نظام ساهر.. وأخطار مثبِّت السرعة
جاء نظام ساهر لرصد المخالفات المرورية جديداً على سلوكنا في قيادة السيارة، حيث تعوّدنا عدم وجود رقابة نهائياً، لذا كان التذمُّر من نظام ساهر مصحوباً بسوء تعامل مع هذا النظام الهادف أساساً إلى السيطرة النسبية على ارتفاع الحوادث، خصوصاً بسبب السرعة العالية، سواء داخل المدن أو على الطرقات الطويلة، ولأن الأرقام خير شاهد فإنها تؤكد أن هناك انخفاضاً في الحوادث المرورية خلال أول شهر تم فيه تطبيق هذا النظام، حيث كانت نسبة الانخفاض تقارب 20 في المائة، وهي النسبة ذاتها في خفض حالات السرعة الزائدة مقارنة بين الشهرين: السابق، لتطبيق النظام والأول من تطبيقه، ومن ثم فإن الانخفاض كان في عدد الحوادث وعدد مخالفات السرعة متقارباً جداً، ما يعني نجاح هذا النظام منذ أول شهر في تطبيقه.
وإذا كان الهدف من وجود نظام ساهر تحسين مستوى السلامة المرورية، فإن مضي ما يقارب العام على بدء هذا النظام يفرض مراجعة سريعة لكشف حسابنا معه، فالمستفيد الأول هو الإنسان، فقد انخفض معدل الوفيات، الذي نحتل فيه مركزاً متقدماً بفضل هذا الكم الهائل من المخالفات والتجاوزات المرورية، والتي نجح النظام في السيطرة عليها نسبياً، فالمخالفات والتجاوزات لنظام المرور والتعليمات سبب في وقوع الخسائر البشرية والمادية وتسجيل المخالفات مجرد وسيلة لوقفها ولردع من تساهل في حق الآخرين وعرّض أرواحهم وممتلكاتهم للخطر.
إن النتائج الميدانية خير شاهد، وهي إيجابية، لكن لا يزال تعامل الكثير من قائدي المركبات مع النظام يتسم بعدم الوعي، حيث ظهرت رغبة بعض قائدي المركبات في التعامل مع نظام ساهر تعاملاً آلياً بحتاً، وذلك بتثبيت السرعة آلياً في السيارة، وصاحب ذلك ظاهرة تقنية، وهي عدم استجابة السيارة لإيقاف مثبِّت السرعة عندما يرغب القائد في ذلك، ومع تكرار هذه الحالات في أكثر من منطقة وفي أنواع من السيارات اليابانية والأمريكية، فإن من المؤكد أن هناك مخاطرة قد يتعرّض لها أي قائد سيارة، وهي عدم السيطرة على السيارة تماماً، ما يعرّض حياته وحياة الآخر للخطر الجسيم ليتحول إلى مجرد راكب في آلة لا سيطرة له عليها، بل يحتاج إلى تدخل لإسعافه وإخراجه من هذا المأزق، حيث كان الإسعاف يقتصر على تدخل المرور أو رجال الأمن على الطرق للتحذير من سيارة تسير على غير هدى لإفساح الطريق أمامها حتى ينفد الوقود وتتوقف آلياً.
وإذا تصورنا خطورة الموقف وقدرة السائق ومَن معه في السيارة على تحمُّل هذا الموقف العصيب، فإن علينا مقارنته بمَن يتم اختطافه عنوة وإخضاعه لرحمة الخاطف، وهو في الواقع أهون، لأنه يمكن التفاوض مع خاطف ولا يمكن التحكم في سيارة تنطلق خبط عشواء بسبب خلل فني في صناعة نظام التحكم في سرعة المركبات، ومن هنا فإن الاعتماد على مثبِّت السرعة من الأخطار التي يجب تفاديها لأنها ليست عاملاً مساعداً على القيادة، بل هي مصدر خطر لا يمكن التنبؤ به ولا يمكن السيطرة عليه أو توقع نتائجه.
ومهما قدمت وكالات السيارات من طمأنة لقائدي السيارات، فإن هذا ليس أكثر من دعم للثقة بجودة صناعة نوع السيارة الذي يتم تسويقه، وهو موقف مبرر من الناحية التجارية، لكن من ناحية التعامل مع الخطر فإن الاعتماد الآلي على التوافق بين سرعة السيارة والسرعة المحدّدة نظاماً في غاية الخطورة والواقع أكبر شاهد وهو يفرض تغييراً في سلوك قائدي السيارات، وهو تغيير إيجابي ولن يكون مريحاً للبعض رغم إيجابيته، لأنه يعني وعي قائد المركبة تماماً وتفعيل التحكم البشري في السرعة وهي السبب الرئيس في معظم الحوادث المرورية ونتائجها المؤلمة من وفيات وإصابات وخسائر مادية.