"المقاطعة" تهز الدنمارك ... وهولندا تتراجع
رجال اعمال كوبنهاغن يصرخون بوجه حكومتهم واعلامهم : اعتذروا للمسلمين
شكلت ثقافة «المقاطعة» التي تبلورت في الفكر الجمعي العربي والإسلامي في السنوات الأخيرة، سلاحا فعالا ووسيلة ناجعة للرد من خلالها على افتراءات وإساءات الغرب للدين الإسلامي ورموزه الدينية، وعلى الرغم من كونها اضعف الإيمان في سياقات مواجهة الصلف والعنت الغربي الذي يسعى لإشعال صراع الحضارات تحت ضغوط «المسيحية المتصهينة» التي تشهد انتشارا واسعا في الغرب، إلا أنها أثرت ولا تزال في الدول التي تتعمد الإساءة لديننا ورسولنا الأكرم «صلى الله عليه وسلم».
فالمعلومات التي وصلت «الحقيقة الدولية» ونشرتها تباعا عبر نوافذها الإعلامية، والمعلومات التي نشرتها وسائل الإعلام المنضوية تحت راية الدفاع عن رسولنا الأكرم في حملة «رسول الله يوحدنا» ألمحت بكل وضوح إلى مدى تأثير هذا السلاح الفعال الذي يكاد يكون الوحيد الذي نملكه وسط حالة الضعف والتشتت التي يعشيها عالمنا العربي والإسلامي والارتهان المعيب للغرب.
التاثير في داخل المجتمع الدنماركي
فقد أثارت «المقاطعة» العربية والإسلامية للدنمارك على اثر إعادة 17 صحيفة دنماركية نشر الرسوم المسيئة لرسولنا الأكرم «صلى الله عليه وسلم» بقصد الإساءة، مواجهة ساخنة بين رجال الأعمال الذين احتجوا على ما اقترفته تلك الصحف من جريمة وبين حكومة بلادهم التي لم تتقدم خطوة واحدة تجاه إدانة الرسوم المسيئة لإنقاذ اقتصاد الدنمارك من الدمار.
وأعرب رئيس الغرفة التجارية في الدنمارك نيلس ديو ينسن عن أسفه لسياسة بلاده الخارجية وتعاملها مع أزمة الرسوم المسيئة للرسول متهما الحكومة بعدم إدراك مدى الأخطار التي تتعرض لها التجارة الدنماركية الخارجية وخاصة مع الدول الإسلامية ومنطقة الخليج بشكل خاص.
وكانت حملة رسول الله يوحدنا وزعت مؤخرا نصف مليون ملصق تدعو المواطنين في الأردن إلى مقاطعة المنتجات الدنماركية احتجاجا على إعادة 17 صحيفة دنماركية نشر رسوم كاريكاتورية اعتبرت مسيئة للرسول بعد أن بلغها من مصادرها في الدنمارك بان مصانع أغلقت خطوط إنتاجها بسبب تلك المقاطعة التي انتشرت في البلاد العربية والإسلامية.
وقالت مصادر «الحقيقة الدولية» في الدنمارك ان وزارة الخارجية هناك أنشأت غرفة طوارئ لرصد تأثير حملة «رسول الله يوحدنا» خاصة والمبادرات الأخرى في الدول العربية والإسلامية التي أنشئت عقب نشر الرسوم المسيئة في صحف بلادها وذلك بهدف التحرك السريع بالاتجاهات التي تضرها لاسيما الاقتصادية.
سلاح فعال ومؤثر
وتأكيدا على أن المقاطعة بدأت تضرب الاقتصاد الدنماركي في مقتل، بين ديو ينسن في تصريحات صحفية أن «حرية الرأي والفكر وديمقراطية الدنمارك يجب أن تخضع للمحاسبة، وحياة الرفاهية التي يعيشها الشعب الدنماركي سببها نجاح التجارة الخارجية للشركات الدنماركية ودخولها السوق الإسلامية بشكل كبير ولكن أزمة الرسوم تكاد تقصم ظهور أكبر الشركات الدنماركية متأثرة بسياسة الدنمارك الخارجية».
ودعا رئيس الغرفة التجارية «الحكومة والأحزاب التي تقف مع المبادئ والقيم ضد مشاعر المسلمين إلى إنهاء الأزمة برمتها وفتح صفحة جديدة مع الدول الإسلامية على أساس الاحترام المتبادل بينها» معبرا عن قلقه من خسارة السوق الإسلامية إثر تصاعد لهجة العنصرية في الدنمارك ضد الإسلام.
وكانت قضية الرسوم المسيئة للنبي صلى الله عليه وسلم سيطرت بشكل كامل على أعمال مؤتمر خاص رعته الحكومة الدنماركية عن الديمقراطية، خاصة بعد ان وجه رئيس الغرفة التجارية الدنماركية انتقادات حادة للقادة السياسيين بسبب دفاعهم عن هذه الرسوم التي كبدت الدنمارك خسائر فادحة، جراء المقاطعة العربية والإسلامية للمنتجات الدنماركية.
