السلام عليكم ورحمه الله وبركاته
قرات تجربه معلم مع قريه فى منتدى اخر وتحمست انى
افتح الموضوع نتناقش عن احوال المعلمات فى القرى
وياليت اللى معلمه لها تجربه تكتب تجربتها
او الى لها اخت او تعرف احد له تجربه مع التعليم فى القريه
تكتبهاوتبين السلبيات والايجابيات
وياليت يكون فى تفاعل
وهذى تجربه المعلم جزاه الله كل خير
نقلتها لكم
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته :
عندما تم تعييني قبل ثلاث سنوات تقريباً في عام 1428هـ لم أكن أعلم في أي منطقة سيكون التعيين ، الذي أعلمه أن اسمي قد ظهر مع المعينين رسمياً من قبل الوزارة .. أنهيت الإجراءات من وزارة الخدمة المدينة .. حيث سجلت رغبات المناطق العشر ، لم يتبقى لي سوى معرفة اسم المنطقة التي سيتم تعييني بها …
بدأ بعد ذلك مسلسل التوقعات والتكهنات ، فهذا يقول سوف يضعونك في نجران .. وهذا يقول لا أعتقد بأنهم سيضعونك في خرخير .. وآخر يقول لا أغلب التعيينات في الحدود الشمالية .. وهذا يقول : ” هل تريد أن أبيع عليك سيارة جيب شاص راح تنفعك إذا تعينت في منطقة نائية وجبلية “.. بدأت أفكر وأحدث نفسي يا ترى أين سيكون التعيين ؟؟
يمكن أتعين في منطقة نائية ..
لا .. يمكن أن أتعين في الشرقية أو جدة أو أحد المدن الرئيسية .. ويمكن أن أبقى في الرياض ..
أصبح تفكيري محصور في أين سيتم توجيهي ؟ تجدني أدخل موقع الوزارة كل ساعة لعل نتائج التوجيه قد ظهرت ..
أخيراً .. ظهرت نتائج التوجيه .. بدأت أبحث عن اسمي … وجدت الاسم : علي الخثعمي >>> تبوك ..
ناظرت ودققت النظر .. بالفعل التعيين في تبوك ..
تبوك ؟ تبوك ؟ لم تكن ضمن الرغبات .. ولكن الحمدلله ، على كل حال ..
لم أذهب لتبوك من قبل .. كل ما أعرفه عن تبوك أنها مدينة عسكرية تقع في شمال غرب المملكة ..
الحمد لله أن لي من الأقارب من يقطن تبوك ..
حزمت أمتعتي وتوجهت إلى تبوك .. أنهيت اجراءاتي في تبوك .. ثم عدت إلى نفس الموال .. أين سيتم توجيهي في أي مدرسة أو في أي محافظة [ تبوك – حقل – ضباء – تيماء – الوجه – أملج ] ..
وعند استلامي لخطاب المباشرة وجدت فيه ( مدرسة العنبة – قطاع تبوك ) قلت الحمدلله تعينت داخل تبوك ..
عليَّ الآن أن أتوجه إلى المدرسة ، ثم بدأت أسأل أقاربي و من له خبرة بمدينة تبوك عن هذه المدرسة الكل لا يعرف عنها شيئًا ..
ذهبت إلى الإدارة في المنطقة وسألتهم عن المدرسة ، قالوا المدرسة تبعد 120 كيلو عن مدينة تبوك .. في منطقة تُدعى ( الحرة ) ..
يا الله .. 120 كيلو .. نسأل الله الإعانة ..
هذه خريطة لمنطقة تبوك تبين محافظات وهجر تبوك – هجرة العنبة مؤشرة بسهم
( اضغط على الصورة للتكبير )
قلت في نفسي لعلي أجد سكن قريب من المدرسة .. لأن المسافة بعيدة بعض الشيء
ذهبت عصر ذلك اليوم لاستكشاف مكان المدرسة مع أحد الأقارب .. طال بنا الطريق ..
كان الطريق شبه خالي من السيارات ، لا يوجد شبكة للجوال .. لا وجود لمحطات الوقود باستثناء محطة واحدة عند بداية الطريق .. مررنا بهجرة واحدة وهي هجرة البديعة .. كانت هجرة متواضعة بها عدد قليل من البيوت ..
وصلنا أخيراً إلى المدرسة [ مدرسة العنبة ] ..
المدرسة ليست على نفس الطريق .. اضطررنا إلى أن ننزل بالسيارة .. وكان الطريق وعراً بعض الشيء ..
