الفرق بين الرضا والسعادة
باسم عبدو
13/ 07/ 2010
يشعر المواطن بالرضا إذا كان يعمل وكذلك زوجته وابناً من أبنائه، ويمكن لمجموع الدخل الشهري لهؤلاء أن يحقق الرضا للأسرة والكفاية و(السترة)، لأنه يلبّي الحد الأدنى من احتياجاتهم، لكنه لا يشعرهم بالسعادة، فهم غير قادرين أن يبدلوا المنزل إذا كان صغيراً، أو يشتروا سيارة بالتقسيط، أو أنهم في مثل هذا الصيف الحار يغامرون للاصطياف لمدة أسبوع في ربوع (وادي النضارة)ويستأجرون غرفتين مفروشتين، ويشربون القهوة المنكّهة بالهيل في الشرفة المطلّة على الوهاد والغابات ويمتعون أبصارهم بالأشجار المثمرة.
وفي مسح عالمي أجراه معهد غالوب، شمل 136 ألف شخص من 132 دولة، طرحت عليهم أسئلة عن السعادة، وعن الأجور التي يتقاضونها.وهذه الدراسة هي الأولى من نوعها عن السعادة، وهي تفرق بين مفهومين هما الاعتقاد بأن حياة المواطن تسير على ما يرام، وبين المشاعر اليومية الإيجابية والسلبية. السؤال هل المال يجلب السعادة للإنسان؟
يجيب الفقير بالقول اللهمّ أتمم علينا، أزواجاً وأحفاداً وأبناءً، الصحة والعافية.ويكتفي بتقبيل النعم المكشوفة والمغلّفة بالنايلون، والموقعة باسم شركات عالمية.ويرى الفقير أن المال يمكن أن يجلب التعاسة، خاصة إذا كان المالك بخيلاً، لا يفكر إلاّ بجمع الفلوس وتخزينها فقط، وليس لسعادته ورفاهيته!
ويجيب الغني المنقسم على ذاته إلى جزأينالأول، نصف عقله في الجهة اليمنى الذي يشتغل بجمع المال، ويأمر بالعيش بالحد الأدنى، وهو الذي يتحكّم بمصروف البيت.والثاني، يمثل نصف عقله في الجهة اليسرى يخصّصه للصفقات وحساب الأرباح، فيظل يربح ويربح ويكدّس المال في الخزينة، ولا يندم وهو يفارق الحياة على مافعل! ويكون بذلك قد حقق للورثة ثروة كبيرة.وهناك بعض الأغنياء التعساء لكثرة المشاكل التي تعترضهم، فيبعثرون أموالهم على النساء، فيتزوجون ثلاثاً أو أربعاً.فالأولى مثلاً لم تنجب الصبيان، وتبين بعد سنة أن الثانية امرأة عقيم، والثالثة أنجبت البنات فقط...وهكذا..!ويتمنّى هذا النوع من البشر أن يكون فقيراً فربما تكون سعادته في الأحلام لا بالمال، خاصة إذا كان من مرضى السُّكري. لقد تعددت تعريفات السعادة ولم يُتّفق حتى الآن على تعريف واحد مقنع.هناك من ينظر إلى الحياة بالرضا والقبول بها كما هي، فيعيش بقناعة، ويبتسم للصباح ويتضاحك في المساء،ليس لهذه الحياة، بل لأنه يوجه أبناءه بتفاؤل لبذل الجهد والعمل، وأن يكونوا طموحين للارتقاء بحياتهم نحو الأفضل!ومن يربط بين حلقتي الأجر والسعادة، ويحقق الكفاية يكون سعيداً.وهذا مايطالب به المواطن الذي يعمل بأجر منذ عقود، لكن آماله لم تتحقق حتى الآن.ويكرر الشعار المرفوع على سارية الأحلام، وحين تهبُّ عليه النسائم وتبشره بزيادة الأجور بما يتناسب مع الغلاء وارتفاع الأسعار يهلل فرحاً وينام على أمل أن يكون الصباح مشرقاً.
إن شعار (التوازن بين الأجور والأسعار) ينام على سرير جدول أعمال الأحزاب والنقابات والاتحادات المهنية والفلاحية والكُتّاب، ولا يفيق من نومه!
اطمأن المواطن أن الفجوة لم تكن فقط بين الأجور والأسعار، بل هناك فجوات أخرى مزمنة بين(الرجل والمرأة) وعدم المساواة بينهما!لذلك وضع على الطاولة لوحة إلكترونية أنجزها حديثاً علماء في دراسة الفجوات بين الجسد والروح، والعقل والتخييل، بين ارتفاع أسعار الخضار والفواكه والبيوت وملابس الأطفال، بين التهطال المطري والثلجي وتغذية المياه الجارية والسطحية.وتتسع الفجوة وتتحول إلى جرف حاد، بين التداعيات والواقع، بين الاعتقاد بوجود مساواة بين الجنسين، وترجمة ذلك إلى حقيقة. وبيّنت اللوحة أن كثيرين في 22 دولة شملها الاستطلاع يؤيدون المساواة بين الرجل والمرأة، لكن الواقع يتغاير مع هذه التصورات.ويعتقد معظم الرجال بأن عليهم أن يحصلوا على الوظائف الجيدة وأن يحظوا بتعليم أعلى، وأن يتمتعوا بالحق في العمل. ليست البلدان النامية مصدر هذه الآراء، التي لم تصل بعد إلى المجتمعات المدنية، بل إن هذه التصريحات من البلدان الأوربية التي تدعي أنها حققت للمرأة إنجازات كبيرة، خاصة حق العمل بأجر مساوٍ لأجر الرجل. ففي الولايات المتحدة الأمريكية التي تدّعي أنها تصدّر (الديمقراطية) إلى العالم، بيّن الاستطلاع أن النساء فيها وفي أوربا يتحملنَ أكبر المسؤوليات في المنزل والعمل في الوقت عينه.أما الفرنسيون فعبّروا عن آرائهم بأنه لا توجد مساواة كاملة، وأن 100 في المئة من الفرنسيات، و99 في المئة من الفرنسيين أيدوا فكرة المساواة.وقال 75 في المئة منهم إن الرجال يحظون بحياة أفضل. وقال أكثر من 90 في المئة من المستطلعين أنهم يؤيدون المساواة، باستثناء (مصر والأردن وكينيا ونيجيريا وإندونيسيا)، إذ أيد المساواة 75 في المئة. وأكثر رجعية في نيجيريا فقال 54 في المئة (يتعين ألا تحصل النساء على حقوق مساوية للرجل). وأجاب 80 في المئة من الباكستانيين والمصريين والأردنيين (أن على المرأة ألاّ تعمل خارج منزلها، رغم أن الغالبية أيدت المساواة!).
أنجزت المرأة في سورية خلال نضالها الطويل منذ ستة عقود الكثير من حقوقها، واحتلت مراكز هامة وحساسة في الحياة السياسية والاجتماعية.ولا تزال تناضل من أجل نيل حقوقها كاملة، ولكن الدراسة لم تشملها.
السعادة كما قال المواطن لم تنجز بشكل كامل في أكثر البلدان تقدماً وتطوراً، والسعادة نسبية في الحياة، وترتدي ثوبها الزاهي إذا صدرت القوانين التي تنصفها مع الرجل وطبّقت عملياً، ويعتبر هذا أكبر إنجاز تطمح إليه المرأة السورية ويحقق لها وللرجل الرضا والحياة الكريمة للوصول إلى تأمين نسبة أكبر من مدّخرات السعادة!
باسم عبدو