طالبوا بالاستفادة من التطور الحديث لعالم البناء.. مختصون:
الثقافة الإسكانية سبب «الأزمة».. والحل في المساكن الاقتصادية
يحمل الكثير الثقافة الإسكانية القديمة مشكلة الأزمة الحالية التي تبحث عن المساحات الشاسعة دون اعتبار للتكلفة، وهو ما أعاق الكثير من تملك المسكن.
شدد عدد من المتخصصين في تصاميم وتنفيذ المنازل الاقتصادية على أن الأزمة الإسكانية يمكن حلها من خلال الاستفادة القصوى من التطورات التي يشهدها عالم البناء والحلول الهندسية المتنوعة والكثيرة للاستفادة من المساحات المتاحة على مستوى الفرد والدولة عموما.
وأوضحوا أن الثقافة السكنية السابقة لعبت دورا في تكريس فكرة خاطئة تقول إن المساكن يجب أن تصمم على مساحات كبيرة وأن تكون مزودة بالخدمات المتكاملة وملاحق وحدائق وكراجات للسيارات، وهو الأمر الذي جعل الأزمة الإسكانية في السعودية تتفاقم بشكل كبير.
وطالب المطورون العقاريون بابتكار نماذج إسكانية تخلق قيمة مضافة، مثل الشقق ذات المساحة الكبيرة بحجم 200 متر، والشروع في أبحاث تدرس الاستفادة القصوى من الأراضي في مشاريع المساكن الاقتصادية.
في البداية قال المهندس مذكر القحطاني الخبير في تصميم وتنفيذ المنازل الاقتصادية إنه في ظل الأزمة الحالية للإسكان أصبح من الضروري إيجاد الخيارات والحلول الملائمة لتيسير عملية تملك الأفراد للسكن وتوفير منزل مناسب بتكلفة اقتصادية يراعي جميع الاحتياجات لذوي الدخل المتوسط ويمكن إنجازه بأسرع وقت ممكن من التقنيات والمواد المتوافرة.
وبين المهندس القحطاني أن التعريف بأهمية تحديد الأهداف والأولويات عند تصميم المنزل وكيفية الاستفادة من التخطيط لبنائه هو ما سيوجد منزلا اقتصاديا يوفي متطلبات الشخص دون النظر إلى الاستثمار لأن ذلك من شأنه أن يزيد من الأعباء دون الفائدة من الاستثمار، كما أن في ذلك تقليل من تكاليف البناء المرهقة، وتوجيه مواردها إلى أشياء أخرى قد تكون في غاية الأهمية، مشيرا إلى أن إيجاد المسكن الاقتصادي يتطلب إلغاء أو تقليص بعض المرافق المنزلية التي اعتدنا عليها، وكذلك مساحاتها كمساحة الأرض، وعدد ومساحات مجالس وصالات الجلوس، كما يتطلب النظر في تصاميم البناء وعدد الأدوار، وتبعا لكل ذلك ستتأثر أساليب المعيشة والحياة.
وذكر المهندس القحطاني أن التخطيط ووضوح الهدف يعد من الأشياء الأساسية، مضيفا ''قابلت الكثير من الراغبين في البناء ووجدت أنه ليس لديهم هدف واضح لامتلاك سكن، وإن وجد الهدف فهو هدف لا يتبعه تخطيط وتنفيذ. وهناك تجارب واقعية لشباب ليس بينهم فروقات مادية أو عقلية كبيرة وتجد بعضهم يملك منزلا بل ربما تجارة واستثمارا والآخرين يستدينون لآخر الشهر. فما هو السبب ؟ في اعتقادي أن ذلك لعدم وجود التخطيط وتحديد الهدف ثم السعي الدؤوب لتحقيقه''.
وشدد المهندس القحطاني على أن العامل الهندسي له تأثير كبير في عملية ارتفاع التكاليف والتي من أبرزها التصميم المعماري وهو تحويل المتطلبات الوظيفية إلى فراغات وأشكال معمارية ذات علاقة تكاملية فيما بينها، مشيرا إلى أن هذه الفراغات إما أنها نتيجة تصمم بناءً على تحليل وظيفي (دراسات الهندسة القيمية)، أو تصميم وفق مؤثرات أخرى قد تكون شخصية أو اجتماعية أو ثقافية وهنا مكمن الارتفاع في التكلفة، كما أن الفصل التام داخل المسكن بين الرجال والنساء أثناء التصميم بقواطع ثابتة تترتب عليه زيادة في المساحات والمواد، ويمكن معالجة ذلك الفصل بطرق إبداعية كثيرة وابتكارات جديدة تراعي الوظيفة وزمن احتياجاتها مما يترتب عليه تخفيض التكاليف، يضاف إلى ما سبق استيراد أنماط داخلية من بيئات مختلفة ومجتمعات متعددة لمحاولة إضفاء لمسات جمالية على المسكن من دون أدنى تحليل في ضوء واقع التصميم وبيئته فتزيد من التكلفة ولا تحقق الهدف.
