كارثة حريق مدرسة جدة.. فتح ملف فساد مقومات السلامة
سيناريو الفاجعة يتكرر مرة أخرى نيران تندلع في مدرسة تحاصر ألسنتها تلميذات لا يجدن لأنفسهن مهربا سوى الصعود إلى سطح المدرسة أو إلقاء أنفسهن للنجاة من النيران، فالحياة قد تكتب من جديد لمن تستطيع إنقاذ نفسها ولو بالسقوط من شاهق، ومع هذا المشهد المأساوي الذي يذكرنا بحوادث مماثلة مُنعت فيه الطالبات الخروج من المدرسة لعدم وجود محرم معهن، ما أدى إلى ارتفاع عدد الضحايا من الطالبات رغم حالة الطوارئ التي تفرض سرعة إنقاذ الأرواح.. الصورة ذاتها تتكرر وكذلك الأسباب والنتائج.
إن الإهمال والتقصير الكبيرين في توفير وسائل السلامة وعدم وجود الوعي بكيفية التعامل مع الأخطار التي تعرّض حياة الطالبات للموت يعاد إنتاجها من جديد وكأن الدرس لم يتم فهمه بعد.. وإذا كان اللوم يقع على إدارة المدرسة فإن وزارة التربية والتعليم لا يمكن أن تكون بعيدة عن اللوم إلا إذا رغبنا في كيل المجاملات على حساب حياة براعم الوطن وأغلقنا أعيننا عن حقيقة باتت تنطق بجسامة الإهمال وعدم وجود العناية الكافية في مدارس البنات بضرورة وجود خطة طوارئ عملية لإخلاء المدرسة عند حصول كارثة.
ما نخشاه فعلا أن تكون معظم مدارس البنات على حال يُرثى لها، فليس هناك مخارج مهيأة للاستخدام في حال الكوارث، أما الأبواب والنوافذ فهي مسيجة بالحديد لتتحول المدرسة إلى مصيدة للموت بين ألسنة النيران واللهب وسحب الدخان، عندها يصبح الموت احتراقا أو اختناقا قدرا لا مفر منه، لأن الدقيقة الواحدة لا تكفي للنجاة، فالثواني فقط قد تساعد على إخلاء مدرسة متى وُجدت أبواب كافية للطوارئ مهيأة للاستخدام السريع.
والسؤال المفصلي هنا: هل بالإمكان تفادي تكرار هذا المشهد المأساوي في مدارس البنات، حيث يتراكم الخوف لدى الأسر على مصير فتياتهم في مدارس بعضها غير مهيأ ليكون مكانا للتعليم، وخصوصا تلك المباني التي تم تحويلها لتكون مدرسة (بالعافية)، بإضافة قضبان الحديد وألواح الزنك والخشب وبناء أسقف ومظلات كيفما اتفق لتصبح المدرسة ترقيعا من الأعمال الإنشائية تنكشف مخاطرها في الأزمات والكوارث.. إنه لأمر مؤسف حقا أن تقف الأيدي مكتوفة عاجزة عن أن تقدر حجم المعضلة تاركة إياها دون حل!!
لقد أسهم بعض المتطوعين بجهودهم الذاتية في إنقاذ طالبات المدرسة وتخفيف حجم الكارثة التي كان من الممكن أن تكون أكثر مأساوية، وفي المقابل أدى التجمهر والفضول والارتباك والهلع إزاء الحادثة إلى تأخر عملية الإنقاذ ونجم عن ذلك حالتا وفاة فيما أصيب بالحروق والرضوض ما يقارب 50 حالة بعضها في حالة خطرة نتيجة لسع اللهب أو القفز من الطوابق العلوية.
لا ينبغي التأكيد على أن هناك حاجة ماسة إلى استعادة الثقة بعوامل الأمن والسلامة في مدارس البنات فقط، بل لا بد من تأمين وسائلها وتجهيزاتها، والدور هنا ملقى على عواتق المشرفين على إنشاء المدارس أو استئجارها في وزارة التربية والتعليم وتحديد مسؤوليتهم في التأكد من ذلك مثلما أن على الدفاع المدني التصدي لحالات الإهمال والقصور في وسائل السلامة حين معاينة المدارس، فالتصريح للمدرسة لا بد أن يرتبط بضرورة توافر متطلبات السلامة على الصورة المطلوبة، كما أن ترك المباني المدرسية تتردى من سنة إلى أخرى دون صيانة أو تقويم سنوي أو اختبار لمدى تأهيل العاملين في المدارس ولوسائل السلامة فيها مما لا يجب السكوت عنه.
بات مؤكدا في ضوء هذه الحادثة وغيرها، أن تصميم مدارس البنات لم يعد ملائما، بل أصبح في حاجة إلى تدخل جاد من وزارة التربية والتعليم وتفعيل ملزم لإشراك الدفاع المدني لكي يضع له شروطا وبنودا والإخضاع للتجربة وتقديم التدريب الإلزامي لمنسوبات تلك المدارس من مديرات ومعلمات، مع فحص دوري لتلك المدارس وإزالة معوقات الإخلاء، فضلا عن إرشادات السلامة للطالبات أنفسهن وكيفية التصرف في مثل تلك الحالات الطارئة التي ينبغي ألا تحدث أصلا!!