مبادرة مجلس الغرف .. التنفيذ هو المحك
خلال 15 سنة يجب أن نخلق فرصًا وظيفية لأكثر من ثمانية ملايين عامل سعودي، وهذا يعني في أبسط صورة أن ينمو القطاع الخاص بوتيرة منتظمة ومتصاعدة. كما يجب النظر إلى القطاع الخاص نظرة شمولية، فلا يُحصر في المؤسسات والشركات الكبيرة، بل حتى في الأعمال الحرة البسيطة التي يجب أن تنمو بشكل واسع لتشكل قاعدة عريضة من فرص العمل تدعم دخل الفرد، بينما تغذيها باستمرار الشركات الأكبر حجمًا، التي تقل كلما ارتفعنا في هرم القطاع، فتفتيت القطاع الخاص إلى شركات أصغر وأصغر يضمن دعم هذه المؤسسات بعضها بعضًا من خلال قيام موظفي كل مؤسسة بشراء خدمات ومنتجات المؤسسة الأخرى فتتكامل دورة الأعمال على مستوى المؤسسة وعلى مستوى الاقتصاد. وهذا كله لن يحدث ما لم نتعرف بعمق على واقع العمل الحر والمشكلات التي تواجه المبتدئين، خاصة خريجي مؤسسات التعليم المختلفة.
تأتي مبادرة مجلس غرف التجارة والصناعة في المملكة في هذا الاتجاه الداعم، وهي تسعى لمعرفة نقاط القوة والضعف في العمل الحر، وكذلك التعرُّف على المهارات والمعارف بين الشباب، ودور الجهات الداعمة في توجيه اتخاذ القرار، والعوامل الداخلية والخارجية المؤثرة في هذا التوجه. ومن المتوقع أن تنتهي هذه الدراسة وفقًا لتصريحات المجلس بتشجيع الشباب على الانخراط في مجال العمل الحر، وبالتحديد بين فئات طلاب التعليم العالي، وتوجههم لإنشاء المشاريع الخاصة على مدى السنوات الخمس المقبلة.
لقد مرت تجربة تحفيز الشباب على الانخراط في العمل الحر بكثير من الاجتهادات لم تبن حتى الآن على دليل تجريبي حقيقي يتعرف على ماذا يريد الشباب، وما الأعمال التي يعتقدون أنها تمثل العمل الحر الذي يتعلمون اليوم من أجله، ويطمحون إلى أن يجدوا الأرض ممهدة لهم لبلوغه عند حصاد تعليمهم. ولتحقيق ذلك فإنه من المهم أن يتحول العمل التجريبي الذي يقوم به فريق مجلس الغرف إلى خطة استراتيجية وخطة تنفيذية لخمس سنوات، كما هو مقترح، تستمد روحها من واقع طموح الشباب أنفسهم وليس من جانب ما يعتقد أصحاب القرار أنه طموحهم. ومن المهم أن تجد هذه الخطة دعمًا واسعًا من كبار رجال الأعمال، ليس من خلال فكر رأسمالي أناني يبحث عن فرصة لزيادة الحصص السوقية ومنافذ البيع ليتحول العمل الحر إلى عمل تابع لمؤسسات الداعمين، ويدور في فلكهم، ويصبح رجل أعمال المستقبل مجرد موظف غير معترف به في مؤسسات الداعمين ينتهي عقده مع توقف دعمه.
من المهم أيضًا أن يتنبه المجلس إلى ضرورة العمل الجاد في هذا المسار، وليس مجرد دراسات ولجان توضع نتائج أعمالها في مكتبات حِسَان. فلقد مَلَّ المجتمع من إعلانات مماثلة منذ زمن حتى فقدت مصداقيتها لدى المتلقي، خاصة فئة الشباب الذي لديه الطموح والتأهيل العلمي ويقف أمام عالم متضارب المصالح وأبواب موصدة للدعم بكل صوره وليس المادي فقط. لذلك فإن أمام المجلس محك المصداقية في تنفيذ وصايا الدراسة، وإلا لن يعدو الأمر مجرد مسح ميداني وصور للعاطلين وهمومهم في معرض نسميه ورشة عمل أو مؤتمر نصفق في آخره، بينما يذهب عدد محدود من الموظفين السعوديين العاملين في شركات دعمت الدراسة المسحية للمجلس لمراجعة جهات حكومية لإنهاء إجراءات استقدام عمالة تقدر بنحو ثمانية ملايين عامل نظرًا لحاجة السوق السعودية الماسة.