ونتيجة معارضة قيادات تجارية دنماركية لنشر الرسوم المسيئة للنبي محمد صلى الله عليه وسلم فقد اضطر منظمو هذا المؤتمر الذي عقد في مقر البرلمان الدنماركي، برئاسة وزير الخارجية بيير ستيغ موللر ومشاركة وزير التعليم والتربية بيرتل هاردر ووزير الثقافة بريان مايكلسن لتعريف المجتمع والمهاجرين بديمقراطية الدنمارك وأوروبا بشكل عام إلى إزالة الرسوم المسيئة للرسول «صلى الله عليه وسلم».
ويشار إلى أن الخبير القضائي في جامعة كوبنهاجن هن*** كوش انسحب من رئاسة المؤتمر اعتراضا على إثارة موضوع الرسوم المسيئة للرسول «صلى الله عليه وسلم» مطالبا بألا تستعمل هذه القضية كحصان طروادة ضد الإسلام والمسلمين.
مخاوف كبيرة
وأثارت المقاطعة الشعبية في الدول الإسلامية للبضائع الدنماركية موجة خوف بين الشركات الدنماركية الكبرى وعلى رأسها شركة آرلا للمواد الغذائية التي بدأت تتحسس سلبيات المقاطعة.
وقالت مديرة المبيعات الخارجية للشركة أستريد غاده نيلسن إننا نعتقد أن المقاطعة الشعبية ستدوم طويلاً وستكون أكثر تأثيراً على منتجاتنا في الشرق الأوسط والخليج العربي بشكل خاص. وأعربت عن قلقها واستيائها من حرية الرأي في الدنمارك التي تدفع ثمنها شركات تجارية.
وفي سياق متصل، أبدى الرسام الكاريكاتيري صاحب الرسم المسيء للرسول كورت ويسترجورد فرحته بعد أن قضت محكمة خاصة في مدينة أولبورج الدنماركية حكماً بعدم السماح للمنظمة المناهضة للإسلام «أوقفوا أسلمة الدنماركيين» باستعمال الرسم في مظاهراتها.
واعتبر القاضي أن الرسم ملكية خاصة وسيستعمل بشكل عنصري وغير أخلاقي. كما أصدر حكماً ضد المنظمة بإزالة الرسم من موقعها الإلكتروني وكل رسم يسيء للإسلام، وهو ما رفضه زعيم المنظمة أندرياس جرافرس.
وقال الرسام كورت تعليقا على قرار المحكمة «إنني لا أريد أن أكون سجيناً مدى الحياة بسبب عنصرية بعض المنظمات واستعمال رسمي في الكراهية والحقد ضد الإسلام».
الدنمارك تتودد للدول العربية
وفي خطوة وصفها مراقبون بالرشوة للمسلمين وحفظ ماء الوجه، أعلن السفير الدانماركي في لبنان يان توب كريستنسن عن تخصيص بلاده مبلغ مليون دولار أميركي إضافية مساهمة جديدة للعام 2008 في عملية نزع القنابل العنقودية من جنوب لبنان، ليصبح بذلك مجموع مساهمتها ثلاثة ملايين دولار.
وخلال مؤتمر صحافي عقده في مركز التنسيق لنزع الألغام في صور جنوب لبنان، رأى السفير الدنماركي أن الرسوم المسيئة للنبي محمد صلى الله عليه وسلم «عمل فردي قام به مواطن دنماركي وهي لا تنبع من دولته الدنمارك وليست موجهة ضد الإسلام، والدنمارك تساعد العالم الإسلامي إن كان في غزة وفي جنوب لبنان، وما حصل لا يعكس طبيعة الشعب الدنماركي وليس المقصود منه الإساءة إلى الإسلام» مشيرا إلى أن «التعبير عن الذي حصل يجب أن يتم بغير الطريقة التي عبر عنها، فيجب أن يتم بطريقة حضارية مدنية من أجل وصول الرسالة بشكل أوضح».
ولفت إلى أن بلاده و «منذ العام 2006، ساهمت في عملية إعادة الأعمار في الجنوب اللبناني عبر العديد من الجمعيات الدنماركية وساعدت من هم أكثر حاجة إلى استرجاع حياتهم الطبيعية».
هولندا تتراجع تخوفا من المقاطعة
وفي هولندا أشارت المعلومات التي حصلت عليها «الحقيقة الدولية» من خلال مصادرها، أن الحكومة الهولندية أجبرت السياسي الهولندي اليميني المتطرف «جيرت فيلدرز» على التخلي عن خططه لعرض فيلم أنتجه بنفسه يهاجم الإسلام باعتباره «دينا فاشيا ومتخلفا» وفق رأيه، كان من المفترض أن يعرضه في مؤتمر دولي.
وقد رفضت وسائل الإعلام المرئية في هولندا عرض الفيلم، البالغة مدته نحو 15 دقيقة.
وكانت الحكومة الهولندية قد رفعت حالة التأهب تحسبا لوقوع هجمات «إرهابية» وذلك قبيل عرض الفيلم الذي يتهجم على الدين الإسلامي.