المدرسة وحيدة في أرضٍ فضاءْ ، تحيط بها بعض الغُرف التي هجرها أصحابها منذ زمن ..
المدرسة ليس بها شيء من مقومات الحياة .. لا كهرباء .. لا جوال .. لا سكان .. لا محطات .. لا دكاكين ..
أنت في منطقة مقطوعة عن الخدمات ..
عُدت إلى تبوك و أنا أحدث نفسي .. هل سأسلك هذا الطريق الطويل يومياً ؟ من سيتحمل هذا الطريق ؟ كان الله في عوني على هذه المسافة يومياً ..
وفي أول يومٍ من العمل .. تفاجئت .. بعدد الطلاب وبعدد المعلمين ..
المعلمين في المدرسة .. أربعة
وعدد الطلاب لجميع المراحل والفصول .. 9 طلاب في السنة الأولى لي بالمدرسة .. في السنة الثانية 12 .. والسنة الثالثة 18 طالباً ..
نظام الحصص في الفصل بنظام الدمج .. أي كل فصلين في فصل واحد تُقسم الحصة بين الفصلين ، الصف الأول والثاني في فصل ..الصف الثالث والرابع في فصل .. الصف السادس في فصل .. لم يكن في تلك السنة – طلاب في الصف الخامس ..
بصراحة لم أكن أتوقع أنه لا يزال هناك ، من يعيش بمعزل عن العالم .. اندهشت عندما رأيت الطلاب للوهلة الأولى .. أثياب ممزقة .. بدون حذاء أكرمكم الله .. تعلوا محياهم البسمة والبراءة والخجل .. أكسبتهم الشمس والرياح .. لوناً مميزاً لن تجده في أولاد المدينة المرفهين ..
أطفال على الفطرة .. لا يعرف إلا بيت الشعر و ماشيته التي يرعاها ويهتم بها ، وما يحيط ببيئته فقط .. لم تدخل الفضائيات والألعاب إلى عقولهم الصافية ..
كم كنت أغبطهم على هذه العيشة .. بعيداً عن ضوضاء المدينة وصخبها .. لا هم ولا غم .. الروابط بين القبيلة قوية ومتينة .. لم تفككها الشكليات والمجاملات ..
أهل المنطقة كلهم من قبيلة بني عطية .. كلهم أُناسٌ طيبون .. أصحاب نخوة وشهامة .. ولم نرى منهم إلا كل الطيب والتقدير ..
أما الطلاب فيعلم الله كم كنا نتعب في تدريسهم .. فالتعليم منصب داخل المدرسة فقط .. فجانب البيت معدوم تماماً لأن أغلب أولياء الأمور لا يجيدوا القراءة والكتابة .. عندما نكلفهم ببعض الواجبات فالطالب يذهب بالدفتر ولكنه لا يعود به .. وعندما تسأله أين الواجب ؟ يقول ( انهرط الدفتر يا استاذ ) أي تشقق وبعضهم يقول : أكلته الماعز ..فأصبحنا نطلب منهم حل الواجب داخل المدرسة ..
والمشكلة عندما نشرح لهم عن شيء لا يعرفونه أو غير موجود في بيئتهم .. فإنا نجد صعوبة في توصيل المعلومة إليهم .. فمرة كان عندي في القراءة درس اسمه ” بلادي ” .. بدأت أشرح للطلاب عن بلادي واسمها المملكة العربية السعودية ونحن سعوديون .. وهكذا .. أتظنون أن الطلاب يعلمون ما معنى ” المملكة العربية السعودية ” أو مامعنى ” سعودي ” لا يعلمون البتة .. فعندما كنت أقول لهم نحن سعوديون وأنت يافلان سعودي يرد عليَّ قائلاً لا يا أستاذ أنا لست سعودي أنا ” عطوي ” …
حتى مدن المملكة لا يعرفون منها شيء حتى مكة المكرمة لا يعرفونها .. يعرفون مدينة واحدة فقط وهي [ تبوك ] لأنهم يسمعونها من أولياء أمورهم ..
وكيف لهم أن يعرفوا ، وهم عاشوا بمعزل عن أي مصدر من مصادر الثقافة أو المعرفة .. وهنا يأتي دورنا نحن ..المعلمين ..
