البطالة والاستقدام.. الاتجاه المعاكس
من المؤكد أن البطالة معضلة تواجه مجتمعنا، لكن من المؤكد أن حلها مرتبط بالاستقدام.. أما القول إن هذا يتطلب خلق وظائف فذلكم ليس بالضرورة، فالوظائف متوافرة بدليل وجود ثمانية ملايين من العمالة الوافدة، فضلا عن أن خلق وظائف ينبغي أن تكون عملية مستمرة ناجمة عن ديناميكية وحيوية الاقتصاد والتفاعل بين عمليات التنمية في كل المناطق في جميع المجالات.
إن من الواضح أن سوق العمل عندنا يحكمها مساران متعاكسان؛ فمن ناحية ما زال باب الاستقدام يزج بعمالة وافدة على مدار العام من كل حدب وصوب، وبجميع التخصصات والمهارات وبمختلف المستويات المهنية والعلمية وبنوعيات متفاوتة من المهارات، من المتدنية إلى العالمية، غير أن مسارا معاكسا آخر ينمو بشكل سلبي في الداخل يتمثل في أعداد متزايدة من العاطلين عن العمل، إما لأنهم لم يتمكنوا من إكمال الدراسة التي تؤهلهم لسوق العمل فتسربوا باكرا تحت ضغط ظروف متعددة وإما لأنهم تخرجوا لكنهم لم يجدوا الفرص الوظيفية المناسبة أو حتى غير المناسبة.
المساران المتعاكسان يحملان في مكوناتهما تقابلات متناظرة يعوض بعضها بعضا من حيث التعليم والمهارة أو إمكانية العمل في هذه المهنة أو تلك.. والأمر يتطلب بالضرورة أن تتم دراسة مجمل فرص العمل التي يشغلها جيش العمالة الوافدة المقارب لثمانية ملايين عامل.. لأن من شأن هذه الدراسة أن تبين طبيعة الأعمال والتخصصات والمهارات المطلوبة، التي على أساسها يتم تحديد البديل الوطني من جيش البطالة الوطني وفرض وجوده على المنشأة الخاصة، وفي حالة عدم توافره على التأهيل المناسب يطلب من المنشأة تدريبه على رأس العمل بما يمكنه من أن يشغل مكان الوافد في أقصر مدة.. وطبعا ذلك يستدعي رقابة ومتابعة من قبل وزارة العمل.. وفي الحالات التي لا يتم فيها العثور على البديل الوطني تضع وزارة العمل بالتنسيق مع جهات التأهيل والتعليم والقطاع الخاص خطة عمل تستوعب بها الاحتياج المطلوب وتفتح أفقا مستقبليا يؤمن استمرارية التأهيل بما لا يشكل عجزا أو ترهلا في هذا التخصص أو ذاك.
على أن هناك في خضم هذه الملايين من العمالة الوافدة الكثير من الأعمال التي لا تتطلب تأهيلا فنيا بقدر ما تتطلب التوجيه ورغبة المنشأة نفسها في توظيف مواطن سعودي ومنحه فرصة تليق به من حيث التعامل والمقابل المادي.. وهو دور قد لا يكون متوقعا القيام به من جميع المنشآت الوطنية ما لم يتم وضع القطاع الخاص أمام الأمر الواقع على نحو لا ضرر فيه ولا ضرار لصاحب العمل وللوطن على حد سواء، أما التعويل على ''الفزعة'' و''الحس الوطني'' فرغم أهميتهما وأهمية التحلي بهما إلا أنهما في نهاية المطاف ليستا آليتين عمليتين لمعالجة البطالة يمكن الركون إليهما أو الاعتماد عليهما.
ومع ذلك.. وفي مسار هذا الرأي يظل هدف تنويع القاعدة الاقتصادية هو ''مربط الفرس'' ليس لحل معضلة البطالة أو الفقر عندنا فحسب بل هو ''المفتاح السحري'' لإحداث تحولات عميقة ونوعية في بنية التنمية ومسارات حراكها وكفاءة أدائها ودرجة رقيها وشمولها.. فالتنويع في القاعدة الاقتصادية يعني الاستثمار الأمثل للمميزات النسبية للمناطق ولمواردنا الطبيعية وفي مقدمتها القوى البشرية، أعظم وأنبل كنز.. وما لم يصار إلى تنويع فعلي في القاعدة الاقتصادية لن يتحقق التنويع في مصادر الدخل الوطني، وبالتالي سيظل صانع ''الدخل'' وهو المواطن حيثما كان عرضة للبطالة، وهي بطالة قابلة للحل اليوم بوقف الاستقدام أو الحد منه بشكل كبير ودفع القطاع الخاص لسعودة صريحة. لكنها في الغد القريب لن تحل بغير تنويع القاعدة الاقتصادية، الذي حان منذ زمن ليس بالقصير ميقات تحويله من شعار وإنجاز محدود إلى مسار يستوعب كل العقول والزنود!!