البقرة المصرية الضاحكة والجنية العمانية الخاطفة
[align=center]
البقرة المصرية الضاحكة والجنية العمانية الخاطفة
لا يمكن أن نتجاهل مدى تأثير وسائل الإعلام على الناس خاصة وسائل الاتصال الحديثة في شبكة النت التي حققت قفزة كبيرة في مجال التواصل وتوصيل الأخبار أولا بأول بحيث تصل إلى المتلقي بسرعة فائقة وبدون حدود وربما بدون مصداقية
ويرى أساتذة الإعلام أن الجمهور المتلقي ينقسم إلى ثلاثة أقسام الأول هو الفئة القائدة وهي التي تؤثر على وسائل الإعلام، والفئة المثقفة وهي التي تؤثر على الإعلام وتتأثر به، ثم تأتي الفئة الثالثة وهي الفئة التي تتأثر بكل ما يأتي من الإعلام وتؤمن إيمانا تاما بأنه الحقيقة وتوصف هذه الفئة بأنها فئة الدهماء، ويبدو أن الغالبية الكبرى من المتلقين العرب من الفئة الثالثة، ودليلي على ذلك هو أن الكاتب محمد حسنين هيكل ينشر الآن كتابا عن فترة حكم الرئيس المصري السابق حسني مبارك على حلقات في جريدة الشروق المصرية تحت عنوان ( مبارك وزمانه .. من المنصة إلى الميدان )، إلا أن موقع دنيا الوطن الذي له متابعون كثيرون في النت ذكر في عنوان عريض أن هيكل يتساؤل في كتاب جديد كيف استطاعت البقرة الضاحكة أن تحكم مصر 30 عاما ؟! وورد في التفاصيل بعد العنوان الإسم الحقيقي للكتاب، وفي المقدمة يقول هيكل عن الصورة التي انطبعت في أذهان الناس عن الرئيس مبارك : إذا أخذنا الصورة الأولى للرجل كما شاعت أول ظهوره، وهي تشبهه بـ"البقرة الضاحكة" إذن فكيف استطاعت بقرة ضاحكة أن تحكم مصر 30 سنة؟!!
ثم يتساءل هيكل: وإذا أخذنا الصورة الأكثر بهاء والتي قدمت الرجل إلى الساحة المصرية والعربية بعد حرب أكتوبر باعتباره قائدا لما وصف "بالضربة الجوية"..إذن فكيف تهاوت الأسطورة إلى تلك الصورة التي رأيناها في المشهد الأخير له على الساحة، بظهوره ممددا على سرير طبي وراء جدران قفص في محكمة جنايات مصرية، مبالغا في إظهار ضعفه؟! بما يعني أن هيكل نقل انطباع المصريين عن رئيسهم وهو الانبطاع الذي شاع في الوطن العربي كله من الثمانينات
وعند تصفحي ومتابعتي لكل التعليقات المنشورة في الموقع رأيت أن كل المعلقين نسوا ما جاء في المقال وركزوا فقط على كلمة البقرة الضاحكة مما يدل فعلا أن هناك الكثيرين يتأثرون فقط بما يأتي في الإعلام وكأنه من المسلمات وينسون الجوهر، كما أن تشكيل هؤلاء الناس من السهولة بمكان ولكن الأغرب من ذلك أن يردّ على الأستاذ هيكل صالح قلاب وهو وزير إعلام أردني سابق وينشر مقالا في إحدى الصحف العربية منتقدا هيكل ومنتقدا كتابه الجديد المسمى بالبقرة الضاحكة مما يعني أن الوزير نفسه لم يقرأ إلا العنوان في ذلك الموقع وهذا يطرح سؤالا كيف كان هذا الرجل وزيرا للإعلام إذا كان اكتفى فقط بقراءة عنوان مقال ولم يلم بتفاصيله وهذا بدوره يشير إلى الخلل الكبير في الأجهزة العربية كلها وكيف تدير عملها
والمثير في هذا أن تتجه قناة العربية إلى المقلب نفسه وتجري لقاء على الهواء مع صالح قلاب ينتقد فيه هيكل مما يشير إلى أن الأزمات في الوطن العربي هكذا تتكون، فمن كلمة تقال ويساء فهمها إلى قناة تجري لقاء ويعقد اللقاء مقالات ثم تتم المقاطعات والعداوات من قصة وهمية