كنا أربعة مدرسين في كل يوم نذهب بسيارة واحدة نجتمع في مكان ثم نذهب إلى المدرسة سوية .. أغلبنا ينام حتى يصل المدرسة .. وفي العودة نحاول أن نسلي بعضنا في الطريق .. ببعض السوالف والمزاح .. و لم نبقي موضوع على وجه الأرض إلى وتحدثنا عنه .. في بعض الأحيان نتمازح ونتخاصم .. حتى المساجلات الشعرية .. هذا يبدأ بقصيدة وهذا يرد .. وكل هذا لكي لا نُحس بالوقت ، فالطريق طويل وممل .. وكنت أعود إلى البيت و أنا منهك من الطريق ، وأحس بغثيان فظيع .. حتى إني أصبحت أستعمل حبوب تمنع الغثيان في الصباح .. لأن الطريق مرتفعات ومنخفضات ..
في كل يوم نواجه في الطريق .. إبل .. وحمير – أكرمكم الله – وماشية ، وكان الله سبحانه يقينا شرها ..
أما الحوادث فقد باشرنا ثلاث حوادث بأنفسنا .. أحد هذه الحوادث كان لباص معلمات .. والحمد لله سلم الجميع باستثناء أحد المعلمات التي أصابها بعض الكسور .. ولكن المعلمات قد أصابهن الهلع والخوف فبدؤوا بالصياح والبكاء ..
أما الحادث الآخر والذي لن أنساه طيلة حياتي .. فقد أثر في نفسي أثر بالغ .. حتى أني عزمت على ترك العمل في المدرسة وعدم الدوام ..
فقد كنا عائدين من المدرسة بسيارتي .. وفي منتصف الطريق إذا بجيب ( شاص ) يتقلب في الهواء أمام أعيننا في الجانب الآخر ثم استقر على جانب الطريق .. أوقفت السيارة وهرعنا إلى الجيب ، خرج رجلٌ من السيارة ثم اتجه إلى مكان الراكب ، عندها وجدنا امرأة داخل السيارة أخرجناها .. وعندما أخرجناها .. لم نُميز وجهها من الدم الذي يُغطيه ، وكأن وجهها قد قُطع بالسكين .. غطينا وجه الأم وكانت كبيرة في العمر .. انصدمت عندما رأيت وجه الأم المسكينة و انصدمت أكثر عندما شاهدت الرجل يبكي على صدر أمه ، وينادي عليها .. حاولنا أن نهدئ من روعه .. ولكنه لم يستجيب لنا .. طبعاً الأم فارقت الحياة ..رحمها الله .. ونحن علمنا بذلك .. ولكنا نقول للرجل أن أمك لا زالت حية .. وسيأتي الإسعاف ويأخذها ..
المشكلة أن الطريق ليس به تغطية جوال .. وتبوك لازالت بعيدة عنا .. وأقرب مركز أسعاف هو إسعاف البديعة .. قام أحد الأشخاص والذي باشر الحادث معنا بالإسراع إلى مركز البديعة لإخباره .. يبعد 35 كيلو تقريباً ..
بدء لعاب الرجل بالسيلان ، ينظر إلينا تارة ، ثم يضع أذنه على صدر أمه تارة .. ويقول ” أمي ما ماتت ،لا لا أمي حية ” ، منظر مؤثر جداً ، يرى أمه أمامه ملقاة على الأرض .. والدم يغطيها ..
لكم أن تسألوني عن شعوري في ذلك الوقت ، تمنيت أني لم أذهب للعمل ذالك اليوم .. تمنيت أني لم أشاهد هذه الحالة .. عدت إلى البيت وأنا أبكي .. أصبحت أتخيل صورة وجه الأم في كل أرجاء البيت .. لم أذهب إلى المدرسة لمدة يومين .. ولكن الحمدلله .. كلنا سنموت في حادث أو في غيره .. أسأل الله أن يرحمها رحمة واسعة ..
المدرسة كانت تقع في منطقة مرتفعة .. وأفضل شيء عندما يهطل علينا المطر ونحن في الطريق .. فالجو رائع ..
وفي إحدى المرات ، ونحن في الطريق إذا بالثلوج تنزل علينا ، وأصبح الشارع مغطى بالثلج وكذلك الجبال .. وكأنك في أحد الدول الأوربية ..و كدنا نموت من شدة البرد حيث لمن نأخذ حيطتنا من الملابس ..
وهذه اليوم من أحلى الأيام التي رأيتها في المدرسة ..