من جهته قال الدكتور محمد إدريس المتخصص في التصاميم العمرانية إن المسكن يعد من أهم الأولويات التي تشغل بال الإنسان إن لم تكن أهمها، وفي وقتنا الحالي أصبح الحصول على مسكن مناسب يلبي احتياجات الأسرة من الصعوبة بمكان، نظراً للظروف الاقتصادية المتقلبة، والارتفاع المتسارع في أسعار الأراضي، إضافة إلى التعقيدات، والعادات والتقاليد التي زادت في تكلفة المسكن، وغالباً تكون المشكلةً في عدم ملاءمة أساليب تقسيمات الأراضي للظروف البيئية والاجتماعية والاقتصادية، إنشاء مسكن يزيد على حاجة الأسرة الفعلية، وعدم اختيار مواد البناء المناسبة التي تتحمل الظروف البيئية الصعبة والإصرار على استخدام مواد لا تتناسب مع البيئة المحلية على الرغم من تكلفتها المرتفعة، وتلعب كفاءة المصمم والمطور المتدنية دوراً مهماً في تفعيل المشكلة، ومع التطور الذي يشهده العالم والذي يتزامن مع المشاكل الاقتصادية بدأت العديد من الدول المتقدمة في التركيز على تحقيق فكرة المسكن الاقتصادي وظهرت العديد من الأفكار والنظريات في هذا المجال.
وبين الدكتور إدريس أن من أهم الحلول في تخفيض تكاليف المنزل هو البساطة في التصميم والبعد عن التصاميم المعقدة، والتي تحتاج إلى مهارات ومواد خاصة للتنفيذ مع المحافظة على حجم المسكن المناسب بتوفير الفراغات اللازمة،المرونة والاعتماد على المرحلية في التشييد بما يتناسب مع ظروف الأسرة والتركيز على التوسع الرأسي للمسكن، والاعتماد على نظام الحوائط الحاملة في تشييد المساكن الصغيرة، واستخدام مواد البناء المحلية ومواد التشطيبات المعروفة والتي تتناسب مع البيئة المحيطة ولا تحتاج إلى صيانة مستمرة، تجميع الخدمات (دورات المياه والمطبخ) مما يساعد على خفض تكاليف التمديدات الصحية مع التركيز على استخدام مواد التمديدات الأصلية، والأدوات الصحية المعروفة، والاعتماد على الإضاءة والتهوية الطبيعية بتنظيم وضع الفتحات في الموقع المناسب وبالمساحات المناسبة، مع إمكانية استخدام أبراج التهوية التقليدية إن أمكن، تقليل المناطق المفتوحة في المسكن والمعرضة للظروف البيئية المتقلبة لعدم الاستفادة منها، وتقليل نقاط الإضاءة الصناعية وتوزيعها بما يضمن تحقيق القدر المناسب من الإضاءة لجميع أجزاء المسكن، وتجميع المفاتيح والمخارج في نقاط متقاربة للتقليل من التمديدات الكهربائية، والبساطة في أعمال التصميم الداخلي واختيار الفرش البسيط والمناسب والاعتماد على الأثاث سهل التحريك والصيانة، واختيار المقاول المناسب مع التركيز على الاستفادة من عقود المصنعية والتي تساعد على خفض تكاليف التشييد بقدر كبير، وترفع جودة التنفيذ والتشطيب لمسؤولية المطور في توريد المواد.
هذا وقد أطلقت مجموعة من المهندسين السعوديين مبادرة أهلية تحت عنوان ''تصاميمي'' تهدف إلى تقديم تصاميم هندسية لمنازل اقتصادية بأسعار مجانية للشباب حديثي الزواج وذوي الدخل المحدود، وذلك بهدف التيسير عليهم، والحد من ظاهرة ''مهندسي الشنطة'' المتجولين قليلي الخبرة، والذين غالبًا ما يلجأ إليهم الشباب لرخص أسعارهم.
ومن المتوقع أن ينمو قطاع الإسكان بنحو 5 في المائة سنوياً، وأن يصل عدد الوحدات السكنية المطلوبة لغاية سنة 2025م نحو أربعة ملايين وحدة سكنية، وجدير بالذكر أن مجمل متطلبات تمويل الإسكان في المملكة لسنة واحدة قد يصل إلى نحو 117 ألف مليون ريال و63 في المائة من السكان يسكنون في مناطق مكة والرياض والشرقية ، كما أن معالجة مشكلة الفقر وإسهام القطاع الخاص من أبرز الحلول لمشكلة الإسكان.