نترك هيكل وبقرته جانبا ونشير إلى قصة أخرى لها دلالاتها الكبيرة على أن الفئة الثالثة من المتلقي العربي هي السائدة والغالبة في الساحة الآن وهي قصة اختفاء الشاب العماني أحمد العامري، حيث قام الزميل سعيد بن سيف الحبسي مراسل الهيئة العامة للإذاعة والتلفزيون العمانية بولاية المضيبي بتغطية الحدث في قصة إنسانية رائعة ضمن تقرير متلفز تحدث فيه عن قصة اختفاء الشاب وأجرى لقاء مع والده وشقيقه وأظهر كيف أن الجيش العماني والشرطة قاما بجهود جبارة للبحث عن الشاب المختفي وأظهر في تقريره ملاحم الشعب العماني في البحث عن المفقود في جبل المدر الذي يبلغ طوله 7ك وعرضه 5ك مع وجود كهوف وأماكن وعرة، إلا أن بعض المواقع في شبكة النت تناولت القصة بأسلوب ملفق بعيد عن الواقع بأن زعمت أن جنية اختطفت الشاب وأن أحد المشايخ دخل أحد الكهوف وشاهد أحمد العامري وقد قيدته جنية بشعرها وتفاوض معها لكنها رفضت إطلاق سراحه وأن الأهالي قدموا ذبائح قربانا للجن حسب معتقداتهم الدينية – كما أشارت -، وإذا بهذه القصة تنتشر في المواقع كافة وتتقدم على أخبار وفاة 77 مشجعا كرويا مصريا في مباراة الأهلي والمصري في بور سعيد وتتقدم على أحداث سوريا، وبلغت التعليقات المئات حيث تجاوزت بعضُ الردود الحد إلى درجة السب والقذف والتشكيك والتكفير، وانشغل البعض في نقاشات لا تسمن ولا تغني من جوع عن الجن ووجودهم وغير ذلك مما يشغل المواطن العربي عن الانشغال بشيء جاد ومفيد، ورغم أن تقرير الزميل سعيد الحبسي عن الواقعة موجود ومنتشر الآن في موقع اليوتيوب إلا أن الناس انشغلت بحكايات جانبية لا أساس لها كحكاية الشيخ الذي رأى الجنية وحكاية الذبائح وغير ذلك حيث سألتُ الأخ سعيد قبل كتابتي هذا المقال عن تلك الحكايات فنفاها جملة وتفصيلا وقال إن الجبل تدور حواليه أساطير من زمان وأن الجيش قام بواجبه خير قيام للبحث عن المفقود نظرا لوعورة الجبل
عندما أرسلت لي الزميلة المذيعة عايدة بنت خميس البلوشية تقرير الزميل سعيد الحبسي عبر الإيميل قلت في نفسي إن تقريرا كهذا يحمل في طياته قصة إنسانية رائعة ويمكن له أن يحقق جوائز كثيرة، ثم قلت لنفسي إن ما قامت به شرطة عمان السلطانية وما قام به الجيش العماني شيء يستحق الشكر إذ أظهر قيمة الإنسان ولا يفعل مثل ذلك إلا الدول المتحضرة التي تحترم الإنسان وتعلم قيمته وللأسف أن ذلك يحصل في الدول الغربية فقط مع مواطنيها "طبعا"، ومن النادر أن يحصل في الوطن العربي..!
وقد ساهمت في البحث عن المفقود طائرة عمودية تابعة لشرطة عمان السلطانية وكذلك فرقة الكلاب البوليسية التابعة للشرطة وفرقة البحث والإنقاذ التابعة للدفاع المدني، كما قام الجيش العماني بمعاينة المكان ومعرفة طبيعة الجبل من قبل الأهالي ثم قام بتمشيط المنطقة دون أي أثر للمفقود
لم تنتبه معظم المواقع التي نشرت خبر اختفاء الشاب أحمد العامري إلى معاناة أهله ولم تنتبه إلى المجهود الذي قام به الأهالي ولم تنتبه إلى أن الجيش العماني والشرطة العمانية اهتما بشاب صغير مفقود في وقت تقوم فيه الجيوش والشرطة بقمع الشعوب العربية بعنف، بل اهتموا بقضايا جانبية وليست حقيقية وهذا يدل على خطورة وضع عقليات المتلقي العربي الذي يعطي اهتمامه وتركيزه لتوافه الأمور وينسى الجوهر، وخير مثال على ذلك أن مواضيع تافهة هي التي يتفاعل معها الناس والمواضيع الجادة التي تهدف إلى بناء العقول والأوطان لا يتفاعل معها أحد قراءةً وتعليقا، وكم من موقع عربي جاد في الأنترنيت يفتقد إلى القراء مثل مواقع الدراسات والبحوث المستقبلية، وكم من موقع تافه يزوره ويتفاعل معه الملايين ..؟!
إننا نحتاج إلى سنوات طويلة حتى تتغير العقلية العربية التي تهتم بالجنية وبالبقرة الضاحكة فقط..!
نشر في جريدة الرؤية العمانية
[/align]
التعديل الأخير تم بواسطة هارود ; 12-02-2012 الساعة 10:49 PM
|