بالإضافة إلى أن البرد هناك قارس ، فلم أرى في حياتي أشد من هذا البرد ، فقد كنا نلبس بجامة صوف و ثوب ملون ، وفروة ، وقفازات ، وشرابين .. ومع ذلك كأننا متجردين من الملابس ، وكأننا في فريزر .. حيث لا يوجد في المدرسة كهرباء لتشغيل أجهزة التدفئة ،يوجد موتور كهرباء يعمل بالديزل ولكنه سرعان ما يتعطل ..
الأحداث في تبوك كثيرة سأذكر بعضاً منها : في تبوك فقد سُرق جوالي من يدي في إحدى المكتبات عندما أخرجته من جيبي .. وكذلك سُرقت سيارتي ،على الرغم من وجود إنذار بداخلها .. بعد أن وجدتها وضعت فيها ( فاصل ) في أماكن لن تخطر على بال .. لأني كنت أعلم بأنهم سوف يعودون إليها مرة أخرى .. وبالفعل .. كُسِر زجاج السيارة مرتين .. وفتحت أكثر من مرة .. حتى أنه أصبح عندي شيء عادي .. وفي الأخير وبعد عجزهم عن سرقتها .. قاموا بتقطيع الظفائر الخاصة بالكهرباء ، و خلع جهاز الإنذار منها .. بعدها كرهت السيارة ثم قمت ببيعها ..
الناس في تبوك اجتماعيين أكثر ، قد تحتم عليهم الغربة ذلك ، لأن الأغلبية ليسوا من أهل المنطقة .. و أغلب سكان تبوك يعملون في القطاع العسكري ، حيث كنت الوحيد المدني بين من أعرفهم في تبوك ، وعند زيارتهم أو الجلوس معهم ، تجدهم يتحدثون بإسهاب عن العسكرية وما يلاقونه وما يواجهونه ..حتى أني أُصاب بالنعاس عند حديثهم ..
مرت السنة الأولى .. ولم أتقدم إلى حركة النقل الخارجي ، وفي السنة الثانية تقدمت لحركة النقل .. ولم يتم نقلي .. و في السنة الثالثة تقدمت إلى الحركة .. و الحمد لله تم نقلي إلى الرياض .. بتوفيق من الله .
على قدر ما فرحت بالنقل إلى المدينة التي أحبها والتي عشت فيها معظم حياتي .. على قدر ما حزنت على مفارقتي لمدينة تبوك .. وكلها أيام وسأغادر بمشيئة الله تعالى مدينة تبوك ..
عندما أخبرت زملائي و أقاربي بأني قد نقلت إلى مدينة الرياض ، قالو لي ماذا تريد بالرياض ؟
فالرياض = زحمة في الشوارع والأسواق المدارس الدوائر الحكومية .. حتى عند الخباز ،أضف إلى جوه السيئ فأنت تشاهد في اليوم الواحد جميع الفصول .. وستواجه الضغط الشديد في المدارس ، أنت يا علي مثل الذي يأخذ الججر ويضرب به رأسه ..
على الرغم من هذه العيوب .. إلا أن للرياض في قلبي مكان .. أمي وأبي في الرياض حفظهما الله ، عشت طفولتي في الرياض ، ودرست جميع المراحل في الرياض .. عانيت من العطالة في الرياض .. خضت تجارب عديدة في الرياض .. تعرفت على أصدقاء أعزهم في الرياض .. يكفي أنها مستودع لبقايا ذكريات خالدة في ذاكرتي ..
في تبوك اكتسبت خبرات عديدة ، وتعرفت على أشياء لم أكن أعرفها .. تعرفت على أشخاص ، وتعرفت على عادات وتقاليد أخرى لم أكن أعرفها ..
إلى اللقاء .. طلابي .. فكم أحبكم وكم سأشتاق إليكم .. أسأل الله لكم التوفيق
إلى اللقاء .. مدرستي .. مدرسة العنبة فقد قضيت فيك أوقات لن أنساها ..
إلى اللقاء .. طريق الحرة .. فكم شاهدت فيك من أحداث ..
إلى اللقاء .. زملائي .. أ.عبدالرحمن ، أ.محمد ، أ.مساعد ، أ.سامي ، أ.أنور .. شكراً لمدرسة العنبة التي عرفتني بكم .
إلى اللقاء .. أبو عمر .. فكم سأشتاق إليكم و إلى عمر .. وكم سيؤثر فراقكم في نفسي .. فشكراً لك على فضائلك علي التي لن تُنسى ..
إلى اللقاء .. لكل من ربطتني به علاقة طيبة في تبوك .. أنتم في القلب .. ولن أنساكم ..
انتهى
منقووول