطة والمنطقية، وبالتالي لا تؤدي الثمرة المرجوة من المواجهة. فالمواجهة ككل شيء آخر في حياتنا فن نحتاج أن نتعلمه ونتدرب عليه.
د. أيمن أسعد عبده