وسبق لفيلدرز أن قال إن الفيلم يحمل عنوان «الفتنة» ويهدف لإظهار أن القرآن «يدعو إلى الإرهاب والقتل وعدم التسامح».
وتقول إحدى الصحف الهولندية التي شاهدت مقاطع من الفيلم إنه يبدأ بصورة للقرآن، ثم يظهر بعض الفظائع التي وقعت في الدول الإسلامية التي يعتقد فيلدرز أنها كانت بإيحاء مما جاء في النصوص القرآنية.
يذكر أن فيلدرز يتمتع بحماية الشرطة الهولندية منذ مقتل المخرج الهولندي ثيو فان جوخ على يد مسلم عام 2004، بعد أن اخرج فيلما آخر معاديا للإسلام.
خسائر الدنمارك من المقاطعة 3 مليارات دولار
وتوقعت غرفة التجارة الدنماركية أن تصل الخسائر الناتجة عن المقاطعة الإسلامية لبضائعها إلى 3 مليارات دولار وفقدان 20 ألف وظيفة.
وقال نائب مدير مركز الدراسات للتجارة بيتر أوتسن إن معظم التجارة الخارجية للدنمارك والدول الأوروبية لا يعلم السياسيون عن حجمها الفعلي ولا أين تذهب، مشيراً إلى أن 10 مليارات دولار تأتي من تجارة تخضع لحماية المستورد والمصدر ولا يعلن عنها، ومعظم هذه الأرباح تأتي من السوق الإسلامية.
من جهة أخرى، اتهمت منظمة «الصوت اليهودي الآخر» في هولندا منتج فيلم الفتنة المهين للقرآن الكريم جريث فيلدرز بالعنصرية، وقالت إن ما يفعله الآن لا يقل في شيء عن العداء للسامية بمساسه بمقدسات إسلامية.
وقالت المنظمة التي تعرف بالاعتدال ومواقفها الحيادية الداعمة للحق الفلسطيني إزاء صراعها مع إسرائيل «إن تطاول فيلدرز على الإسلام ليس إلا جريمة عنصرية، ولو حدث وتطاول فيلدرز على اليهودية لاتهم بمعادة السامية، وما يفعله الآن لا يقل في شيء عن العداء للسامية بمساسه بمقدسات إسلامية».
وأكد عضو المنظمة ومعد البرامج الإعلامية هاري ديفنتر في الصفحة الأولى من صحيفة «فولكس كرانت» الواسعة الانتشار، باسم المنظمة «إن فيلدرز لو تطاول على اليهودية لما هدأت الثورة ضده طوال الوقت لمعاداته السامية».
وأضاف «بعيدا عن الإعلان فإن ما يفعله فيلدرز الآن هو مقدمة لمحرقة إسلامية للمسلمين على غرار محرقة اليهود التي تعرضوا لها في الحرب العالمية الثانية، فقد سبق الهولوكوست تصريحات وتحركات ضد اليهود والتوراة في الثلاثينات، تتشابه مع ما يفعله فيلدرز الآن ضد القرآن وتشبيهه له بالفاشية، وهو ما سيؤدى إلى حدوث مثل ما حدث مع اليهود.
وطالب ديفنتر اليهود بالتضامن مع المسلمين لحماية كتابهم السماوي المقدس، وأن يستعيدوا بأذهانهم ما حدث لهم، والعمل على عدم تكراره مع غيرهم من المسلمين.
كما طالب المسلمين بإعطاء الأهمية لفتح الحوار مع الآخرين حول الإرهاب والتعايش السلمي.
من جهة أخرى، أكد 50 بالمائة من الشعب الهولندي عدم رغبتهم في مشاهدة الفيلم أو التعرف على الإساءات التي وردت به ضد القرآن، وقال الهولنديون في استطلاع للرأي أجرته مؤسسة موريس دي هوند للأبحاث، إنه رغم الدعاية والضجة المثارة حوله ليس لديهم نوايا حتى لمشاهدة الفيلم عبر موقع الإنترنت الذي سيعرضه، فيما أعلن 32 بالمائة فقط عن رغبتهم في مشاهدة الفيلم للتعرف على أسباب الغضب الإسلامي، وأبدى 12 بالمائة حيرتهم، ولم يحددوا موقفهم من مشاهدة الفيلم.
وأعربت الحكومة الهولندية عن قلقلها إزاء المقاطعة التي أعلنت في سلطنة عمان ضد المنتجات الهولندية إلى جانب الدنماركية، من قبل سلسلة شركات «الجديدة» العمانية، وذلك اعتراضا على فيلم «الفتنة» وقال دبلوماسي هولندي في لاهاي، إن اتساع رقعة المقاطعة التجارية لهولندا بصورة مبكرة وقبل عرض الفيلم، ينبئ بكارثة اقتصادية كبيرة خاصة على قطاع المنتجات الزراعية الهولندية، وعلى رأسها الألبان واللحوم.
والخسائر طالت مكاتب السياحة للتراجع الكبير في السياح الى الدول الاسلامية
المصدر : الحقيقة الدولية ـ خاص | 19.3.2008 |